محاكمة المدنيين عسكريًا - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 6:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاكمة المدنيين عسكريًا

نشر فى : الجمعة 19 أغسطس 2011 - 8:33 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 أغسطس 2011 - 8:33 ص

 هى ممارسة مرفوضة آن أوان الامتناع عنها. والأمر هنا لا يتعلق فقط بتحقيق النيابة العسكرية مع نشطاء سياسيين كـ«أسماء محفوظ» أو إعلاميين كـ«كريم ماجد» وغيرهما، بل بعدد كبير من المدنيين تم اعتقالهم من قبل الشرطة العسكرية وبعضهم صدرت بحقه أحكام سريعة من قبل القضاء العسكرى ويقضى الآن مدة العقوبة فى السجون العسكرية.

والمطلوب هو إعادة إجراءات محاكمة هؤلاء أمام القاضى الطبيعى أو التحقيق معهم أمام القاضى الطبيعى.

سلطات البلاد تدافع عن المحاكمات العسكرية للمدنيين بالإشارة إلى حالة الانفلات الأمنى فى مصر وشيوع ظواهر البلطجة وممارسة العنف وحاجة المجتمع إلى وضع الخارجين على القانون وبسرعة وراء القضبان. المشكلة الأولى هنا هى افتراض غير صائب بغياب قدرة القضاء الطبيعى (المدنى) على تطبيق العدالة بفاعلية والعمل بسرعة تتواكب مع إيقاع أزمات المجتمع. والثابت أن القضاء الطبيعى دوما ما تعامل مع ظواهر كالبلطجة والعنف بفاعلية ولديه من القوانين الاعتيادية ما يكفى لمحاكمات فعالة وعادلة.

المشكلة الثانية، وبصراحة شديدة، هى أن مصر تحتاج، وعلى الرغم من الانفلات الأمنى المؤلم، أن يتم الالتزام بمحاكمها بضمانات التقاضى العادل والنزيه. بالقوانين المصرية الكثير من الضمانات لحماية حقوق من هم قيد التحقيق والمساءلة القانونية وللقضاء الطبيعى خبرة طويلة فى وضعها موضع التطبيق. لا نريد محاكمات سريعة وأحكاما تصدر بعد جلسة واحدة، بل محاكمات منضبطة تحمى حقوق الجميع بما فى ذلك من يمارس البلطجة والعنف. ففى هذا السبيل الوحيد لاحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان.

المشكلة الثالثة هى أن المدنيين الذين تمت محاكمتهم عسكريا أو تحقق معهم النيابات العسكرية الآن ليسوا جميعا من البلطجية والمجرمين. الكثير من تقارير منظمات حقوق الإنسان تتحدث عن نشطاء سياسيين وإعلاميين شباب أدخلوا فى زمرة البلطجية وبعضهم صدرت بحقه أحكام من القضاء العسكرى. مجددا، يستطيع القضاء الطبيعى أن يقوم بكل هذا مع ضمانات كافية للمحاكمات العادلة والأفضل أن يحيل القضاء العسكرى جميع المدنيين إلى القضاء الطبيعى كى نضمن عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان.

المشكلة الرابعة هى أن التحقيق مع المدنيين أمام النيابات العسكرية بدأ يأخذ منحنى خطيرا يتعلق بقضايا الرأى والمواقف السياسية. أرفض التشكيك فى وطنية المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومن غير المقبول أن يتحول الخلاف السياسى المشروع معه إلى دعوة لإسقاطه وتهديد استقرار الوطن، إلا أن مجال النظر فى مثل هذه الأمور والتقاضى بشأنها هو القضاء الطبيعى وتستطيع المؤسسة العسكرية أن تسمع رأيها وتبلغ تحفظاتها للقاضى الطبيعى.

إن كنا نريد بناء الدولة الديمقراطية ودولة سيادة القانون فلا بديل عن تمكين القضاء الطبيعى من النظر فى كل قضايا المدنيين بما فى ذلك القضايا الأمنية وقضايا الأمن القومى وفى ظل نظم وشروط تحمى صالح الوطن بجانب حقوق الإنسان.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات