القرابين لا تصنع المستقبل - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القرابين لا تصنع المستقبل

نشر فى : الأحد 17 أبريل 2011 - 9:25 ص | آخر تحديث : الأحد 17 أبريل 2011 - 9:25 ص
قال الكاتب الفرنسى «آلان بيرفيت» يوما «إذا تحركت الصين سوف يهتز العالم»، ويحدث الآن ما توقع به وينتقل الثقل داخل ملعب البشرية من الجناح الغربى إلى الجناح الشرقى بعد صراع مرير مع قوى الاستعمار.

أما فى وسط الملعب وفى جنوب المتوسط فيقال: «إذا أفاقت مصر سوف تنهض الأمة العربية». ما أعاق نهضتها طويلا تشابكها وتعارض مصالحها مع شبكة المصالح الدولية فى إقليمنا العربى.

واليوم مازال البترول للأسف يشكل جناحا مهما داخل شبكة هذه المصالح الكونية.

والأنظمة الحاكمة التى نهبت ثرواتنا خلال الأربعين عاما الماضية قامت بدور الخادم المطيع لمالكى مفاتيح الكون.

وسؤالى اليوم هل يمكن للنقاء الثورى فى وطننا العربى أن ينتصر على قذارة عصابات المال العالمية؟ أم أن هذه العصابات الدولية والمحلية سوف تنجح فى سعيها نحو إيجاد حلول فورية لتشكيل عصابات جديدة تحمل ملامح أكثر إنسانية من الكائنات الدراكولية السابقة ولكنها سوف تقوم بنفس الدور كبوابين على آبار البترول والغاز ومستوردين بثمنها أسلحة أو خدمات من أسيادهم؟

فى مصر أدركت جميع القوى السياسية أنه لا سبيل أمامها إلا الحديث باسم القوى الثورية التى تنشد التغيير السياسى الشامل.

فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة يعلم أنه قائم اليوم لأنه يستمد شرعية وجوده من الثورة المصرية. وكذلك القوى الحزبية التقليدية التى استمرت لسنوات طويلة مستأنسة وبلا أسنان تتحدث هى الأخرى باسم الثورة، وحتى الموالين التاريخيين لمبارك يتحدثون باسمها. ولكن الحديث باسم التغيير لا يعنى الإيمان به. فما يحدث اليوم هو صراع قوى تسعى كل قوة سياسية أن تصل إلى أهدافها بأقل خسائر ممكنة.

من ناحية هناك المطالب الرئيسية للثورة المصرية كما أفهمها: تشكيل مجلس رئاسى مدنى منتخب وفيه ممثل للمجلس العسكرى. دستور جديد يفصل بين السلطات الثلاث ويقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية. إطلاق حرية تكوين الأحزاب دون تعقيدات بيروقراطية.

تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية حتى تتشكل الأحزاب الجديدة وتتمكن من المنافسة فى سباق الانتخابات التشريعية.

إلغاء نسبة الخمسين بالمائة عمال وفلاحين وكوتة المرأة من مجلس الشعب. الانتخابات التشريعية بالقائمة النسبية المغلقة. إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء قرار تجريم التظاهر. وقف العمل بحالة الطوارئ. التأكيد على حق التعبير عن الرأى وحق الاعتصام والتظاهر. محاكمة المسئولين عن الفساد السياسى خلال حكم مبارك.

فى مقابل هذه المطالب ما هى خطة المجلس العسكرى الحاكم المعلنة؟ أعلن المجلس العسكرى أنه كبديل عن الدستور سوف يتم طرح إعلان دستورى تم الاستفتاء على بعض مواده دون الأخرى لأسباب غير مفهومة، لكنه يكفى من وجهة نظره للبدء فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

كما أعلن عن انتخابات تشريعية فى سبتمبر، وقبلها بفترة معقولة سوف يقوم بإلغاء قانون الطوارئ، وبعدها بفترة معقولة سوف تتم الانتخابات الرئاسية. كما قام بإطلاق قانون تشكيل الأحزاب بتعقيدات بيروقراطية وشروط منهكة ماليا.

أفهم مما سبق أن المجلس لم يعبأ بكل مطالب الثورة ولكنه فى المقابل ولكى يكون متحدثا باسم هذه الثورة قام باحترام مطلب واحد وبكفاءة، وهو مطلب محاكمة المسئولين عن الفساد السياسى خلال الثلاثين عاما الماضية. ولكنه قام بتعديل جوهرى.

لقد استبدل كلمة «سياسى» بكلمة «مالى». (مع تحقيقات محدودة عن الممارسات السياسية التى أودت بحياة المتظاهرين المصريين أثناء الثورة). ولكى يكون لتنفيذ هذا المطلب الثورى أثرا مهما، بدأت مبكرا جدا شائعات عن أرقام هائلة لثروات بعض المسئولين السياسيين. أسالت الأرقام القادمة من الصحافة «الغربية» لعابنا وأطلقت حالة من الهياج للمطالبة بعودة هذه الأموال ومحاسبة اللصوص. واستمر تداول أرقام هذه الثروات المجنونة نقلا عن صحافة بريطانية وأمريكية حتى أصبح مطلب الثأر من اللصوص أكثر أهمية من مطلب الحرية. تحول الشعب المصرى إلى حتحور فى حالة اللبؤة الهائجة من رائحة الدماء، تصرخ مطالبة بسفك دماء ضحاياها.

وهنا بدأ المجلس الأعلى فى تقديم رموز النظام السياسى لمبارك واحدا بعد الآخر على مذبح القرابين حتى تهدئ دماءهم من ظمأ الشعب للانتقام.

على مدار الشهرين الماضيين وكل بضعة أيام تطلب النيابة سجن أحد الرموز السياسية 15 يوما على ذمة التحقيقات فى قضايا تتعلق بالكسب غير المشروع أو التضخم الهائل للثروة واستغلال النفوذ.

وظل المجلس العسكرى يرفع من مستوى المقبوض عليهم فى هدوء ودون تعجل للتأجيج من الهياج الجماهيرى من ناحية ولإعطاء شعور أنه ينفذ مطالب الثورة من ناحية أخرى، حتى وصل أخيرا، بعد كريشندو درامى يليق ببيتهوفن، إلى القبض على رئيس مجلس الوزراء السابق ورئيس مجلس الشورى السابق.

ثم فى مشهد مسرحى يتم القبض على نجلى الرئيس. وبالطبع يحدث الخبر حالة فرحة شعبية عارمة وتهليل غير عادى لأداء المجلس العسكرى ممثل الثورة المصرية. ويظل الأفق مفتوحا فما زال مبارك فى المستشفى. الكريشندو لم يصل بعد لذروته.

ولكن هل نجحت خطة تقديم القرابين؟ لا أظن. فالنضج السياسى الأصيل لشعب فى قدم الشعب المصرى يدفعه لاستكمال الضغط على القائمين على الأمر. ومن ثم مظاهرات الأول والثامن من أبريل المؤكدة لاستمرار الثورة، وتلك الأخيرة تمت مهاجمتها من قبل الجيش بما يوحى بانفلات أعصاب ونفاذ صبر. وباعتبار أن للحقيقة ألف وجه تتعدد التأويلات لهذا الهجوم العسكرى ويحين موعد تقديم بعض القرابين الجديدة كما أسلفت لتنطلق الزغاريد مرة أخرى.

يتزامن ذلك مع ما يبدو أنه أوامر عليا لإظهار قوة تيارات الإسلام السياسى عبر وسائل الإعلام بصورة بها قدر كبير من المبالغة. لماذا؟ لا أعرف. كما يتم التهويل فى سوداوية مستقبل الأزمة الاقتصادية دون نقاش علمى مجتمعى هادئ عن هذا الأمر.

يتم التشويش على أهداف الثورة الرئيسية. علينا أن نكون على وعى أن القرابين لا تصنع المستقبل ولكن ما يصنع مستقبل هذه الأمة هو التركيز على تحقيق المطالب الأساسية للثورة والمرتبطة بتمهيد الأرض لحياة سياسية سليمة بدلا من الحديث عن وضع العربة أمام الحصان، أو وضع الدستور بعد انتخاب رئيس جمهورية.

هناك عبث سياسى واضح وخطط غير ناضجة علينا مواجهتها حتى ينبلج نظام سياسى يؤمن حقيقة بحرية الفرد وحق المواطن فى صنع المستقبل السياسى لوطنه.
منحت الثورة للوطن فرصة هائلة ولكن يبدو للأسف أن الكثيرين لم يفهموا بعد حجم هذه الفرصة.

إنها حالة مخاض. يحتاج الطفل تسعة أشهر لترى عيناه النور. وتحتاج دولة مصرية حقيقية سنوات. سوف يكون مخاضا صعبا ولا شك. الثورة نجحت وانقضى الأمر، والثورة مستمرة لأن المتربصين بها كثر.

نجاح الثورة فى ليبيا مهم لمصر ونجاحها فى اليمن مهم لليبيا ولمصر ولتونس وللدول العربية كلها. الربيع العربى حقيقة. ولكننى أتمنى أن ينتصر بسرعة من أجل عالم أكثر عقلانية.
خالد الخميسي  كاتب مصري