حمار جحا.. - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حمار جحا..

نشر فى : الإثنين 13 يونيو 2011 - 8:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 يونيو 2011 - 8:15 ص

 يذكرنى السجال الدائر بغير انقطاع بين القوى السياسية المختلفة بعد الثورة، حول ما إذا كانت الانتخابات أولا أم الدستور الجديد أولا، بإحدى النوادر التى تروى عن جحا وحماره.. حين استبد به الجوع وهو فى الطريق، فصادف أمامه كومتين: إحداهما من البرسيم، والأخرى من القش. لم يستطع حسم أمره بأيهما يبدأ، هل يبدأ بالبرسيم ثم بالقش أم العكس؟ وظل الحمار مترددا حائرا حتى قضى من الجوع والعطش!

والقصة قد تبدو مضحكة فى عالم الحيوان، ولكنها فى عالم الإنسان تعكس العواقب الوخيمة للخلاف الناشب فى المجتمع بين الآراء المختلفة، بعد أن وافقت الأغلبية فى الاستفتاء الدستورى على الترتيب الذى أقره المجلس العسكرى. أى الانتخابات أولا ثم الدستور. إذ يعد التراجع عنه تراجعا عن رأى الأغلبية، فضلا عن أنه يطيل أمد بقاء المجلس العسكرى فى السلطة لأجل غير محدد لتشكيل جمعية تأسيسية تتولى أسس وضع الدستور الجديد. وهو ما قد يستغرق عامين على الأقل!

يعزز وجهة النظر هذه أن الانتخابات أولا سوف تمكن الأطراف الفائزة (القوى الإسلامية) من إدارة العملية لصياغة دستور وفقا لمصالحها الضيقة. ومن ثم فالأفضل ــ تجنبا لذلك ــ أن نسير على النهج التونسى أى الدستور أولا، لكى نضع قواعد المؤسسات الديمقراطية ثم تجرى بمقتضاها الانتخابات التشريعية والرياسية!

يعضد الاتجاه الأخير عدد كبير من المنظمات الحقوقية والشخصيات العامة «والوطنية للتغيير». ويضع هذا الاتجاه فى اعتباره أن هذا المسار يتناقض مع المسار الذى يحبذه المجلس العسكرى. ومعنى ذلك أن يتراجع أحد الجانبين عن موقفه. أى أن يعيد المجلس العسكرى النظر فى ترتيبات المرحلة الانتقالية التى بدا مصمما عليها حتى الآن!

والسؤال هو: ما الذى يمكن عمله إذا أصر المجلس العسكرى على التخلى عن سلطاته لحكومة مدنية وتم إجراء الانتخابات فى سبتمبر؟ عامل الوقت هنا لا يمكن تجاهله. فخلال شهرين أو ثلاثة يفترض أن تكون سلسلة من الإجراءات التنفيذية والقوانين اللازمة لإجراء الانتخابات قد اتخذت. واستعدت الأحزاب والمرشحون لخوضها، وجرى رسم الدوائر وحسمت القضايا التى لم تحسم مثل الانتخابات بالقائمة أو بالفردى ونسبة العمال والفلاحين وكوتة المرأة، وغير ذلك من المسائل التى انعقدت الحوارات حولها أخيرا.

هنا يصح أن تأتى الفكرة التى طرحها الدكتور محمد البرادعى، بمثابة حل توفيقى للسجال الدائر: الانتخابات أولا أم الدستور؟ وذلك حتى لا نظل ندور فى حلقات مفرغة، بينما يمضى الوقت وتتراكم المشكلات ويزداد العبء على السلطة العسكرية فى حل قضايا مدنية.. بينما تتوالى المليونيات فى ميدان التحرير ولا تفضى إلى نتيجة!

وتتلخص الفكرة ــ وهى ليست جديدة ــ فى طرح وثيقة دستورية تحمل «مبادئ قيام الدولة المصرية وحقوق المواطن المصرى الأصيلة» استنادا إلى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.
وطبقا لهذه الوثيقة، فإن لكل مواطن الحق فى حرية الاعتقاد والتعبير عن الرأى وغير ذلك من الحقوق. وأن تكون محاكمته أمام قاضيه الطبيعى ولا يتعرض للتعذيب أو انتهاك حقوقه. وهذه الوثيقة التى تضمن حماية المصريين أيا كان شكل الدولة مدنية أو برلمانية أو رياسية ثابتة لا يجوز تعديلها أو المساس بها. بينما يمكن تعديل الدستور والقانون!

ومثل هذه الوثيقة لو تم التوافق عليها يمكن طرحها للشعب لإقرارها كإعلان دستورى، تجرى الانتخابات على هديها تشريعية ورياسية. وتتاح الفرصة فى هدوء لصياغة دستور دائم جديد فى أجواء أقل توترا تسد الفجوة بين الفريقين: الداعين للانتخابات أولا، والداعين للدستور أولا.

لابد أن نعترف بأن الهدف من كل دوائر النقاش والمقترحات المطروحة حول هذا الموضوع، هو إزاحة الغموض عن الموقف الراهن، واختصار الطريق لعودة الأوضاع الطبيعية، التى تسمح بعودة العسكريين إلى ثكناتهم وتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة، تخضع للحساب والمساءلة طبقا لقواعد الديمقراطية. تعيد عجلة البناء والإنتاج.. فكلما طالت فترة الجدل واحتدم النقاش، كلما اهتزت الثقة فى المستقبل وتعددت الثغرات والهفوات التى تنفذ منها عناصر الثورة المضادة!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات