زيارة مقلقة وتصريحات محيرة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زيارة مقلقة وتصريحات محيرة

نشر فى : الأحد 14 فبراير 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الأحد 14 فبراير 2016 - 9:55 م
أيحق للمرء أن يعبر عن عدم ارتياحه للزيارة التى قام بها وفد المنظمات اليهودية الأمريكية للقاهرة وأن ينسحب عدم الارتياح على تصريحات المتحدث باسم الرئاسة عن مضمون لقاء الوفد مع الرئيس عبدالفتاح السيسى؟ ــ فالزيارة لم تكن مستحبة من الأساس، والتصريحات التى صدرت عنها جاءت منقوصة ولا تعبر بدقة عن الموقف المنتظر من مصر. حتى التغطية الإعلامية للزيارة جاءت خجولة وملتبسة وفيها من المداراة بأكثر ما فيها من الإفصاح والإبانة. لذلك أزعم أن العملية كلها جاءت خصما من رصيد مصر بل لم تكن حتى إسهاما فى الحفاظ على ذلك الرصيد دون زيادة أو نقصان.

فالوفد المذكور يعبر عن «اللوبى» الصهيونى فى الولايات المتحدة، المعادى للعرب على إطلاقهم خصوصا الفلسطينيين منهم. وفى الوقت ذاته فإنه يمثل مركز القوة الداعم لليمين الإسرائيلى والواقف دائما فى صف «الليكود» وكل قوى التطرف الصهيونى. بالتالى فهو بمثابة خط الدفاع الأول لإسرائيل فى واشنطن. وهو لا يمثل قوة ضغط على الإدارة الأمريكية فحسب، وإنما هو أيضا يتحرى المصالح الإسرائيلية فى كل نشاطاته الخارجية. وليس سرا ان تلك المنظمات هى الأكثر حماسا للدفاع عن الرئيس عبدالفتاح السيسى، لا لشىء سوى أن إعلانه خوض الحرب ضد الإرهاب دفعة إلى تهدئة وتيرة الصراع ضد إسرائيل، على نحو فتح الباب لتأويلات عدة وقد حرصت تلك المنظمات على تثبيت اسوأ ما فيها على نحو يوحى بحدوث انقلاب فى الموقف المصرى يطوى صفحة الصراع الذى قادته القاهرة فى دفاعها عن القضية الفلسطينية ويسقط التزامها بمقتضيات الدفاع عن الأمن القومى العربى. من ثم فإن الزيارة كانت تستهدف المصلحة الإسرائيلية أولا وأخيرا. وذلك وحده سبب كاف للامتعاض والاستهجان إزاء حدوثها.

ما قاله المتحدث باسم الرئاسة عن لقاء الوفد مع الرئيس السيسى لم يكن مريحا أيضا، إذ نقل عن الرئيس تأكيده على «أهمية الارتقاء بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة تتناسب مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها خطر الإرهاب مشيرا إلى الجهود التى تقوم بها مصر على صعيد مكافحة الإرهاب والتطرف وتصويب الخطاب الدينى وتنقيته».

الفقرة السابقة نص مقتبس من تقرير جريدة الأهرام عن الزيارة، الذى أبرزته على صفحتها الأولى يوم الجمعة ١٢/٢. وبعد ذلك الاستهلال نقلت الأهرام عن المتحدث باسم الرئاسة قوله إن الرئيس «شدد على أهمية الدفع قدما بعملية السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، مشيرا إلى ضرورة التوصل إلى سلام عادل وشامل بين الطرفين ينهى الصراع بشكل دائم، ويفسح المجال لدول المنطقة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى تتطلع إليها شعوبها».
العناوين التى نشرتها بعض صحف الجمعة عن الزيارة والتى وصفتها بالملتبسة كان منها ما يلى:

«تعزيز التعاون مع أمريكا بما يتناسب مع المتغيرات الإقليمية والدولية ــ الرئيس: لابد من دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين (الأهرام) ــ السيسى لوفد المنظمات اليهودية الأمريكية: تحقيق السلام العادل والشامل خطوة مهمة فى مكافحة الإرهاب (الأخبار) ــ السيسى لوفد المنظمات الأمريكية اليهودية: «تحقيق السلام يقضى على الإرهاب» (المصرى اليوم) ــ «السيسى: سلام الشرق الأوسط يقضى على الإرهاب» (الوطن) ــ السيسى: علاقة القاهرة وواشنطن استراتيجية وثابتة ومستقرة ــ تحقيق السلام يقضى على الإرهاب ويفسح المجال للتنمية» (الجمهورية).

هل هذه التصريحات وتلك العناوين تعبر حقا عن موقف ضمير مصر ورؤيتها الاستراتيجية؟ لا أستطيع أن أجيب على السؤال بالنفى أو التأييد، لكننى لا أريد أن أصدق أن هذا هو كل ما لدى مصر فى الموضوع، بوجه أخص حين يكون الكلام عن زيارة وفد أمريكى يناصر الإرهاب الإسرائيلى بالتأييد والتمويل والتسويق. ذلك أننى أفهم أن يكون الإرهاب مشكلة داخلية فى مصر، وأن التصدى للإرهاب الإسرائيلى هو أحد عناوين سياستها الخارجية، كما أفهم أنه تتعذر المساواة بين القاتل والقتيل فى القضية الفلسطينية. وأن هدف التوصل إلى سلام عادل وشامل ليس تحقيق التنمية الاقتصاية الاجتماعية فحسب، ولكن يسبق ذلك ويتقدم عليه هدف تحرير الأرض المغتصبة وإعادة الشعب المشرد والمعذب إلى دياره التى طرد منها.

يحز فى نفسى أن أقارن بموقف السويد التى أدانت وزيرة خارجيتها التطرف الإسرائيلى، أو البرازيل التى رفضت سفيرا إسرائيليا من قادة المستوطنين، أو البرلمان الأوروبى الذى رفض الاعتراف بالمستوطنات ومنتجاتها، أو حملة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل ونجاحاتها فى الولايات المتحدة وأوروبا وكندا.

إن جيلنا يعرف أن مصر أولى بكل ما سبق. ولا تقنعه التبريرات التى تساق لغض الطرف عن الممارسات الإسرائيلية، أو السكوت على التصريحات الجارحة التى تصدر فى تل أبيب، ومنها ما نشرته صحيفة جيروزاليم بوست فى ٦/٢ لوزير الطاقة هناك يوفال شناينيتز الذى تبجح وادعى أن مصر أغرقت الأنفاق مع غزة بطلب من إسرائيل. وهو ما أغضب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية طبقا لما ذكرته الإذاعة البريطانية فى ٨/٢، لكننا لم نجد أثرا لذلك الغضب فى مصر. وهو سبب إضافى يضاعف من الحيرة والبلبلة، ويشيع لدى أمثالى خليطا من الحزن والخزى.
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.