عيد الثورة - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 10:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عيد الثورة

نشر فى : الثلاثاء 18 يوليه 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 يوليه 2023 - 8:45 م

يهل علينا يوم 23 يوليو، وهو اليوم الذى أطلقنا عليه فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى عيد الثورة. هو اليوم القومى لجمهورية مصر الذى تحتفل به السفارات المصرية فى جميع أنحاء العالم. اليوم وبعد مرور واحد وسبعين عاما على ثورة 1952، تكاد دمعة دافئة تنحدر على الخد ونحن نردد كلمات المتنبى «عيد بأى حال عدت يا عيد».. مات جمال عبدالناصر ومات أعضاء مجلس قيادة الثورة ومات الضباط الأحرار. كما ماتت أم كلثوم التى غنت «منصورة يا ثورة أحرار»، ومات عبدالوهاب الذى غنى «بطل الثورة»، ومات حليم الذى غنى «حكاية شعب»، ومات هيكل الذى كتب «بصراحة»، ومات أحمد سعيد مؤسس صوت العرب وتوقف من بعده استهلال واختتام الإرسال بنشيد «أمجاد يا عرب أمجاد».
مات الكثيرون من جيلى، الجيل الذى عاصر عنفوان الثورة وزخمها بعد أن تجاوزنا الخامسة والسبعين. هذا الجيل الذى كان فى المدارس الابتدائية والإعدادية كله أمل أن ينهى دراسته ليكون ضابطا ليحارب كما حارب أبوه فى فلسطين، أو كما حارب أخاه الأكبر لرد الاعتداء الثلاثى والحفاظ على قناة السويس، أو ليكون مهندسا ليعمل فى السد العالى أو مصانع الحديد والصلب أو مصانع السيارات أو المصانع الحربية ومصانع الصواريخ والطائرات، أو ليكون طبيبا أو معلما يحارب الطاغوت الثلاثى الرهيب الذى أنهك شعب مصر «الجهل والفقر والمرض»، أو أن يدخل كلية الزراعة ليحول صحارى مصر إلى مزارع غناء فى مديرية التحرير والوادى الجديد، أو يدخل كلية العلوم ليكون جيولوجيا يستخرج البترول والثروات المعدنية من جوف الأرض دون اللجوء إلى الأجنبى الذى ينهبها، حتى الراقصون والراقصات كان أملهم الالتحاق بفرقة رضا للفنون الشعبية التى قدمت التابلوهات الراقية للفلكلور المصرى وطافت به أرجاء العالم، وكانت عنوانا للفن الراقى المحترم، أو فرقة الباليه المصرى الذى قدم أرقى الفنون وأبهر العالم.
هذا الجيل الذى تميل شمسه نحو أفق الغروب، لم يفكر يوما فى الحصول على «الجرين كارد» كان يلبس القطن المصرى والصوف المنسوج فى مصانع المحلة دون أن يزين قمصانه بتمساح أو لاعب البولو على حصانه، الجيل الذى لم يعرف الهامبرجر والبيتزا والسوشى، وأشبعه الفول والطعمية والحواوشى، الجيل الذى شرب الشاى بالنعناع والقهوة المظبوطة على المقهى المصرى ولم يشرب الكابتشينو والاسبريسو على الكافيه. الجيل الذى كان يدخر ليشترى سيارة نصر مصنوعة فى مصر ولا يبدلها بسيارة فرارى مصنوعة فى أوروبا.
●●●
راح من راح وسيلحقهم الباقون وهذه سنة الحياة، ولكن ماذا بقى من مبادئ وقيم وأخلاق ثورة يوليو، وكيف تتعامل معها الأجيال الجديدة؟ لهفى على الأجيال الجديدة وما تتعرض له من تدليس ودجل، إذ يقولون لهم إن الثورة زيفت التاريخ ويدللون على ذلك بمحو صورة الملك فاروق فى فيلم غزل البنات فى خلفية عبدالوهاب وهو يغنى «عاشق الروح». ولكن دعنا نراجع عرض عهد الملك للتاريخ، هل عرضوا بأمانة أن توفيق أصدر أمرا بتسريح الجيش المصرى عقب معركة التل الكبير، ودخل القاهرة فى حماية الجيش الإنجليزى المحتل ليجلس على العرش فى حماية جيش الاحتلال، وهو ما كرره حسين كامل الذى قبل العرش ولقُب سلطانا بعد أن خلع الإنجليز سلفه عباس حملى. إنهم يدللون على عظمة العصر الملكى بدلالات ساذجة وبلهاء، مثل ساعة يد الملك فاروق وعليها خارطة لمصر تضم السودان وأوغندا غافلين عن أن الملك لم يحكم حتى قصره فى عابدين الذى اقتحمه السفير البريطانى فى حماية دباباته وأجبر الملك على تشكيل وزارة ترضى عنها بريطانيا. وغافلين عن أن الجيش المصرى خرج من السودان بأمر من بريطانيا عقب اغتيال السردار الإنجليزى. يستمطرون لعنات السماء على جمال عبدالناصر الذى أرسل الجيش المصرى إلى اليمن لنصرة ثورة عربية على التخلف والجهل والرجعية، ويصمتون على سعيد الذى أرسل قوة مصرية إلى المكسيك وإسماعيل الذى دعمها بعده لمساعدة فرنسا على قهر ثورة الشعب المكسيكى ويتمركز المصريون فى الأراضى الساحلية المنخفضة الحارة والمفعمة بالأمراض بدلا من جنود فرنسا. يتخذون من نكسة يونيو 1967 كعب أخيل للثورة وجمال عبدالناصر ولا يذكرون حملتين كارثيتين أرسلهما إسماعيل إلى الحبشة. يؤنبون عبدالناصر على احتفاظه بعبدالحكيم عامر متناسين أن عامر كان جزءا من توازنات الثورة يصعب اقصاءه ورغم النكسة لا يمكن إنكار أن الجيش الذى بنته الثورة هو المؤسسة التى تخرج منها العمالقة الذين حققوا نصر أكتوبر: محمد فوزى وعبدالمنعم رياض والجمسى والشاذلى وكمال حسن على ومحمد على فهمى، ومع ذلك لا يذكر الملكيون الجدد شيئا عن إسماعيل الذى عين «ستون» باشا الكولونيل الأمريكى الذى عزل وسجن أثناء الحرب الأهلية بتهمة الإهمال قائدا للمجلس المصرى برتبة جنرال!
يشككون فى منجزات الثورة «السد العالى» الذى يقولون إنه بور الأراضى وحرم مصر من السردين، وتأميم قناة السويس الذى جلب الحرب ولو صبرنا قليلا لانسحبت بريطانيا وفرنسا بعد انتهاء الامتياز.
شككوا فى القطاع العام والتصنيع الثقيل وزعموا أنه لم يحقق إلا الخسائر.
لهفى على جيل لم يشهد بهاء الثورة وعنفوانها، جيل تنطلى عليه الأكاذيب ولم يحتضنه إعلام واع ينأى به ويحميه من الخلاعة والمجون؛ لم يتدخل أحد لحمايته من مسابقات، مثل مسابقة أبوعيون جريئة فى كازينو ميامى فى الخمسينيات من القرن الماضى ولمنع الإسفاف المتمثل فى حملة «أين تاتا زكى».
●●●
لم تكن ثورة يوليو وجمال عبدالناصر بلا عيوب فالكمال لله وحده، لكنها حققت الكثير خاصة فى مجال العدالة الاجتماعية والعزة الوطنية التى لم تنكسر أمام أعتى التحديات فى عام 1967 واحتفظت بكرامة مصر الجريحة وهى تنزف حتى ضمدت الجرح وحققت النصر. أنا لا أدعو إلى استنساخ الثورة أو استنساخ جمال عبدالناصر، فلكل عصر نظامه ورجاله لكنى أتصدى لحملات تشكيك ممنهجة ودعوات سخيفة لاستنساخ نظام حقق لمصر الكثير من الهوان وعفا عليه الزمان، وأناس ينادون بعودة الملك على أمل أن يجلسوا حوله كفرسان المائدة المستديرة، وأحتفل بذكرى عزيزة على قلبى وأهتف بأعلى صوت تحيا جمهورية مصر العربية وتحيا ثورة 23 يوليو المجيدة.

محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات