حكواتى ومغنواتى - داليا شمس - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكواتى ومغنواتى

نشر فى : السبت 16 أبريل 2022 - 8:15 م | آخر تحديث : السبت 16 أبريل 2022 - 8:15 م
«نزهة النفوس» هو عنوان عرض موسيقى بصرى للعازفة والملحنة نانسى منير التى أرادت خوض تجربة فنية تشتبك فيها مع بعض أغانى عشرينيات القرن الماضى بشكل معاصر، وسيصدر نتاجها خلال أشهر قليلة فى ألبوم.
لست هنا بصدد عمل تقييم تفصيلى لهذه التجربة التى أرادت إلقاء الضوء على حقبة ضائعة من الغناء الشرقى يكتفى الناس عادة بنعتها بالإباحية والخلاعة، إذ يُحسب لها أنها لفتت الانتباه مجددا إلى مرحلة من تاريخنا الفنى وجعلت البعض يتعرف على شىء من معالمها، حتى لو كانت الصورة غير مكتملة ولو كنا نتوقع مستوى أعلى من الحوار بين القديم والحديث أو حتى بين الموسيقي والبصري، فالفكرة كانت تعد بما هو أفضل وأكثر إمتاعا.
لجأت نانسى منير إلى تسجيلات لمنيرة المهدية وصالح عبدالحى وحياة صبرى وعبداللطيف البنا وفاطمة سرى، يستمع إليها الجمهور وتمتزج بتأثيرات موسيقية يلعبها عازفون شباب على المسرح، ويصاحب ذلك أجزاء من لقاءات صحفية نادرة لنجوم هذه الفترة ونص يعلق على الأحداث ويربط بينها، دون كثير من العمق أو التحليل.
• • •
استوقفنى العنوان الجذاب «نزهة النفوس»، وذكرنى بعنوان مرجع قيم لعلى بن داود الصيرفى «نزهة النفوس فى تواريخ الزمان»، الذى يتناول العلوم التاريخية بصورة خاصة تختلط فيها الآثار بالجغرافيا ومعظم تخصصات العلوم الإنسانية فى حوالي ألفى صفحة، والمنهج نفسه يمكن اتباعه لدراسة حقبة العشرينيات بكل تقلباتها، فمن خلال أغنيات العصر يمكننا قراءة الظرف السياسى والتطورات الاجتماعية والتكنولوجية التى واكبت ظهور هذه الأعمال الفنية.
غالبا يرجع المراقبون هذه النوعية من الأغنيات الخفيفة إلى فشل ثورة 1919 وسطوة الاحتلال فى مصر، إلا أنها ارتبطت أيضا بحالة اجتاحت مختلف الدول بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التى أودت بحياة عشرين مليون شخص، إضافة إلى خمسين مليون آخرين وافتهم المنية بسبب جائحة الإنفلونزا الإسبانية ما بين عامى 1918 و1920، إذا من الطبيعى أن يرغب الناس فى الترفيه عن أنفسهم والانغماس فى الحياة واللهو، دون الاكتراث بما ينتظرهم. لذا سُميت هذه الحقبة بالعشرينيات الهادرة أو بسنوات المجون، وكان ذلك ينطبق على العالم بأسره لأنها أيضا فترة شهدت نوعا من العولمة الثقافية بسبب اختراع الراديو وانتشار المتاحف وتطور وسائل السفر خاصة مع ظهور شركات الطيران الأوروبية.
• • •
ومصر بموقعها المتميز بين الشرق والغرب، إضافة إلى وجود عدد كبير من الجاليات الأجنبية بها، كانت فى خضم الأحداث والتفاعلات، بل صارت محط الأنظار بعد تطور علم الآثار واكتشاف المقابر الفرعونية التى تناقلت أخبارها الصحف. كانت البلاد قد شهدت نهضة ثقافية وحركات تنويرية بدأت فى أواخر القرن التاسع عشر ووصلت لأوجها فى بدايات القرن العشرين، وامتدت آثارها لمجالات الآداب والفنون والسياسة والفلسفة والدين. وانعكس ذلك دون شك على الموسيقى، فبزغ نجم عبدالحمولى والمدرسة الخديوية التى مثلها والتى سميت أيضا بموسيقى البلاط.
مزجت هذه الأخيرة بين الموروث المصرى بأطيافه: موسيقى الريف والمدن والمتصوفة.. إلخ وبين عناصر مأخوذة من الموسيقى التقليدية السورية والفارسية والتركية، وكان الشكل الأكثر انتشارا وقتها هو «الوصلة» الكلاسيكية المبنية على ثلاث مراحل متتالية تمهد كل واحدة منها للأخرى وتسمح باستعراض الإمكانات.
لكن مع بداية العشرينيات انحسر هذا الشكل لصالح الطقطوقة الخفيفة التى تتكون من مذهب وعدة مقاطع، وأدخل هذا النوع من الغناء بعض شعراء العامية أمثال الشيخ محمد يونس القاضى (مؤلف بلادى بلادى) وبديع خيرى وبيرم التونسى، واشتهرت به سلطانة الطرب منيرة المهدية (1885ــ 1965) والكثير من أبناء وبنات جيلها.
سجلت الست منيرة أغنياتها على أسطوانات الفينيل ذات الـ78 لفة بدءا من عام 1906، وبالتالى حاولت تقصير أغنياتها لتتناسب مع الأداة الجديدة وتكون خفيفة لطيفة فى متناول الجميع. غنت مثلا «بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة» و«أرخى الستارة اللى فى ريحنا لاحسن جيرانك تجرحنا». وغنت نعيمة المصرية «تعالى يا شاطر نروح القناطر»، و«هات الإزازة وأقعد لاعبنى»، و«خد البزة واسكت»، و«يابو الشريط الأحمر»، و«حكواتى ومغنواتى». وغنت كذلك نجمات هذا العصر: حياة صبرى وأمينة شخلع وأسماء الكمسارية ونبوية غزال وأمينة الصرفية وسكينة حسن وغيرهن، القادمات من سائر أنحاء المحروسة، جنبا إلى جنب مع مطربين رجال برعوا أيضا فى الطقطوقة وغنوها ضمن أشياء أخرى مثل عبداللطيف البنا والعظيم سيد درويش.
لم يكن هناك ما يسمى بالرقابة، والحكومة لم يكن لديها إذاعة رسمية قبل عام 1934، وكان الاعتماد على الإذاعات الأهلية مثل محطة راديو فيولا وإذاعة سابو. وفى العام 1943، تقلد محمد يونس القاضى منصب رقيب المصنفات الفنية، وعلى الأغلب اضطر إلى منع أغنيات كتبها بنفسه، بحسب بعض الروايات.
• • •
على صعيد آخر، كانت هناك روزا اليوسف التى استضافت صالونا ثقافيا ثم أسست مجلة تحمل اسمها عام 1924، والتحقت بعدها بسنة عزيزة أمير بفرقة «رمسيس» المسرحية لصاحبها يوسف وهبى، قبل أن تنتقل إلى العمل فى السينما. وخلال الفترة نفسها وصلت آسيا داغر إلى مصر قادمة من لبنان... وشهدت قاهرة العشرينيات أيضا افتتاح العديد من الكباريهات و«الميوزيك هول» أو المسارح المتخصصة فى مجال الترفيه، كما فى سائر أوروبا، ففى ذات الوقت كانت جوزفين بيكر قد سحرت الألباب على مسارح الشانزليزيه ولمع اسم النجم موريس شيفالييه فى عالم الاستعراض، وانتقلت موسيقى الجاز من الولايات المتحدة الأمريكية إلى القارة البيضاء.
هذه الحقبة تحتاج الكثير من الدراسة، مع ربط ما حدث فى بلادنا بإطار أوسع، ومقارنته ربما بالوقت الحالى، فمزاج الناس وغناؤهم فى زمن ما يقول الكثير عن عصرهم، ولاهتمامهم بنوع من الغناء أسباب وجيهة تعبر عنهم. الخلاعة تعبر عن شىء ما، ورغبة النساء فى كسر المحظورات له دلالاته، والألفاظ النابية هى أيضا وليدة ظروف معينة.
التعليقات