قراءة أولية فى نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة أولية فى نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية

نشر فى : الثلاثاء 16 يونيو 2009 - 6:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 يونيو 2009 - 6:55 م

 نجح الرئيس أحمدى نجاد فى الفوز بولاية ثانية، باكتساح فى انتخابات الدورة العاشرة لرئاسة الجمهورية فى إيران. وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات كانت محكومة كسابقتها من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بطبيعة المحددات والضوابط التى يفرضها النظام السياسى الإيرانى ــ فإنها جاءت فى ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية فرضت نفسها عليها وتركت تأثيرا على بعض مراحل العملية الانتخابية، وساهمت بصورة كبيرة فى النتائج النهائية التى أدت إلى فوز الرئيس نجادى فى مواجهة منافسه الرئيسى الإصلاحى مير حسين موسوى.

ولا شك أن ما جرى خلال هذه الانتخابات والمواجهة التى تمت بين المرشحين، قد كشفت عن حقيقة المشهد السياسى الداخلى فى إيران وطبيعة العلاقة بين تيارى الإصلاح والتشدد، وحدوث ملامح لبداية انقسام داخلى أكثر تميزا ووضوحا بين التيارين، بل إن المواقف المتشددة للرئيس أحمدى نجاد، قد دفعت إلى نوع من التقارب بين مجموعات وقطاعات ــ من داخل أوساط التيار المحافظ عبرت عنها شخصيات كبيرة داخل النظام مثل السيد هاشمى رافسنجانى ــ مع مواقف المرشح المعتدل، وفى مواجهة التيار الأكثر تشددا الأمر الذى يشير فى النهاية إلى عودة تأثير التيار المعتدل الذى كاد يتلاشى فى نهاية فترة خاتمى، وبحيث أصبح أكثر جرأة، فى التعبير العلنى عن مواقفه ووجهات نظره. الجديد على هذا المستوى هو توجيه السيد رافسنجانى رسالة إلى المرشد والقائد الأعلى خامنئى احتوت على نوع من الانتقاد وهو أمر غير مسبوق، ولكنه أكد وجود عملية فرز داخل القطاعات والقوى ذات التأثير، وأن الخلاف الذى كان خافتا ومسكوتا عليه قد خرج إلى العلن، والنقد أصبح مباشرا ودون قدسية لأى منصب، وأن هناك حراكا وتفاعلا اجتماعيا وسياسيا داخل إيران، يتطلب مزيدا من الاهتمام والمتابعة.

لا شك أن رد فعل قيادات الحرس الثورى التى هددت القوى الذى تزعمت هذا الحراك بالقمع والمواجهة، ورسالة المرشد الأعلى التى باركت نتيجة الانتخابات والتى طالبت المرشح الإصلاحى بضبط حركة مؤيديه، وما أعقب إعلان نتائج الانتخابات من مواجهات بين قطاعات شعبية محتجة وقوى الأمن دليل واضح على أهمية وأبعاد هذا التفاعل والحراك السياسى وما يحمله من تداعيات على الداخل الإيرانى. ومن الواضح أن المؤسسات الضابطة داخل النظام الإيرانى خصوصا مكتب المرشد ومجلس الأمن القومى قد شعرت بكثير من القلق، وهو ما دفع وزارة الإرشاد إلى فرض وصاية على الصحف التى تعبر عن التيار الإصلاحى واشتراط الحصول على تصريح مسبق لعناوين هذه الصحف قبل إصدارها.

نحن إذا أمام تغيير قادم فى المجتمع والنظام السياسى الإيرانى يعكس حيوية وقوة هذا النظام، بغض النظر عن تباين الرؤى بين مكوناته، خصوصا أن هذا التباين قد تركز بصورة أساسية حتى الآن حول الممارسات والسياسات المتبعة ولم يتجاوز ذلك إلى التوجهات الإيرانية للنظام. هذا التغير يعنى من ناحية أخرى تحرك قطاعات شعبية للمشاركة السياسية الفعالة، والتساؤل هنا: هل سيسمح النظام السياسى الإيرانى، بمكوناته الحالية بإفساح المجال لها بصورة هادئة أم أن الحرص على الهيمنة على عملية اتخاذ القرار يمكن أن يؤدى لنوع من التصادم والمواجهة التى تحمل معها سلبيات على حجم التماسك القائم فى المجتمع الإيرانى.

من ناحية أخرى، فان العديد من القوى الإقليمية والدولية تابعت باهتمام هذه الانتخابات، وكان بعضها يأمل فى فوز موسوى، خصوصا أنه انتقد الخطاب الإعلامى للرئيس نجاد. بل إن الرئيس أوباما ذهب بعيدا فى هذا المجال فى التعليق على هذه الانتخابات عندما ذكر أن خطابه فى القاهرة ودعوته لتغيير التعامل مع العالم الإسلامى قد بدأ يثمر وأن هناك توجهات للتغيير فى إيران، وقد انعكس سلبيا ــ فى تقديرى ــ على الدعم الشعبى لموسوى، وكان الاهتمام الإعلامى الإقليمى بموسوى قد ساهم فى استنفار أركان ومؤسسات النظام الإيرانى الأساسية وقوى التشدد والمحافظين، خوفا من عملية اختراق لنظام الثورة الإسلامية حسب وجهة نظرهم.

السؤال الأهم الآن، ما هو تأثير ذلك كله على توجهات السياسة الخارجية الإيرانية خصوصا تجاه قضايا ودول المنطقة العربية والشرق الأوسط بصفة عامة؟

فى البداية، يتعين علينا أن ندرك أن المشهد السياسى الداخلى والحراك السياسى المتصاعد يعنى أن الرئيس نجاد خلال ولايته الثانية، سيكون مضطرا إلى أن يولى مزيدا من الاهتمام بالشأن الداخلى ومحاولة تحقيق تصالح شعبى مع معارضيه، وأن هناك ملامح لمخاطر لا تهدد منصب الرئاسة فقط ولكن تسعى للتأثير فى قدرة وقوة النظام بصفة عامة. كما أنه لم يعد من المقبول تدنى مستوى الخدمات، وتراجع مستوى المعيشة، وتزايد إحباط قطاعات شعبية خصوصا الشبابية، كل ذلك بدعوى المواجهة مع أعداء الثورة، وهى أمور ترجح فى مجملها وأهميتها، ضرورة انشغال الحكومة القادمة بقضايا الداخل بصورة أكبر، ولكن هل يؤدى هذا الانشغال إلى نوع من التغيير فى السياسة الخارجية خصوصا فى قضايا وملفات الاهتمام؟ إن الإجابة تقتضى أن ندرك أن المرشد الأعلى يعتبر السلطة المهيمنة على مفاصل الحياة السياسية، وخصوصا القرارات المتعلقة بالبرنامج النووى والتوجهات والثوابت الأساسية للسياسة الخارجية، كما أن نجاح الرئيس أحمدى نجاد يعنى الاستمرارية لهذه السياسة، خصوصا أن جميع القوى السياسية فى إيران ــ كما عبرت عن نفسها ــ خلال الحملة الانتخابية ــ وإن اختلفت على قضايا داخلية إلا أنها اتفقت جميعها على أن امتلاك رادع نووى هو صمام الأمن الضرورى لاستمرار الجمهورية الإسلامية ــ وهناك إجماع بشأن حق إيران الثابت فى الحصول على التكنولوجيا النووية. وفيما يتعلق بالموقف الإيرانى من الملفات ذات الاهتمام فى المنطقة، خصوصا الملف الفلسطينى واللبنانى والعراقى، فمن الجدير بالذكر هنا أن الامتداد الإيرانى فى داخل هذه الملفات يرتبط برؤية إستراتيجية، تخدم التطلعات الإيرانية لأن تكون طهران محركا للأحداث فى المنطقة من ناحية وليستمر ــ من ناحية أخرى ــ دورها وتأثيرها فى تلك الملفات للمساومة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية المعنية فيما يتعلق بالمواجهة القائمة معها بخصوص الملف النووى، وبالتالى فمن المرجح ألا يحدث أى تغيير فى التعامل الإيرانى فى تلك الملفات، إلا بالتزامن مع حدوث تطورات إيجابية، فى الحوار المتوقع مع الولايات المتحدة بخصوص الملف النووى. وإذا كان الرئيس الأمريكى قد أجل الفترة الممنوحة لإيران للرد على دعوته للحوار من أكتوبر إلى نهاية العام، فإنه من المتوقع تبعا لذلك ألا يشهد العام الحالى أى تغيير فى الموقف الإيرانى بخصوص تلك القضايا، وإن كان من المرجح أن يتغير نسبيا الخطاب الإعلامى للرئيس نجاد وأن يصبح أكثر مرونة ونضجا من السابق، وأن يواصل مساعيه لتحسين العلاقات مع بعض الدول العربية ذات التأثير، لتخفيف حدة العداء وتهيئة مناخ يمنع انخراط هذه الدول فى أى خطط مضادة أو استفزازية لإيران، بالإضافة إلى ما يمكن أن يحققه ذلك من دعم للموقف الإيرانى فى الحوار المقبل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات