الصحافة الاجتماعية الغائبة - سامح فوزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصحافة الاجتماعية الغائبة

نشر فى : الثلاثاء 18 فبراير 2020 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 فبراير 2020 - 8:25 م

الصحافة الاجتماعية مبهرة، نفتقدها فى المجتمع المصرى، الذى يشكو من حال الصحافة، ويفكر فى حلول للتعامل مع أزماتها. تعجب جدا من هذا النمط من الصحافة فى بريطانيا، الذى يهتم بالحياة، تفاعلات الناس، علاقاتهم، قصصهم، مشاعرهم، اتجاهاتهم. تأثرت كثيرا ــ عندما كنت طالب دراسات عليا هناك منذ نحو عشرين سنة ــ بمقال كتبته محامية حصلت على دراستها فى جامعة كامبريدج، لم تكتب فى القانون، بل فى نقد المجتمع الاستهلاكى عندما كتبت مقالا مهما «لماذا قررت أن أظل عذراء حتى الزواج؟»، المقال مبهر، فيه ثقافة رفيعة، وإدراك لأزمة المجتمع، ونقد راق لأحواله، واختبار نفسى مهم يعبر عن أزمة المشاعر فى مجتمع صناعى حديث. اعتدت من آن لآخر أطل على الروايات الاجتماعية فى الصحافة البريطانية، وقد انشغلت الأيام الماضية بمتابعة حادث انتحار مقدمة البرامج الشهيرة، كارولاين فلاك، عن عمر ناهز 40 عاما قبل أيام من موعد جلسة محاكمتها بتهمة الاعتداء على صديقها بمصباح داخل منزلهما، وألقى القبض عليها فى ديسمبر الماضى، ولجأت للانتحار عندما شعرت بأنها غير قادرة على مواجهة الاتهام فى المحكمة.
انشغلت الصحافة البريطانية بالحادث، المذيعة معروفة، وبرنامجها ذائع الصيت، لكن كان الاقتراب الصحفى فى مجمله انسانى، لم يغفل ملابسات الحادث، لكنه تجول حول شخصية فلاك، وما أحاط بها تحديات. كان من الطبيعى أن تدعو عائلتها فى بيان لها الإعلام أن يحترم خصوصية العائلة فى هذا الوقت الصعب، معتذرين عن أى تواصل أو تصوير فوتوغرافى، لكن أصدقاءها وزملاءها قدموا، فى سلسلة من الشهادات فى الصحف أو الإعلام المرئى، إطلالة إنسانية على شخصيتها، وانطلقوا منها للحديث عن التحديات التى يمكن أن تواجه الشخصية الإنسانية فى المجتمع الحديث. المذيعة الراحلة شخصية مرحة، رحبة، مشجعة، محبوبة، لكن خلف ابتسامتها احباط وحزن ومشاعر متناقضة، تضحك مع الناس، وتسعى لمساعدتهم لإيجاد معنى فى الحياة، وفى الوقت نفسه تحرص على تناول العقاقير المضادة للاكتئاب، وتطلب دعما طبيا نفسيا. ولم يكتفِ الإعلام بالطواف حولها شخصية فلاك، لكنه طرح تساؤلات مهمة تتعلق بعلاقته بالجمهور، هل نستعيد البرنامج سريعا فى ظل غياب مقدمته الشهيرة؟ هل الجمهور مهيأ لاستقبال البرنامج مرة أخرى، أم لا يزال يعتصره الألم والحزن، وفقد الصلة النفسية التى تربطه ببرنامج تلفزيونى أحبه، وتعلق به؟
من خلال المتابعات الصحفية على مدار أيام لرحيل فلاك تستطيع أن تعيش فى أجواء صحافة تجعلك بالفعل فى قلب الحدث، وتلفت نظر القارئ إلى موضوعات مهمة تتعلق بالتحديات النفسية التى يواجها الشخص فى المجتمع الحديث، وكيف يمكن أن نقدم له الدعم والمساندة؟ يرى نماذج انسانية تعرف كيف تعبر عن نفسها بأسلوب راقٍ وبسيط، يقترب من المشاعر، والاحاسيس الإنسانية.
لم يخلُ المجتمع المصرى من حالات انتحار، كثرت أو قلت، لكنى لم أرَ صحافة تغوص فى أعماق الحادث على هذا النحو الذى تحول إلى نقاش اجتماعى أكثر من كونه خبرا مقبضا يُنشر فى صفحة الحوادث.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات