كارثة الاعتداء على المستشفيات - منى مينا - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كارثة الاعتداء على المستشفيات

نشر فى : الجمعة 17 أغسطس 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الجمعة 17 أغسطس 2012 - 9:20 ص

الاعتداء على المستشفيات كارثة بكل معنى الكلمة، لا يوجد فى التعبير مبالغة أو تهويل، وهى كارثة تهدد حياة الأطباء والمرضى بالخطر، كما إنها كارثة غير مسبوقة على مستوى العالم كله.

 

•••

 

حين تستكمل المشاجرات التى تبدأ خارج المستشفى داخلها، ليذبح مواطن، ويجهز على آخر طعنا بالمطاوى والسكاكين، وتفتح بطن ثالث، دون أن يستطيع أحد التدخل لإنقاذ المصاب.. فهذه كارثة غير مسبوقة.

 

وحين يتم تكسير المستشفى والاعتداء على أطبائه كلما أعلنوا عن وفاة مريض، حتى لو كان المريض متوفى قبل وصوله للمستشفى.. فهذه كارثة ليس لها  حين يتم إجبار الطبيب تحت تهديد السلاح، على ترك علاج حالة خطرة، لعلاج حالة أخرى أقل خطورة، لأن هذا هو رأى من بيده السلاح.. فهذه كارثة غير مسبوقة.

 

حين يتم الاعتداء على الطبيب إذا قرر تحويل مريض تستلزم حالته التحويل الفورى، ويتم الاعتداء على طبيب آخر إذا رفض تحويل مريض، لأن التحويل خطر على حياته.. فهذا فقدان للثقة غير مسبوق وكارثة غير مسبوقة.

 

حين تصل الأمور لاجتياح استقبالات المستشفيات بالرشاشات، وتغلق الاستقبالات تبعا، ليصل عدد الاستقبالات المغلقة فى قلب القاهرة لثمانى استقبالات فى أكبر وأهم مستشفيات العاصمة، دون أن يتحرك أحد من المسئولين لتقديم حل ناجز.. فهذه كارثة غير مسبوقة.

 

وحين نبحث على سبيل محاولة الفهم عن مثيل للمشكلة التى نعانى منها، فلا نجد لها مثيلا فى العالم، حتى أثناء الحروب أو الحروب الأهلية.. فنحن وبكل تأكيد أمام كارثة غير مسبوقة.

 

•••

 

كمحاولة للفهم  سأحاول أن أناقش جذر المشكلة من وجهة نظرى، والذى ينحصر فى سببين أساسيين، أولهما عدم رضاء المواطنين عن مستوى الخدمة الصحية، وفقدان الثقة تماما فى المستشفيات الحكومية والفريق الطبى، وثانيهما الوضع الجديد الذى تزامن فيه تعبير المواطنين عن عدم رضائهم مع الانفلات الأمنى نتيجة للإضراب غير المعلن للشرطة، وبذلك أصبحت المستشفيات تواجه ليس فقط غضب المواطن الذى يعبر عن عدم رضائه وانعدام ثقته، بل وأيضا تواجه استكمال المعارك، التى تبدأ بالخارج لتستكمل داخل المستشفيات باستخدام المطاوى والرشاشات.

 

حتى قوة الأمن التى ينجح الأطباء أحيانا فى إجبارها على الحضور للمستشفى، سريعا ما تنسحب، أو تستمر فى المستشفى دون أن تبذل أى جهد فى التدخل فى أى اشتباكات، وأو منع التعدى على المستشفى والفريق الطبى.

 

نتيجة لكل ذلك تتكرر وتتزايد حوادث الاعتداء على المستشفيات، ويضطر الأطباء لإغلاق المكان عندما يصبح العمل به غير آمن، واستجابة لضغطهم يتوفر الأمن، فيعودون للعمل، ليعود الأمن للانسحاب، وتتكرر الاعتداءات ليتكرر الإغلاق.. وتستمر المهزلة.. وصل الأمر أن القاهرة كانت تعانى فى إحدى الليالى من إغلاق استقبالات سبع مستشفيات كبرى من ضمنها قصر العينى والحسين والساحل، دون أن نجد من المسئولين رد فعل جاد وحاسم لحل المشكلة، حتى وعود تأمين 100 مستشفى كبرى التى وعد بها الرئيس د.محمد مرسى، لم تنفذ، وانسحبت الشرطة العسكرية التى توجهت لبعض المستشفيات بعد أقل من 24 ساعة.

 

•••

 

مؤخرا بدأ المسئولون فى نوع عجيب من رد الفعل، وهو تحريض المواطنين على الأطباء الذين يغلقون الاستقبال فى انتظار تأمينه حتى يستطيعوا العمل،  طبعا أنا أدرك جيدا المعنى الخطير لإغلاق استقبال المستشفى، حيث إن الاستقبال هو المكان الذى يقدم الخدمات الطبية الحرجة والتى لا يمكنها الانتظار، ولكن نفس هذه الخدمة الحرجة لا يمكن أن تقدم وسط اجتياح الاستقبال بالمطاوى والرشاشات، ولا يستطيع أن يقدمها أطباء يعملون تحت تهديد السلاح.. الخدمة يفترض أن تقدم فى مستشفى مؤمنة، لذلك فقد كان واجب المسئولين أن يعملوا على توفير قوة أمن بسيطة على أبواب استقبالات المستشفيات، تمنع دخول المسلحين، وتسمح بدخول المريض مع مرافق واحد، حتى يتحول المستشفى من ساحة للمعارك، لمكان يمكن له تقديم الخدمة الطبية، بدلا من أن تنحصر جهودهم فى تهديد الأطباء أو تحريض المواطنين ضدهم.

 

ولكن هل الأمن معذور، هل نحن نطالب بمطالب تعجيزية؟، الحقيقة أن مجمل مستشفيات مصر حوالى 500 مستشفى، والأمن الذى يدعى عدم قدرته أن يفرض سيطرته على 500 مستشفى، استطاع بالأمس القريب أن يؤمن أكثر من 13 ألف لجنة انتخابية، فى مختلف مدن وقرى مصر أثناء الاستفتاء، وأثناء انتخابات الشعب والشورى والرئاسة، بمراحلها وإعادتها، باختصار تأمين المستشفيات ليس مطلبا مستحيلا، فلماذا نظل نطالب به منذ أكثر من عام ونصف العام دون مجيب؟

 

أما محاولة بعض المسئولين إجبار الأطباء على العمل دون تأمين، وتحريض المواطنين ضد أطبائهم إذا تشبثوا بضرورة بتطبيق أول قاعدة «تأمين المكان أولا» وهى أول قاعدة  فى عمل المستشفيات والنقاط الطبية، حتى أثناء الحروب، هذه المحاولة خطيرة، وتكشف عن قصر نظر رهيب، إذ إن النتيجة الوحيدة لها أن تعود الاستقبالات للعمل دون تأمين، وفى ظل مشاعر أكثر عدوانية ضد الأطباء، لتتزايد حوادث العنف، وتتزايد الكارثة متجهة للانفجار.

 

•••

 

ختاما.. أحب أن أؤكد أن هذه المشكلة الخطيرة لها حل من شقين:

 

أولا: حل أمنى فورى وسريع.. وهو حل فى استطاعة المسئولين عن الأمن لو أرادوا.

 

ثانيا: حل لجذر مشكلة عدم رضا المواطن عن الخدمة الصحية، وذلك بتحسين سريع لميزانية الصحة، ولوضع العاملين بالصحة، طالبنا به مرارا وتكرارا، لتحسين إمكانيات العمل فى المستشفيات، وليكن التركيز أولا على تحسين الخدمة فى الاستقبالات، وخدمات الطوارئ، حيث إنها الجزء الذى يسبب القصور فيه مشاكل أخطر وتحتاج لمواجهة أسرع.

 

باختصار الحلول ممكنة، وقد سبق للعديد من المنظمات المهتمة بالصحة فى مصر اقتراح خطط عملية تفصيلية لتنفيذ هذه الحلول.. فهل نجد المسئولين الذين يمتلكون إرادة حقيقية لحل المشكلة، أم أنهم يفضلون الانتظار حتى يصل تدهور الوضع لاشتعال النار فى المستشفيات؟   

 

التعليقات