المجالس المنسية - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المجالس المنسية

نشر فى : السبت 15 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 15 يونيو 2013 - 12:11 م

فوجئت بوقفات احتجاجية للعاملين بالمجالس القومية المتخصصة، المفاجأة طبعا لم تكن فى احتجاجهم على الدولة، فالجميع الآن يحتج بما فى ذلك الدولة نفسها، لكن المفاجأة كانت لأن المجالس القومية المتخصصة مازلت موجودة، ولا أحد يتذكرها، بما فى ذلك رئاسة الجمهورية ذاتها، التى تتبعها المجالس والتى من المفترض أنها أحد أهم مجالسها الاستشارية (الكثير من الأفكار الجيدة التى نفذها النظام السابق كانت من إعداد هذه المجالس).

 

وكان الرئيس الراحل أنور السادات قد أسسها كمجلس استشارى فى نهاية سنوات حكمه، وأسند رئاستها للدكتور عبدالقادر حاتم، والذى ظل رئيسها ومشرفا عليها حتى عام ١٩٩٩، ثم تولى الإشراف عليها من بعده الدكتور عاطف صدقى، إلا أن تم إسنادها للسيد كمال الشاذلى فى الاعوام الاخيرة من حكم مبارك، وقبل الثورة مباشرة تم تعيين الوزير السابق أحمد رضوان قائما بالاشراف عليها، ثم احترقت المجالس مع احتراق الحزب الوطنى فى الأيام الأولى للثورة، ولم يتذكرها أحد حتى هذه اللحظة، وعندما احتج العاملون بها (عددهم لا يتجاوز المائة) لم يلتفت أيضا الجميع لهذه المجالس، التى كانت بمثابة المستشار الأول لرئيس الدولة قبل الثورة. 

 

أذكر، أنه بعد هدوء الأوضاع نسبيا عقب الثورة، طلب منى القانونى الكبير الدكتور على الغتيت، ضرورة مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بإنقاذ الدراسات التى أعدها هذا المجلس، فهو يرى أنها كنز حقيقى، قام بوضعها كبار خبراء مصر، بعيدا عن سلطات الجهاز التنفيذى، وبمعزل عن أهواء الحزب الوطنى، وجل أعضاء هذه المجالس كانوا من غير الطامعين فى السلطة، فغالبيتهم ودعوا مناصبهم ولا مصلحة لهم، إلا مصر، وفقا لتعبير الدكتور الغتيت، وأن هذه الدراسات تشمل معظم القضايا والمشكلات التى تعانى منها البلاد، وفى مقدمتها التعليم والخدمات والانتاج. 

 

كنت أعتقد أنه بمجرد انتخاب رئيس، وتفعيل مؤسسة رئاسة الجمهورية، أن هناك من سيلتفت لهذه المجالس ودراساتها وأبحاثها، خاصة أنها كانت جهة محايدة بالفعل وتضم خيرة العقول المصرية وخبرة أفضل رجال الدولة السابقين ممن أنهوا مهامهم الرسمية، كما أن الدولة كانت فى حاجة حقيقية لاستشارات فى كافة المجالات لإعادة البناء، لكن الرئاسة تناست تماما هذه المجالس، ثم تذكرناها جميعا باحتجاجات موظفيها.

 

وللأسف الشديد لم أستطع معرفة إذا ما كانت المجالس تنعقد حتى الآن، أم أنها ذهبت مع أشياء كثيرة جيدة فى زحام العراك السياسى، الذى أزاح من طريق مصر كل عمل جاد وعلمى ومخلص، وتبقى فى الساحة الصراخ والعويل وإطلاق الاتهامات وإشعال الصراعات، ونفى الآخر واستبعاد الجميع من المشاركة فى صنع القرار أو حتى المساهمة بأفكار فى مواجهة مشكلاتنا وأزماتنا. 

 

إن قصة المجالس القومية المتخصصة، مجرد نموذج، لإهمال النظام الحاكم، لمؤسسات كانت قائمة وفعالة، وتنتج بعضا مما نحتاجه بالفعل، وهى تعكس طريقة التفكير فى إقصاء كل ما كان قائما قبل الثورة، دون استيعاب فكرة أن هذا الوطن به الكثير من المخلصين، وبه الكثير من المؤسسات، التى كان يجب أن تبقى، بعد تعديل مسارها أو إعادة ضبطها من أجل ضمها لقوة العمل.

 

وإذا لم يكن النظام الحاكم لا يرغب فى ذلك، فعلى الأقل أن يبحث عن الدراسات التى أعدها قطاع مهم من رجال مصر المخلصين، فإذا لم يكن يرغب فى ذلك أيضا، فعليه نظر مشاكل هؤلاء الموظفين، وذلك أضعف الإيمان.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات