عايزين «سلام نفسى» - جورج إسحق - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عايزين «سلام نفسى»

نشر فى : السبت 18 أغسطس 2018 - 8:30 م | آخر تحديث : السبت 18 أغسطس 2018 - 8:30 م

تمر المحروسة وشعبها بظروف صعبة تجعل الناس تشعر أن ليس هناك أى استقرار نفسى أو راحة، فى حين أن دولا أخرى تنشأ لشعوبها وزارة للسعادة.
السلام النفسى والسعادة والرضا يسعى إليها جميع البشر، «المحبة أساس السلام» فأنت بها متصالح مع نفسك والمحيطين بك، إن الرضا والقناعة والإيمان أهم السبل إلى السلام مع النفس لكن أغلب البشر لا يدركون! فحياة الإنسان تزدهر حينما يعم السلام النفسى فى أجوائها فيزيد الجهود ويتضاعف الإنتاج.
فالسلام النفسى شعور يفتقده الكثير من الناس على الرغم من حاجتنا جميعًا إليه، فهو غاية حياتية لا غنى عنها لكى يتوازن الإنسان وينسجم مع نفسه ومع غيره، إنه شعور الطمأنينة وراحة البال وهو أعلى المراتب الروحية التى تجعل الإنسان متصالحًا مع نفسه ومع المحيطين من حوله.
الأسس الأربعة لقيام السلام النفسى هى: (الحياة والحب والتعلم والذكرى الطيبة)، كل ذلك مع استخدام الملكات الأساسية وهى إدراك الذات والوعى والإرادة المستقلة.
فكيف لنا أن نحاول مجرد محاولة أن نصل إلى السلام النفسى الداخلى فى ظل الصراعات المعيشية فقط من أجل توفير حياة أقرب إلى الحياة الكريمة فى ظل ارتفاع غير مسبوق فى الأسعار وأزمات اقتصادية متتالية؟
الإجابة: إن القدرة على العطاء الوجدانى مع الناس يمثل دفعة عاطفية للذات، والعطاء الاجتماعى فى أعمال الخير يساعدك على التغلب على الضغوط الحياتية والصعوبات المادية خاصة فى عصرنا الحاضر.

***

إن المحبة هى أساس السلام النفسى وعندما يعم السلام النفسى تزدهر جميع أجواء الإنسان سواء فى العمل أو فى المنزل ويفوح عبيرها ليملأ كل الأرجاء إنتاجًا، فالإنسان الذى تمتلئ جوانبه بالمحبة والتسامح يتحرر من الخوف على لقمة العيش، فلا ينافق ولا يفتك بالآخرين عن طريق الوشاية والخداع والكذب، وللأسف نحن نفتقد ذلك الشعور وهذا الإنسان السوى فى ظل الظروف الحالية.
الحب بهذا المفهوم هو أن يعمل الإنسان ويدفع الآخرين للعمل، أن يكون صادقًا ويفجر الصدق فى الآخرين، أن يكون قادرًا على أن يساند الآخرين ليكونوا أقوياء وقادرين على العطاء والتسامح والتعاون والمشاركة والبناء والارتقاء المادى والنفسى، والمودة والمحبة والتسامح مواقف إيجابية عندما تحتضن متاعب الآخرين ومشاكلهم.
ولكن فى ظل هذه الأيام الصعبة والضغوط التى نمر بها كل يوم والعالم الملىء بالمشاكل والنزاعات والحروب، أصبح من الصعب الإحساس أو الشعور بـ «السلام النفسى الداخلى» الذى يحقق السعادة والرضا مهما كثرت المشاكل والضغوط، ولكن على الرغم من ذلك، إلا أنه يمكن أن يجتمع السلام الداخلى مع المشاكل والضغوط ولكن يحتاج إلى القليل من الصبر أو المجهود، ويحتاج إلى تكيفية البيئة المحيطة بالإنسان حتى يستطيع من خلالها أن يحاول أن يصل إلى السلام النفسى.
كيف لنا أن نقترب من حالة السلام النفسى الداخلى ونحن لا نملك حرية الرأى والتعبير لا نملك مجرد البوح عما داخلنا فأصبح هذا البوح يصنف حسب حبك أو كرهك للشخص، فإذا كان التعبير مخالفا ومعارضا يصنف خيانة وعمالة وما إلى ذلك من الاتهامات الجاهزة لمن تسول له نفسه أن ينتقد أو يعارض النظام القائم أو إحدى سياساته. وفى الوقت ذاته لا يمتلك هذا الشخص أى وسيلة للظهور للدفاع عن نفسه، فيترك الجمهور فريسة بين أن يصدق هذا الادعاء وهو الأسهل أو أن يبحث عن الحقيقة وهو الأصعب.
ولعلها تقف عند هذا الحد ولكن تفتح شاشات الفضائيات لكى يخرج منها سلسلة من الشتائم والسب والقذف والتحريض على الكراهية والعنف دون أى سند أو دليل مجرد الكره أو التعليمات أو التصنيفات المسبقة. كما يخرج علينا المشعوذون والجهلة بإلقاء الاتهامات لأشخاص لا يمتون لما يقولون بصلة، بل هم أنفسهم مرتكبو جرائم. وبكل بجاحة يتهمون الآخرين بفاحش القول والتقول والإنسان يتعفف بأن يرد عليهم أو يقيم لهم وزنا لأنهم فى مزبلة التاريخ. وأخيرا أصبح بعض مروجى الاشاعات من مقدمى البرامج مطرودين ممنوعين من الظهور دون أن يأسف عليهم أحد.
ولكن سيظل التحريض على الكراهية من خلال نوعية هذه البرامج الهدامة عائقا ما بين المجتمع وسلامه النفسى. فلن يستقيم حال مجتمع ويستقر نفسيا وداخليا فى ظل هذا المرض المنتشر فى إعلامه أو كما يسمونه كذلك وهو لا يمت لذلك بصلة.

***

كيف لنا أن نحلم بالوصول إلى حالة السلام النفسى دون إقامة العدل؟! فالإحساس بالظلم والسلام النفسى نقيضان لا يجتمعان أبدا.
إن أسمى ما تطلبه النفس البشرية هو الشعور بالأمن والهدوء والقبول بمن حولها فى مجتمعاتها وأبسط ما ينال به ذلك أن تكون النفس البشرية هى مبعث السلام لمن حولها، ليتحقق بذلك مجتمع السلام والذى يبدأ بنفسى وبنفسك. فكيف نعمل على وقف نزيف نشر الكراهية والتحريض على العنف الذى يبث يوميا على شاشة الفضائيات؟ حتى تنتشر المحبة السبيل الوحيد للسلام النفسى.
كيف نترك للمجتمع مساحة للبوح والتحدث عما بداخلهم بحرية حتى لا يسيطر عليهم الاكتئاب والكآبة النفسية التى تؤدى إلى العزلة وأحيانا إلى الانتحار الظاهرة التى انتشرت بشكل كبير فى الفترة الأخيرة خاصة بين الشباب وهو ما يعنى أننا نعانى من حالة من الانعدام للسلام النفسى فى مجتمعنا.
من أهم مبادئ السلام النفسى تقبل الآخر، فبالتأكيد توجد اختلافات فى طبائع وأفكار كل البشر، لكل شخص مزاجه الخاص، ومجموعته من المعتقدات والأيديولوجيات. وبدلا من الوقوف ضد ما ندركه من اختلافات، دعونا نقبل الآخرين على ما هم عليه. فإن القبول هو الحل. وهذا يتطلب أن لا تحمل كرها للآخرين بداخلك بسبب أى اختلاف بينكم ولا تشغل نفسك بالآخرين ماذا قالوا وماذا فعلوا؟، اهتم بنفسك وحب الآخرين وتقبلهم كما هم وما لا تستطيع تقبله فقط تجنبه، لا تضع نفسك حاكما عليهم وعلى تصرفاتهم أو آرائهم. ولا تسئ الظن بهم، افرض حسن النية أولا إذا لم يثبت عكس ذلك.
أفشوا المحبة، العطاء، الامتنان، الحرية، العدل، الأمن والأمان حتى تجنوا مجتمعا يتمتع بالسلام النفسى الداخلى.
حاولوا إعطاء الشعب الأمل حتى لا يفقد سلامه ويتوحش والجميع سيكون الضحية وسيدفع الثمن.

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات