«إهانة» الجاسوس سكريبال - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«إهانة» الجاسوس سكريبال

نشر فى : الإثنين 19 مارس 2018 - 9:20 م | آخر تحديث : الإثنين 19 مارس 2018 - 9:20 م

أجواء الحرب الباردة بين روسيا وبريطانيا، التى لا تقف عند حدود الطرد المتبادل، وغير المسبوق، للدبلوماسيين بين البلدين، على خلفية تسميم الجاسوس الروسى المزدوج سيرجى سكريبال، وابنته، تعكس فى جوانبها إلى أى مدى وصل الصراع على رقعة الشطرنج الدولية، وتصاعد النزاعات لإثبات الحضور، والدفاع عن مصالح يبدو أنها اقتربت من خط التماس الخطر الذى دونه تكسير العظام بين القوى الكبرى التى تحن للعودة إلى زمن المعسكرين.

هذا الاحتكاك الخشن، ربما يكون ترجمة لجزء من الهواجس الغربية التى لمستها خلال نقاش شاركت فيه، وسط عدد من الدبلوماسيين السابقين والصحافيين والأكاديميين المصريين فى شهر مارس العام الماضى، مع قيادات فى حلف شمال الأطلسى «الناتو» داخل مقر الحلف فى العاصمة البلجيكية بروكسل، ضمن عرض واسع للاسترايجية الجديدة لـ «الناتو» تجاه القضايا الدفاعية فى العالم عموما، ومنطقة الشرق الأوسط خصوصا.

يومها عكست كلمات مسئولى «الناتو» المشاركين فى النقاش هواجس، بل يمكن أن تقول مخاوف، وتشكيكا فى النوايا الروسية تجاه اعضاء الحلف الغربى، بل تكاد تلمس فى الحديث مرارات قديمة تضعك فى قلب الحرب الباردة إبان العهد السوفيتى، فلم تخلُ آراء ورؤى غالبية المتحدثين من «الناتو»، على اختلاف مستوياتهم، من الإشارة إلى المخاطر الروسية الرابضة على حدود شرق أوروبا، فى ظل امتلاك روسيا لقوة عسكرية ضاربة، مع الوضع فى الاعتبار اتساع التهديدات التى يواجهها «الناتو» فى مناطق أخرى من العالم.

كان الحوار يتسع ويتشعب لكنه يبدأ وينتهى بالإشارة إلى ما تمثله روسيا من تحد للغرب، فى ظل نزوع موسكو لاسترداد نفوذ خارجى انحسر بشدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، والذى بدأ مع اعتلاء فلاديمير بوتين سدة الحكم على رأس الكرملين، ورغبته فى استعادة ماض قيصرى تليد، «متجاهلا يد التعاون التى مدها الناتو» بتعبير أحد المتحدثين.

اليوم ربما تجد بريطانيا فى تسميم الجاسوس الروسى المزدوج فوق أراضيها إهانة تتخطى حافة العمليات القذرة المسموح بها.. فقضية الجاسوس الذى يتشابه لقبه «سكريبال» مع كلمة فى اللغة الروسية تعنى «إهانة» أيضا، كما يقول صديقنا شريف جاد رئيس الجمعية المصرية لخريجى الجامعات الروسية، تتجاوز حدود اتهام روسيا باستهداف العميل المزدوج، وهو الاتهام الذى تنفيه موسكو بشدة.

جاد لم يستبعد، فى نقاش دار بيننا، وجود أصابع أمريكية فى الصراع المفتوح بين لندن وموسكو، عبر تحريكها عملاء لتنفيذ سيناريوهات تؤثر على السياسة الخارجية الروسية، مذكرا بالحرب بين روسيا وجورجيا عام 2008 وتشجيع الأمريكيين الرئيس الجورجى ميخائيل ساكاشفيلى على دخول أوسيتيا الجنوبية ليلقى هزيمة مهينة.

وفى رأى الخبير المرموق فى الشأن الروسى، ما يحدث فى سوريا ومناطق أخرى من احتكاك روسى مع الغرب عموما، وامريكا خصوصا، غير بعيد عما يدور، ويجب ألا ننسى «امتلاك الروس والأمريكان، ليس قوة نووية فحسب، بل لصواريخ عابرة للقارت».. لكن هل تتحول «إهانة الجاسوس» إلى شرارة تفجير صراع غير محسوب بين الروس والغرب؟، ربما يكون الوصول إلى حافة الخطر على هذا النحو المخيف أمرا مستبعدا، لكن العلاقات بين روسيا والغرب مرشحة لمزيد من التوتر، قبل أن يحقق كل طرف جزءا من مصالحه على الخريطة الدولية.

وبلا شك تمثل عملية تسميم العميل سكريبال، فرصة لاختبار النوايا، وكشفا لهواجس قد تكون لدى هذا الطرف أو ذاك، غير أن ما يدور فى عالم الأقبية المظلمة بين الأنظمة الكبرى، وأجهزة استخباراتها، لا يظهر منه فى العادة إلا القشور، وربما تكون مجرد أكاذيب تحمل رسائل لمن يعنيهم الأمر، ومن ينغمسون فى لعبة العمليات القذرة كسلاح للتأثير على الآخر، وجنى الأرباح فى بورصة الدفاع عن المصالح، وهو الجزء الذى يبقى خفيا فى الصراع الدائر بين موسكو ولندن حاليا على خلفية الاتهامات بتسميم عميل أو «إهانة» بلد.

التعليقات