امرأة أولى - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

امرأة أولى

نشر فى : السبت 17 يناير 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : السبت 17 يناير 2015 - 8:05 ص

امرأة جالسة على المنصة وعلى يمينها رجال ثلاثة؛ إحدى مفاجآت مطلع العام الحالى. لم تأت المرأة ضيفة على المكان، بل قدمها المسئولون باعتبارها عضوا مستجدا؛ أول سيدة تحظى بالانضمام إلى مجمع اللغة العربية المصرى فى تاريخه. أعضاء المجمع منذ نشأته من الرجال، تناوبوا على مقاعده معلومة العدد لعقود طويلة، ينال الشرف الرفيع من يتم ترشيحه وانتخابه بمعرفة الأعضاء، ولا تبدأ الإجراءات سوى بخلو مقعد حال رحيل صاحبه عن الدنيا.

أعرف أن هناك امرأتين عظيمتى القدر لم تنجحا فى الانضمام إلى المجمع خلال سنوات سابقة، رغم شهادة الكثيرين لهما بالبراعة والنبوغ. رفضتهما عقول يتطرق الحديث إليها اليوم فيقال إنها اتصفت فى ذاك الحين بالتسلط والجمود، وقد أغلقت دونهما الأبواب، لا لنقصان المعرفة وعدم الاستحقاق، بل كونهما من النساء، إذ كان المجمع بداهة حكرا على الذكور.

حضرت احتفالية المجمع بسيدته الأولى فى الخامس من يناير، واندهشت من بعض كلمات المرحبين ونبذاتهم التاريخية عن المكان، قالوا فيما قالوا إن قساوسة من الكنيسة الشرقية، وكذلك حاخام مصر حليم ناحوم أفندى، كانوا بين صفوف المجمعيين، أى كان مجمع اللغة العربية قادرا على استيعاب رجال ربما حظوا بألسنة متباينة جاورت العربية أو سبقتها بحكم مواقعهم الدينية، لكنه ظل عصيا على قبول نساء صاحبات لسان عربى أصيل.

•••

بدا انضمام امرأة إلى زمرة المجمعيين الخالدين حدثا جللا، لكنه مع ذلك لم ينعكس على تكوين جمهور الحاضرين. امتلأت القاعة المهيبة برءوس حليقة وأحيانا معممة، رابطات عنق وحلل وبناطيل وجبب وقفاطين، ولم يظهر فى الأرجاء سوى عدد قليل من الرءوس المزدانة بشعر طويل، أو المتسربلة بغطاء فى صورة حجاب أو ما شابهه. عدد الرجال فاق عدد النساء بكثير، بلغ على أقل تقدير أضعافا ثلاثة، من بين الحاضرات المتناثرات هنا وهناك صحفيات كن يغطين الحدث، ومتتلمذات على يد صاحبة المناسبة جلسن متجاورات يتهامسن، وزميلات لها فى الجامعة ينتمين إلى أقسام مختلفة، وقد مثلن كلهن مجتمعات أقل من ثلث القاعة التى ظهرت مذكرة الهوية والمذاق.

صاحبُ الاحتفالية انضمت منذ سنوات بعيدة إلى مراسلى مجمع اللغة العربية بدمشق، ومن المعروف إن المجمعين السورى والعراقى سبقا نظيرهما المصرى، وضما إلى عضويتيهما نساء فى مطلع القرن الحادى والعشرين. رئيس المجمع المصرى الحالى أزهرى درعمى أصيل، وقد سبقه إلى رئاسة المعهد آخرون لم ينتموا إلى الأزهر، ولا كانوا من رجال الدين، مع ذلك لم يقدم أحدهم اعتبارات الكفاءة والعلم والرغبة فى العطاء، على نعرة ذكورية متعالية.

فكرت إن كانت الأسباب تقتصر بالفعل على نزعة الاستعلاء، والتفاخر بقصر المكان والمجال على الرجال، أم أنها أقرب إلى تخوف ربما يكون موضوعيا ومبررا. للنساء باع فى استخدام اللغة، ولهن السبق فى ابتداع الكلمات والمشتقات، وبعض الأبحاث العلمية تثبت تفوقهن على الرجال فيما يتعلق بتعلم اللغة وتداولها وتطويرها، وقد تذكرت فى هذا الصدد ما جرى العرف عليه فى عدد من أقسام كليات الطب المعروفة. يرفض كبار الأطباء من الأساتذة المسيطرين على هذه الأقسام انضمام الخريجات الحديثات إليها، وانخراطهن فى سلك التدريس الجامعى، ويصرون على الرفض بعيدا عن المسوغات المنطقية. عرفت من كانت بين أوائل إحدى كليات الطب فى عام من الأعوام، وكان لها حق التعيين فى قسم النساء والولادة، وقد أحيطت بمصاعب جمة ووضعت فى طريقها عراقيل تلو عراقيل حتى تتراجع عن رغبتها واختيارها. كان السبب غير المعلن فى حينها، والذى يدركه الجميع دون إفصاح؛ إن إتاحة هذا القسم أمام النساء سوف يقلص سوق العمل بالنسبة للرجال، فأى امرأة سوف ترغب بطبيعةِ الحال فى زيارة «طبيبة» أمراض نساء لا «طبيب».

•••

ربما كان الحال كذلك بالنسبة لاشتغال امرأة بعلوم اللغة، فامرأة تدخل المجمع، تناطح الرجال؛ تبحث عن الجديد، وتبتكر ما ليس فى الحسبان، قد تصنع فارقا هى قادرة على صنعه بحكم تكوينها ومهاراتها المتفق عليها، وقد تسحب البساط من تحت أقدامهم. على كل حال، يمكن التفكير فى أسباب متنوعة أدت إلى بقاء النساء خارج جدران المجمع طيلة هذا الوقت، وما يهم الآن إن ثمة حالا قد تبدل بعد طول انتظار باحتفالية يوم الاثنين قبل الماضى. فتح علماء المجمع وشيوخه الباب أخيرا، ولا أظنه ينغلق مجددا.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات