وقيد الحادث ضد «معلوم» - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 12:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وقيد الحادث ضد «معلوم»

نشر فى : الأحد 20 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 20 يناير 2013 - 8:00 ص

هذه المرة يحمل القطار رقم (3233) . أما فى عام 2002 فكان رقمه (832) . والحقيقة أنه لا الفارق الزمنى، ولا الفرق بين رقم القطار فى المرتين، ولا حتى الاختلاف بين عدد الضحايا فى الحادثتين المؤلمتين (الأولى فى العياط، والثانية عند البدرشين) على خط الصعيد، يكفى لجعل الأمر جديدا. ففى يوم الثلاثاء الماضى مات 19 مواطنا صعيديا فقيرا دهسا، تحت جنبات القطار، وفى يوم غابر آخر عام 2002 مات 361 مواطنا صعيديا فقيرا حرقا. الحرق داخل القطار، والدهس خارجه يبقيان مجرد تفاصيل، لموت محقق لهؤلاء الفقراء.

 

وفى المرتين التهمة جاهزة لفقراء آخرين «التسبب خطأ فى موت مواطنين، والحاق ضرر جسيم بأموال جهة عملهم، والتسبب بغير عمد فى إتلاف منقول مملوك للغير». وهى أيضا ذات التهم التى حول بها النائب العام الجديد (فى نفس يوم حادث البدرشين) كل من عامل المزلقان، والملاحظ فى حادثة أسيوط، التى راح ضحيتها 50 طفلا فقيرا الشهرالماضى، إلى محكمة الجنايات.

 

•••

 

فى حادث الصعيد 2002  نجا المتهمون الصغار من عينة سائق القطار، والكمسارى، وعامل المزلقان، من سجن محقق. وحصلوا على البراءة بفضل دفاع عظيم من المحامى الأنبل، والأشرف الراحل نبيل الهلالى. الذى ألقى بتهمة موت فقراء الصعيد على عاتق صندوق النقد الدولى، وعلق دم الضحايا فى رقبة الدولة المنحازة ضدهم. وبرأ ساحة من أسماهم «الأبرياء من العمال التعساء». ويبدو أن القاضى الذى لا يحكم بالأوراق وحدها، ولكن ضميره هو سيد قراره، قد وجد فى حديث الهلالى حول أن الجناة ليسوا هم بالفعل، التعساء من عمال السكة الحديد، بل إنهم ضحايا مثل المجنى عليهم فى القطار.

 

ويبدو أن القاضى عندما عرف أن النسبة الأكبر من الاعتمادات المالية لإصلاح أحوال القطارات (350 مليون جنيه) ذهبت لتجديد 33.5% من قطارات الدرجة الأولى والثانية، التى يركبها الصفوة، وهم لا يمثلون سوى 11% من عدد الركاب. بينما لم يحظ بالتجديد سوى 8.5% من قطارات الدرجة الثالثة، التى يركبها الأغلبية من خلق الله العاديين. عندما عرف ذلك تيقن أن الجانى ظاهر، بل ويعلن على الملأ، عن نيته فى ترتيب أولويات من يستحقون الحياة على هذه الأرض.

 

وقال الهلالى للمحكمة «إنه حتى الاعتمادات المالية المحدودة، تتحكم فيها مصالح رجال المال والأعمال. وهذه المصالح تعليها الحكومة على مصلحة سكان الأرصفة».

 

واعتبر الهلالى فى مرافعته أن الحكومة، وصندوق النقد هما محور الشر. «لأن الحكومة بما قدمته من خطاب نوايا للصندوق تلتزم بوصفة الصندوق المدمرة، التى ترى ان علاج عجز الموازنة لايتأتى إلا بتقليص الإنفاق الحكومى على الجوانب الاجتماعية، وانسحاب الدولة من ميدان الخدمات، فتلغى التعليم المجانى، وتقلل انفاقها على العلاج المجانى، وتتخلى عن المرافق العامة، توطئة لتركها بالكامل للقطاع الخاص».

 

•••

 

وما بين عام 2002 ، و2013 لم يتغير شيئا لا أحوال ركاب الصعيد تغيرت، ولا أوضاع القطارات اختلفت، ولا نوعية الحكام تبدلت، ولا حتى صندوق النقد رق قلبه لسكان الأرصفة. فمازال حال من ركب قطار (3233) هو نفسه حال الصعيدى، الذى ركب بعده بعشر سنوات قطار (832). فالاثنان يعيشان فى مساحة من مصر نصف القاطنين فيها يحملون شهادة «فقير» باستحقاق حكومى. بما يعنى أن نصفهم يحيا الواحد منهم بأقل من 256 جنيها فى الشهر بطوله. ومازالت الشريحة الأفقر منهم لا يحصل  إلا 1.3 % منهم على شهادة جامعية. لأنهم بحكم أولويات أسرهم لا ينفقون على التعليم سوى 1% من إنفاقهم الضرورى، والذى يذهب الجانب الأعظم منه للأكل والشرب لأرتفاع اسعاره. ومازال حتى الآن 41% منهم، تمنعهم الأمية من أن يقرأون ، ويفهم أن الموت فى قطار الصعيد ليس قدرا محتوما لأهله. ولكنه من صنع الظالمين لأهل الصعيد.

 

لا أحوال الصعايدة تغيرت بعد الثورة، ولا انحيازات الحكام أختلفت. فمازال الحاكمون الجدد بعد 25 يناير ، لا يجدون أى غضاضة فى أن يحشر أهل الصعيد حشرا، فى قطارات يعلمون أن عمرها الافتراضى قد انتهى، ولم يعد يجوز عليها إلا الرحمة بعد دفنها. كما لم تتفتق أذهان القائمين على تسيير أحوال الرعية فى مصر الآن، إلا عن ذات الحلول التى خرج بها أتباع نظام الرئيس المخلوع، وقت أن كان وزير النقل من رجال البيزنس «حتى النخاع» محمد لطفى منصور.

 

والذى كان من الصعب عليه أن يجمع بين احتياجات ركاب السبنسة، وبين طلبات  قائدى سيارات الشيفرولية التى كان يرأس مجلس إدارة الشركة المنتجة لها فى مصر( منصور شيفروليه). بل أن صفقة إستيراده لـ80 جرارا من شركة جنرال اليكتريك الأمريكية لصالح السكة الحديد مثالا صارخا لما كان يقصده الهلالى فى مرافعته قبل سنوات.

 

•••

 

وفى عام 2009 بعد حادث قطار محطة «العياط» الذى راح ضحيته 18 فقيرا فى زمن «منصور الأول» قامت الدنيا وسرعان ماقعدت، بعد أن عقدت لجنة النقل بمجلس الشورى اجتماعا لوضع خطة لإصلاح السكة الحديد. وكان من أهم بنودها «مشاركة القطاع الخاص، وتحفيزه على الدخول فى الأنشطة الخاصة بالسكة الحديد، فى مراحل الصيانة، والتشغيل، وإدارة بعض الخدمات الخاصة. إلى جانب توفير خدمات الإتصالات. والقيام بالأنشطة الخدمية مثل تأجير خدمات بالمحطات. وتحويل هيئة السكة الحديد إلى شركة قابضة، تتبعها عدد من الشركات لتصنيع قطع الغيار، والصيانة. وشركة أخرى لتشغيل خطوط ذات طبيعة خاصة استثمارية لخدمة مناطق معينة. وشركة ثانية تتولى نقل الركاب بطريقة اقتصادية سليمة، وفقا لحسابات التكلفة، والعائد وتوفير المرونة فى نظم التسعير، بما يتفق مع اقتصاديات التشغيل. على أن تتحمل الموازنة فرق التسعير وليس الشركة. أى بصريح العبارة الشركات ترفع السعر على الركاب لتربح ماتشاء ، والموازنة تتحمل الدعم.

 

ولا يبدو الأمر بعيدا، فما بين زمن «العياط المحطة» فى عام 2009 وبين زمن «العياط الرئيس» فى 2013 بقيت عقلية البيزنس هى السائدة، لحل مشكلة ركاب السبنسة، الذين يحتكرون وحدهم صفة «الموت محشورين».  فقد خرجت علينا الصحف منذ ايام بأخبار عن اجتماع للجنة النقل بحزب الحرية والعدالة «الحاكم» متواكب زمنيا مع اجتماع أخر لمجلس الوزراء لنفس الغرض، وهو وضع خطة لتحسين احوال السكة الحديد. والخطة تشتمل على القيام بأعمال الصيانة للمحطات، والمزلقات، وعربات القطارات . وقد قررت لجنة الحزب الحاكم أو «الفعلى» تكليف خيرت الشاطر وعصام الحداد القياديين بالحزب، (وهما المتصدران لعالم البيزنس فى مصر الآن) ببحث تمويل خطة التطوير.

 

وتشتمل الخطة التى قدرت تكلفتها بـ6 مليارات جنيه فى جزء منها على إنشاء شبكة جديدة لخطوط السكك الحديدية، بعيدة عن الخطوط المتهالكة، التى أوشكت على الانهيار. وينتظر ان تقدم هذه الخطة لإحدى الشركات الاستثمارية القطرية للمساعدة فى تمويل المشروع على حد ماجاء بجريدة المصرى اليوم.

 

•••

 

والحقيقة أن يموت الفقراء دهسا، أو حرقا لم يعد بالأمر الجديد، ولكن الجديد حقا هو أن الناجين من الموت هذه المرة، قد فهموا أن ضحايا القطارات، يموتون بالمخالفة لشرع الله.

 

أما عن «الواجب المقدس» الذى سيكون على المجندين الباقين على قيد الحياة القيام به، وهو التجنيد الإجبارى فى معسكر الأمن المركزى التابع لجهاز الشرطة، فهو  يستوجب على القائمين عليه أن يقدموا ما يقنع هؤلاء البسطاء من أولادنا بقدسية مهمتهم. فهل «المقدس» هو أن يقضى هؤلاء ثلاث سنوات من عمرهم، ليس ضمن قوات الجيش التى تحمى البلاد، ولكن فى تعلم فنون الضرب بالعصا، والبصق فى الوجه أو التنشين فى العين، أو شد شعر البنات، أو سحل الشباب؟. وهذا له مجال آخر.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات