أحمد كمال أبو المجد.. الكلمة الطيبة.. صدقة! - نجاد البرعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحمد كمال أبو المجد.. الكلمة الطيبة.. صدقة!

نشر فى : الأحد 14 أبريل 2019 - 10:15 م | آخر تحديث : الأحد 14 أبريل 2019 - 10:15 م

فى ربيع عام ٢٠٠٤ دق هاتفى النقال، وما أن قلت بطريقتى الجافة فى الرد على الأرقام التى لا أعرفها «نعم» حتى انساب صوت هادئ وقور «إزيك يا أستاذ نجاد.. أنا كمال أبو المجد.. إيه رأيك نتقابل»!!. كان وقتها نائبا لرئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، كان أقرب إلى الرئيس المشارك منه إلى نائب الرئيس، كانوا قد اختاروا الدكتور بطرس غالى، رئيسا للمجلس، ومعه الدكتور كمال أبو المجد، وكان بطرس غالى واجهة دولية مناسبة، ولكنه لم يكن بحكم خبرته يعرف عن الداخل المصرى الشىء الكثير. كان اختيار كمال أبو المجد ليكون هو من يدير عمل المجلس داخل مصر اختيارا مناسبا، كثير من الذين كانوا يعملون فى الميدان السياسى والإعلامى وحتى فى الحركة الحقوقية وقتها مروا على «منظمة الشباب الاشتراكى» الذى كان له دور مهم للغاية فى إنشائها ووضع برنامج عملها، ساهم الرجل فى إخراج جيل لديه رؤية فكرية ذات طابع تقدمى، قادر على اختيار الموقف الذى يراه صحيحا والدفاع عنه والتضحية من أجله، فى ذلك الوقت كانت الحركة الحقوقية المصرية منقسمة إزاء المشاركة فى أعمال مجلس شكله «حسنى مبارك» أو حتى التعاون معه، كانت النظرة إلى المجلس سلبية، واختيار أعضائه كان يتم فعليا عن طريق الرئاسة ولم تكن اختصاصاته تسمح له بالتأثير إيجابا فى وضع حقوق الإنسان. كان اختيار بهى الدين حسن وحافظ أبو سعدة فى أول تشكيل للمجلس صادم لكثيرين أنا فى مقدمتهم. كانت تربطنى ببهى الدين حسن صلة أشبه بصلة التلميذ بأستاذه، كان أول من أخذ بيدى وعرفنى على حركة حقوق الإنسان وآليات عملها، أما حافظ أبو سعدة فهو أخى الأصغر الذى دخل إلى ميدان حقوق الإنسان عن طريقى ثم أضاف إليه من أفكاره وخبراته كسجين سياسى ومناضل قديم، لم أترك مكانا أستطيع أن أتكلم فيه أو منه إلا وهاجمت المجلس وأعضاءه وشككت فى نوايا الحكومة من إنشائه. فى خضم تلك الحملة أدلى الدكتور بطرس غالى بحديث إلى إحدى الصحف قال فيه «إن المجلس يمكن أن يتلقى كل التمويل الدولى الموجه إلى المنظمات الحقوقية، ويقوم من جانبه بتوزيعه عليهم ومراقبة أوجه إنفاقه!!». كان الرجل يحاول أن يجد حلا لمشكلة التمويل الأجنبى للمنظمات الحقوقية وهو أمر تستخدمه الحكومة وما زالت من أجل تشويه صورة المنظمات الحقوقية وناشطيها، من جانبى وجدتها فرصة لتشديد حملتى على المجلس وأعضائه وانطلقت أهاجم هؤلاء اللذين أحضرهم النظام من «مقهى المعاشات» متوهما أنه يستطيع بهم أن يسيطر على الحركة الحقوقية الشابة، وفى هذا الجو المتوتر وبسببه التقيت بالدكتور أبو المجد بناء على طلبه، كان الرجل مرتاحا مبتسما وهو يرحب بى فى مكتبه ويتعامل معى وكأننى ند له لا تلميذ لأصغر تلاميذه. «زعلان من إيه بقى يا سيدى؟» سألنى وعلى وجهه الوقور ابتسامة هادئة، انطلقت أشرح وجه نظرى بحدة، وأهاجم المجلس وسياساته وأعضاءه بتلميح مرة وبتصريح مرات، لم أخرج عن حدود الأدب بالطبع ولكنى أظن أنى خرجت فى بعض الأحيان عن حدود اللياقة، استمع الرجل لنصف ساعة دون أن يقاطعنى، ثم بدأ يشرح لى بهدوء وصبر ما يظن أن قد غمض على من المواقف، ثم ابتسم فى نهاية شرحه الطويل وهو يقول «اسمع يا أستاذ نجاد، فيك طيبة، ولديك عقل راجح، ولكن فيك حدة، وكلماتك فى بعض الأحيان تكون أشد وقعا من ضربات السياط!!، إن أردت أن يفهمك الناس أو على الأقل أن يحسن الناس فهمك فعليك بالكلمة الطيبة.. الكلمة الطيبة صدقة يا أخى.. والرفق جميل!!»، كان أبو المجد رجل حوار وناظر مدرسة البناء على نقاط الاتفاق بين المختلفين مهما كانت ضعيفة أو غير مرئية، لا عجب أن الرجل على هدوئه وقدرته على خلق المساحات المشتركة لم يجد له مكانا يناسب قامته فى أى نظام حكم. بعد خروجه عام ١٩٧٥ من وزارة الإعلام لم يحظ الرجل بأى منصب سياسى. ربما كان الرئيس يستشيره أحيانا ويأخذ بمشورته فى بعض الأحيان القليلة ولكنه ظل بعيدا مرة باختياره ومرات بقرار أصحاب الاختيار. لم يكن هذا غريب على بلد لا تحب الحكومة فيه ــ ولا معارضوها ــ الحوار أو الحلول الوسط وتجنح دائما إلى المواجهات التى تؤدى إلى الفوز الكامل أو الخسارة النهائية، فى ٧ يوليو ٢٠١٥ قال الرجل كلمته الأخيرة واختفى بعدها؛ فى حديث طويل لجريدة التحرير نشر على موقعها تكلم الرجل عن كل شىء عن الحكم وطبيعته، عن القضاء واستقلاله والتدخل فى عمله، عن الإخوان المسلمين وتلاعبهم بدعوات الحوار، على بعض الشخصيات المحسوبة على التيارات الإسلامية وتأثير السن فى حكمها على الأمور؛ وعلى انتهاكات حقوق الإنسان وطبيعتها والمسئول عنها، وعن الحاكم وطبيعة أفكاره وكيف بدأ متسامحا وانتهى مخيفا!!. قال كمال أبو المجد شهادته الأمينة على ما حدث ويحدث فى مصر. أدى واجبه قال كلمته، أدار ظهره وسكت. لقاؤنا الأخير كان فى أحد الفنادق بمدينة نصر. كنت مع زوجتى وأبنائى، فوجئت بالدكتور كمال أبو المجد وقسم من عائلته يدخلون المكان نفسه، كانت أمورى مع الحكومة «مش ولابد». تقدمت للسلام عليه ابتسم وقال «خد بالك من نفسك ولا تنس.. الكلمة الطيبة صدقة». ابتسمت، انحيت عليه وقلت «يا دكتور دا انت بتقول كلام زى الرصاص»، ضحك وقال «كلمة الحق.. من أعظم الجهاد»!!.. ربت على كتفى.. انصرفت وتعلمت درسا جديدا على يد هذا الرجل الكريم. الكلمة الطيبة صدقة.. نعم.. ولكن كلمة الحق لابد أن تقال بصراحة واستقامة دون التواء أو مداهنة، هنا قد لا تكون طيبة وقد لا تكون صدقة.. ولكنها تكون «جهادا» بل من «أعظم الجهاد»، وقد فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة. إنا لله وإنا إليه راجعون.

التعليقات