جائزة نوبل بين الأم تيريزا وآبى أحمد - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جائزة نوبل بين الأم تيريزا وآبى أحمد

نشر فى : الإثنين 16 أغسطس 2021 - 6:55 م | آخر تحديث : الإثنين 16 أغسطس 2021 - 6:55 م
فى عام 1971 فازت الأم تيريزا بجائزة نوبل للسلام وهى راهبة كاثوليكية من أصول ألبانية ولدت فى عام 1910 وشعرت وهى فى الثامنة عشرة من عمرها بدعوة السيد المسيح فالتحقت بسلك الرهبنة. بدأت مهمتها السامية بالتدريس فى كلكاتا بالهند لكنها مرة أخرى شعرت بدعوة الخير تجذبها فخرجت إلى حوارى كلكاتا التى كانت تعد من أكثر المدن الهندية بؤسا فى هذا الوقت للعناية بالمرضى من أفقر طبقات الشعب فتربت على المساكين وتضمد جراح المرضى بالسل والجذام والإيدز الذى يتردد الكثيرون عن مجرد الاقتراب منهم. عاشت باقى حياتها متبتلة ناسكة ناكرة لخدمة ذاتها حتى توفاها الله لتسكن فى أحضان الملائكة فى عام 1997 واعترافا بنقائها والخير الذى قدمته طوبتها الكنيسة الكاثوليكية قديسة فى عام 2016.
وفى عام 2019 نكصت لجنة نوبل على عقبيها وغيرت اتجاهها 180 درجة إلى الاتجاه المعاكس ومنحت جائزة نوبل للسلام إلى آبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا بدعوى دوره فى إنهاء النزاع الإثيوبى الإريترى الذى أسفر عن حرب استمرت عشرين عاما. رغم أن إريتريا انتزعت استقلالها من إثيوبيا فى عام 1993 أى قبل ستة وعشرين عاما فى زمن رئيس الوزراء السابق أسياس أفورقى.
***
كيف يمكننا أن نفهم هذا التناقض؟ لكى نفهم علينا أولا أن نتعرف على أساطير عديدة تحيط بجائزة نوبل ومعلومات مغلوطة عديدة متداولة. لا بد أن نعترف فى البداية أن ألفريد نوبل كان شخصية فذة ولد فى السويد فى عام 1833 وكان والده إيمانويل نوبل عالم ورجل صناعة فكان عضوا بالمعهد الملكى السويدى وصانع لآلات الورش والمصانع وكان من الرواد فى تصميم الطوربيدات التى صارت لاحقا من أهم الأسلحة البحرية. تولى الأب الإشراف على تعليم ابنه الذى نشأ فى جو علمى وتقنى وفى عام 1837 انتقل الأب وأسرته إلى سان بطرسبرغ فى روسيا وألحق ألفريد الصغير فى مدرسة خاصة أظهر تفوقا خاصة فى الرياضيات والمواد العلمية إضافة إلى اللغات حيث أتقن خلال فترة الدراسة الروسية والإنجليزية والفرنسية والألمانية إضافة طبعا إلى لغته الأم السويدية. وحرص والده على أن يعرضه للمناخ العلمى الدولى فأرسله إلى باريس حيث التقى بـ Asconio Sobrero عالم الكيمياء الإيطالى الذى اخترع مادة النيتروجلسرين المتفجرة وإلى الولايات المتحدة حيث التقى بالمهندس الأمريكى ذى الأصل السويدى John Ericsson أما الأب أميل فحقق ثروة أثناء وجوده فى روسيا من صناعة السلاح وبيعه للجيش الروسى أثناء حرب القرم التى دارت بين 1853 و1856.
وعادت الأسرة إلى السويد بعد نهاية الحرب واستمر ألفريد نوبل فى أبحاثه العلمية حتى أنه سجل 355 براءة اختراع إلا أنه يبدو أن لقاءه بسوبريرو مخترع النيتروجلسرين أثر فيه تأثيرا خاصا وأدرك ألفريد أن هذه المادة ستكون مطلوبة طلبا شديدا لأنها تستخدم فى تفجير الصخور فى الجبال لشق الأنفاق التى بدأت بشكل مكثف فى ذلك الوقت لمد خطوط السكك الحديدية عبر أوروبا وعبر أمريكا، ولكن مشكلة النيتروجلسرين أنها مادة متذبذبة غير مستقرة تنفجر إذا تعرضت لأقل صدمات وأصبح العمال يرفضون التعامل معها من كثرة ضحايا حوادثها ودأب نوبل فى البحث عن وسيلة تجعل النيتروجلسرين أكثر أمانا وأثناء أبحاثه فى هذه الفترة وقع انفجار فى الكوخ الذى اتخذه معملا لأبحاثه أسفر عن مقتل خمسة من مساعديه منهم شقيقه الأصغر.
أخيرا نجحت جهود ألفريد نوبل فى تثبيت النيتروجلسرين بإضافة مستحضرات البوتاسيوم ونشارة الخشب فى شكل أصابع صلبة تفجر عن بعد بواسطة صاعق كهربائى بأمان دون تعريض العمال للخطر وحصل على براءة اختراع للديناميت كما أسماه فى عام 1867.
***
نأتى هنا إلى الأسطورة الأولى التى تحيط بالجائزة والتى تقول إن نوبل شعر بتأنيب الضمير لأن الديناميت تسبب فى الألوف فى الحروب. وحقيقة الأمر أن الديناميت أنقذ حياة كثير من العاملين فى تفجير الأنفاق كما أن الديناميت نادر ما استخدم كسلاح وكان معظم استخداماته فى المجالات الهندسية.
وصدق الحدس الفرد ووجد الديناميت سوقا كبيرة وطلبا عاليا الأمر الذى مكنه من جمع ثروة هائلة تراكمت لديه واشترى بجزء منها شركة بوفرز السويدية لصناعة المدافع والسلاح وهو مؤسس أكيد على أنه لم يشعر بوخز الضمير لاختراع الديناميت الذى يستخدم أساسا فى البناء فاستخدم أرباحه فى شراء شركة لإنتاج المدافع والسلاح!
كان ألفريد نوبل عند وفاته فى عام 1896 واحدا من أغنى أغنياء أوروبا ولأنه لم ينجب فقد كتب وصيته بوضع قيمة تركته فى صندوق لاستثمارها ولصرف عائد الاستثمار فى تقديم جوائز لمن قدموا أفضل الإسهامات لإفادة البشرية فى مجالات الفيزياء ثم الكيمياء ويختار الفائزين بجائزيتهما الأكاديمية العلمية الملكية السويدية، ثم جائزة الطب ويختار الفائز بها معهد كارولينسكا للأبحاث الطبية، والأدب وتختار الفائز بها أكاديمية ستوكهولم الأدبية وأخيرا السلام وتختار الفائز لجنة خماسية يختارها برلمان النرويج.
وهنا تسقط أسطورة مغلوطة أخرى عن جائزة نوبل ترى أن منح جائزة السلام يتم من خلال النرويج كان سبب تعويض النرويج التى كانت متحدة مع السويد علما بأن النرويج انفصلت عن السويد فى عام 1905 أى بعد كتابة وصية نوبل بعشر سنوات كاملة.
لم تمر الوصية مرورا سهلا فقد رفعت عائلته قضية لإلغائها كما أن ملك السويد أوسكار الثانى ومجموعة من النبلاء والأرستقراطيين عارضوها لأنها تمنح أموالا سويدية للأجانب وتولى Ragmor Sohlman وRudolf Lilyquest اللذان عينهما نوبل لتنفيذ الوصية؛ الدفاع عنها فى المحاكم حتى صدر الحكم بقانونيتها ونفاذها عام 1900 وتم تكوين لجنة نوبل لإدارة المال ومنح الجوائز.
***
لم تكن جائزة آبى أحمد أول شطط سبقها العديد إلا أن أكثر الجوائز شططا إن لم تكن فجورا فكانت جائزة 1973 التى منحت لهنرى كيسنجر لدوره فى إنهاء حرب فيتنام! الذى توصل إليه بعد قصف فيتنام الشمالية بالقنابل التى يقدر البعض أنها فاقت ما ألقى على أوروبا كلها خلال الحرب العالمية الثانية فضلا عن دوره فى المذابح التى جرت فى شيلى فى الانقلاب الذى أطاح بالرئيس سلفادور الليندى بالإضافة إلى الجوائز التى منحت للإرهابى مناحم بيجن ولعراب البرنامج النووى الإسرائيلى شيمون بيريز.
ومن أعمدة صناع أسلحة الدمار الشامل منحت الجائزة فى عام 1975 لاندريه ساخاروف الأب الروحى للقنبلة الهيدروجينية السوفييتية بسبب انشقاقه عن النظام السوفيتى فى أوج اشتعال الحرب الباردة.
من المفارقات أن أقطاب صناعة القنبلة الذرية الأولى كلهم حصلوا على جوائز نوبل من أول ألبرت أينشتاين إلى نيلزبور وصولا إلى انريكو فيرمى والوحيد الذى لم ينلها رغم دوره المحورى فى تطويرها هو روبرت أوبنهايمر الذى شعر بتأنيب الضمير على مشاركته لمسئوليته فى إطلاق السلاح النووى من القمقم ورفض الاستمرار فى تطويرها فاتهم بالخيانة وتعرض للاضطهاد أثناء فترة الإرهاب الفكرى والسياسى التى أطلقها السيناتور ماكارثى فى الولايات المتحدة. قد يقول قائل إن هؤلاء فازوا بالجائزة فى الفيزياء ولكن روح الجائزة بفروعها المختلفة هو خدمة ودعم السلام.
وفى هذا الصدد نجد جائزة نوبل فى الأدب منحت لعراب الحرب والإمبريالية ونستون تشرشل وروديارد كيبلينج الذى صاغ عبارة عبء الرجل الأبيض لتبرير الاستعمار. ولعل جائزة نوبل فى الكيمياء التى منحت للألمانى فريتز هابر كانت انتهاكا صارخا لروح الجائزة، فهو أول من عمل على تصنيع وبث أسلحة الغازات السامة فى الحرب العالمية الأولى رغم كل ما سبق فلا يمكن شيطنة الجائزة وكل من تلقاها فقد فاز بها شخصيات نبيلة منهم ألبرت شفايتزر الذى كرس حياته لعلاج مرض الجذام فى أفريقيا وفيلهلم رونتجن مكتشف أشعة إكس الذى رفض استخراج براءة اختراع حتى لا يتكسب من اختراع يسهم فى علاج المرضى. وألكسندر فيلمينج مكتشف البنسلين وداج همرشولد أمين عام الأمم المتحدة والشاعر الفيلسوف طاغور. منحت الجائزة للأخيار وللأشرار ولكن لكى يمكننا أن نقيم الجائزة بموضوعية علينا أن ننظر إليها بعيدا عن الأساطير التى تحيط بها وأن ندرك أنها ليست بطاقة هوية للقديسين الطوباويين وأنها تخضع لضغوط سياسية من جهات خارجية لخدمة مصالحها.
محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات