ترامب والسعودية.. عدو أم حليف؟ - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترامب والسعودية.. عدو أم حليف؟

نشر فى : الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 - 12:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 - 12:05 ص

الشاهد أن العلاقات السعودية الأمريكية ليست اليوم فى أفضل حالاتها، وذلك بعد تصريحات ترامب بانتفاء بقاء المملكة دون الحماية الأمريكية، ثم الشبهات التى بدأت تتردد فى دوائر صنع القرار الأمريكى حول دور المملكة فى قضية اختفاء جمال خاشقجى. يستدعى ما سبق التساؤل حول دوافع ترامب لإحراج المملكة بتصريحاته هذه، وما إذا كانت أزمة عابرة أم بداية تحول فى السياسة الأمريكية تجاه المملكة؟
بداية، فمن الملاحظ أن من أهم سمات الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب أنه لا يقيم وزنا لتاريخ العلاقة بين دولته وبين أى دولة أخرى، ومهما كانت درجة هذه الصداقة أو التحالف وعمقها. فالاعتبارات السياسية والإستراتيجية من وجهة نظره لا تشكل أساسا للعلاقة مع العالم الخارجى، ولكن يحل محلها حساب المكسب والخسارة من منظور اقتصادى تجارى بحت. ولنا فى أسلوب تعامل ترامب مع كوريا الجنوبية، أقرب حلفاء واشنطن فى آسيا ودولة المواجهة الأولى مع كوريا الشمالية، خير دليل على ذلك. فقد كان من أحد الأسباب التى ساقها ترامب فى تبرير قراره بإلغاء المناورات العسكرية المشتركة مع سيول هو تكلفتها المالية التى لم ير لها أى مبرر. بل إنه طالب وأجبر سيول على دفع مليار دولار نظير منظومة الصواريخ الأمريكية «ثاد» الموجودة فى كوريا الجنوبية لحمايتها من كوريا الشمالية. وكان ما ذكره بوب وورد فى كتابه عن إدارة ترامب من قيام أحد المسئولين بحجب مرسوم رئاسى كان ترامب يزمع التوقيع عليه ويقضى بإلغاء اتفاق التجارة الحرة بين البلدين أثناء الأزمة النووية بين واشنطن وكوريا الشمالية، ما يكشف وبكل وضوح تفكير ترامب كرجل أعمال وليس كرجل دولة.
وقد كان دافع ترامب لإلغاء هذه الاتفاقية ودون نظر لعواقب مثل هذا الإجراء فى توقيت كانت فيه واشنطن فى أمس الحاجة فيه إلى دعم وتأييد حليفتها فى كوريا الجنوبية، هو وجود عجز يبلغ ١٨ مليار دولار فى الميزان التجارى بين البلدين لصالح سيول.
لذلك، ورغم الحفاوة البالغة التى استقبلت بها المملكة ترامب فى أول زيارة خارجية له بعد وصوله إلى البيت الأبيض، والإغداق عليه بعقود سلاح تعدت الأربعمائة مليار دولار، ناهيك عن وعود بالاستثمار بمليارات الدولات داخل الولايات المتحدة، فإن ذلك كله لم يكفِ ترامب. بل يمكن القول إن ذلك قد فتح شهيته أكثر للحصول على المزيد، وخاصة بعد ما لمسه من رغبة سعودية فى تطويق إيران، بل والعمل على نقل الحرب إلى داخلها كما صرح بذلك ولى العهد. وهو الأمر الذى ينسجم تماما مع الرؤية الأمريكية، ومن ورائها إسرائيل، فى العمل على تحجيم النفوذ الإيرانى فى المنطقة. وقد أدرك ترامب بحسه كرجل أعمال يتباهى بقدرته على عقد الصفقات الرابحة، أنه يمكن ابتزاز السعودية إلى أقصى حد ممكن باستخدام الفزاعة الإيرانية. فكان الشق الأول من هذه السياسة قراره بالانسحاب من الاتفاق النووى مع طهران، ولكنه أعقب ذلك بالإعراب أيضا عن رغبته فى سحب القوات الأمريكية الموجودة فى سوريا، وهو ما يعنى ترك الساحة هناك للقوات والنفوذ الإيرانى فيها. هذا، وقد تواترت أنباء بعد ذلك عن قيام ترامب بمقايضة السعودية ببقاء القوات الأمريكية فى سوريا مقابل تحمل الرياض جميع النفقات المرتبطة بذلك.
ولكن الشق الثانى من هذه السياسة، والخاص بفرض عقوبات فى شهر نوفمبر القادم على الصادرات الإيرانية من النفط، قد ثبت أنها أكثر تكلفة مما كان يظن فى البداية. فرغم أن واشنطن قد بدأت فعلا فى جنى ثمار هذه العقوبات من خلال العديد من المظاهرات والاضطرابات التى اجتاحت المدن الإيرانية أخيرا، إلا أن هذه العقوبات ايضا كانت أحد الأسباب الرئيسية فى ارتفاع أسعار النفط وبشكل مضر لكثير من الاقتصاديات، بما فى ذلك الاقتصاد الأمريكى. ومع ارتفاع أسعار وقود السيارات فى محطات البنزين داخل الولايات المتحدة، واقتراب موعد انتخابات الكونجرس بعد أسابيع قليلة، كان على ترامب التحرك مع إدراكه لمدى حساسية الناخب الأمريكى لمسألة ارتفاع أسعار البنزين. لذلك كانت دعوة ترامب للسعودية بزيادة إنتاجها من النفط لتعويض النقص الناتج عن انخفاض الصادرات الإيرانية. ثم خطابه أمام حشد من مؤيديه وإلقائه اللوم على السعودية لارتفاع أسعار البنزين نتيجة تقاعس المملكة عن زيادة إنتاجها، ورغم ما توفره الولايات المتحدة من حماية لها على حسب قوله. والرسالة واضحة، أن على السعودية أن تدفع ثمن المواجهة بالكامل مع إيران، بما فى ذلك تحمل فرق ارتفاع أسعار النفط. وبعبارة أخرى، أنه لن يتحمل ثمن حساباته الخاطئة بشأن فرض عقوبات على إيران وما أدت إليه من نتائج، بل السعودية. فإذا لم تفعل، فسيتركها وحيدة أمام إيران، ولتتحمل عاقبة ذلك.
ونظرا لخطاب ترامب الشعبوى ضد الإقليات، بما فى ذلك المسلمين، فإن قطاعا لا يستهان به من الرأى العام الأمريكى أصبح فعلا ضد المسلمين، بما فى ذلك السعودية. ولا يحتاج المرء كثيرا لاستعادة مشهد الأربعة عشر سعوديا الضالعين فى أحداث ١١ سبتمبر والتى ما زالت محفورة فى ذهن المواطن الأمريكى العادى. فإذا أضفنا إلى ما تقدم واقعتى القبض على العديد من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين فى الريتز كارلتون، ثم ما قيل عن احتجاز رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى وتدخل مصر وماكرون شخصيا للإفراج عنه، ثم أخيرا الملابسات المحيطة باختفاء المعارض السعودى جمال خاشقجى، فإن الصورة العامة للمملكة ليست فى أفضل أحوالها. وقد دفع الحادث الأخير الخاص بخاشقجى العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكى، بما فى ذلك الجمهوريون، وبعض من كبار المؤيدين للسعودية من المسئولين السابقين والحاليين، وبما فى ذلك ترامب نفسه، إلى مطالبة المملكة بتقديم إجابات واضحة عن العديد من الأسئلة، وحتى يتم قطع الشك بالقين وتبرئة الساحة السعودية مما حدث.
وعليه، فإن المملكة العربية السعودية ــ بما تملكه من ثروات نفطية ضخمة ــ تمثل صفقة القرن بالنسبة لترامب، ومن هنا اللعب على المخاوف السعودية من إيران واستنزافها حتى آخر برميل نفط لديها. فهل تخضع المملكة لهذا الابتزاز الأمريكى؟ أم تفوت الفرصة على ترامب بمصالحة تاريخية مع إيران والتوصل إلى تسوية مقبولة فى اليمن؟ فأمن وسلامة السعودية يكمن فى علاقاتها مع شعبها وجيرانها، وليس مع قوة عظمى تبعد آلاف الأميال ولا ترى فى المملكة سوى البقرة الحلوب.

التعليقات