آدم والأسماء - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

آدم والأسماء

نشر فى : الجمعة 13 أغسطس 2010 - 11:48 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 أغسطس 2010 - 11:48 ص

 أقوال كثيرة عن الأسماء التى علمها الله لآدم ومعظمها يستند إلى تراث بشرى فبينما يرى البعض أن الله علم آدم أسماء جميع المخلوقات، يقول آخرون إنها أسماء ما كان وما سيكون إلى يوم الدين!! وينقل آخرون أن الله علمه بعض الغيوب التى لا تعلمها الملائكة.. فلا بد من التدقيق فى سياق الآية ومفرداتها...

فسؤال الملائكة لم يتعرض لعلم آدم ولم يتهموه بعدم العلم، بل كان خوفهم من فساد الأخلاق وقتل الأنفس (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) البقرة : 30.. والمنتظر هنا تفنيد تلك الرؤية وتبديد القلق والخوف من سوء السلوك... والتعبير القرآنى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِى بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ــ البقرة:31 ــ فصيغة الجمع (الأسماء كلها) قد تحولت إلى ضمير الغائب لجماعة العقلاء (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) وأظن لو كانت أسماء جمادات وحيوانات لكان الضمير (ثم عرضها)... لكن ضمير العقلاء (هم) يستلزم نظرا آخر، وعلى ذلك فهل علَّم الله آدم أسماء المرسلين من ذريته، هؤلاء الدعاة الهداة الذين يواجهون سوء الأخلاق بما أنزل عليهم من وحى ونور فينتشر السلام ويعم العدل وتعمر الأرض ولا تسفك الدماء.

هل يمكن أن تكون الأسماء التى تعلمها آدم هى مثلا: (إبراهيم ــ إسماعيل ــ موسى ــ عيسى ــ محمد) بما يحملون من دين وشرع يساهمون فى حفظ الحياة ودوام تسبيح الله والتقديس له.

فإذا كان للمخلوق حق فى أن يسأل ويجادل، وحق طلب العلم والاقتناع فلا ينس المخلوق أن عليه واجب الإقرار بالحق والرجوع إليه وسحب ما سبق إعلانه... فهؤلاء الملائكة يعتذرون بسحب ما أثاروه من قبل (قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ) ــ البقرة:32.

فى حين نسج المفسرون حول قصة آدم منظومة تراثية لا دليل عليها فى القرآن ونحن لا ندع فى القرآن وننشغل بالتراث.. وقد أخبرنا القرآن أن الله تعالى كلَّف جنسين بالعبادة والطاعة، وهذان الجنسان هما الجن والإنس (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) ــ الذاريات:56 ــ وقد قرر القرآن أن الله قد خلق الأنس من ماء وطين، وخلق الجان من مارج من نار (وَخَلَقَ الجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) ــ الرحمن:15. ولكل جنس فئات، فمن الجنس البشرى نجد فئة المؤمنين وفئة الكافرين وفئة الفاسقين مع أنهم جميعا بشر من طين. أما الجنس الآخر وهو جنس الجن، ولفظ الجن يقصد به ذلك الجنس الخفى الذى يرانا ولا نراه، ولفظ الجن جنس عام للكائنات المكلفة الخفية، ويشتق منه (جن عليه الليل): أى ستره الله وأخفاه، وكلمة جنينة فقد سميت الحديقة لأن أشجار الحديقة تخفى ما بداخلها، فالجن هو الجنس المكلف الخفى.

فهل نعتبر الملائكة فئة من فئات الجن لأنهم من الجنس المكلف الخفى، وعلى ذلك فالصالحون من الجن هم الملائكة، أما المردة والعصاة هم إبليس وذريته.. والقول بأن الملائكة من نور (قول لا دليل عليه) فالنور والنار مادة واحدة إذا صفت وهذبت وتم السيطرة عليها كانت مصدر نور وإشراق أما إذا تمردت وخرجت من الالتزام والسيطرة كانت مصدر ظلام وإحراق.

فإذا قبلنا هذا سهل علينا فهم قوله تعالى (...إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ... ) ــ الكهف:50 ــ أى أن إبليس قد عصى وأخلد إلى ذاتيته فتكبر وعصى ربه فخرج بعيدا عن التهذيب فعاد نارا تحرق بلا إشراق ويصبح المقصود من الكلام (إن الله أمر الملائكة (فئة الطائعين من الجن) وإبليس كان منهم فلما تكبَّر إبليس وأبى أن يسجد زادت فيه مقومات المعصية والإحراق وتلاشت منه مقومات الطاعة والإشراق... وهذا التصور يعيننا على فهم علاقة إبليس بالملائكة.. وقد نظن أن الملائكة لا تقع منهم معصية (...لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ــ التحريم: 6 ــ ولكن هؤلاء هم فئة الطاعة التى تثبت على طاعتها، وهذا لا ينفى وجود فئات أخرى تتردى فى المعصية تماما كما نجده عند البشر.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات