وظائف الأزهر «5» بيان مقاصد الرسالة - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 9:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وظائف الأزهر «5» بيان مقاصد الرسالة

نشر فى : الجمعة 22 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 22 مارس 2013 - 8:00 ص

نأتى على الفصل الأخير للأصول العامة للإسلام التى يجب أن تهيمن على مناهج الأزهر وتتصدر جميع مقرراته الدراسية، ففروع الشريعة لا تفهم فهما صحيحا إلا فى ضوء كلياتها، بل إن الدعوة الإسلامية بحاجة إلى تلك الأصول لأنها أقرب إلى التصور وأسرع إلى التأثير. وسبق التنويه أن رسالة الإسلام عنوانها» السلام «وغايتها» إخراج الناس من الظلمات إلى النور»، ووجهة الإنسان لتحقيق تلك الغاية هى «الإعمار والكرامة الآدمية» كما أن لهذه الوجهة علامات تدل على صحة المسيرة وهذه العلامات هى «مقاصد الشريعة» وهى موعدنا اليوم.

 

 (1)

 

وتلك المقاصد هى الحفاظ على (النفس البشرية/ النسل/ المال/ العقل/ الدين) هكذا تجىء المقاصد بغير ترتيب تنازلى أو تصاعدى فالناس ليسوا فى مناخ واحد، ولا سن واحدة، ولا ظروف اجتماعية واحدة، فهناك الأطفال والصبية وأولوياتهم «الحفاظ على النفس»، وهناك الشباب والكهول وأولوياتهم (التزاوج والتناسل والتربية)، وهناك المجتمع ودولته وأولوياته هى إدارة البلاد والحفاظ على الأموال والموارد وحسن إستثمارها، وجميع الناس مطالب بالحفاظ على عقله وتنميته فى حدود قدراته، أما الدين والحفاظ عليه فإنه مستويات وأنواع يلتزم كل شخص وكل سلطة بما فى وسعها، لذلك أكرر أن مقاصد الشريعة ليس لها ترتيب تنازلى أو تصاعدى بل إنها حلقة مستديرة لا طرف لها إلا بحسب أهمية الحالة المنظور إليها.

 

(2)

 

ويسهل على الفقيه اعتبار «حفظ النفس» بداية طبيعية «لدائرة المقاصد»، فالنفس البشرية قدر مشترك فى جميع المقاصد الخمسة فالنفس والنسل والعقل أجزاء لكيان واحد يؤثر بعضه فى بعض، والمال والدين لا يقومان بغير نفس بشرية فلنقل إن «الحفاظ على النفس» يعنى صيانة جميع الأنفس البشرية وتدعيم إحيائها، وتجريم العدوان عليها هو أول المقاصد، فجريمة العدوان على نفس واحدة تتساوى مع جريمة العدوان على سكان العالم أجمع «..مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا..» كذلك فالعدوان على أى جزء من النفس البشرية هو مجرم وعقابه المعاملة بالمثل كما يبين القرآن «..النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ..» ومعنى ذلك أن تمارس الدول والأمم عمليات الإعمار والإصلاح دون اساءة أو إزعاج أو جرح أو قتل أى نفس بغير مبرر شرعى.

 

(3)

 

والحفاظ على النسل: يعنى ضرورة تكاتف الدول والمجتمعات على تزويج المؤهلين للزواج، دعما للتناسل، وحفاظا على الجنس البشرى، وتجديدا للقوى المجتمعية، وتعويضا لمن يتوفاهم الأجل، وليس الحفاظ على النسل مجرد الإطعام والتربية والتعليم والتثقيف بل رعايته الصحيحة بالوقاية ثم العلاج ثم تيسير الزواج ورعاية الأسرة وتواصل جهود الإعمار هو أهم ما يفرضه الحفاظ على النسل.

 

(4)

 

و«الحفاظ على الأموال» هو توظيفها واستثمارها وتنميتها، وإذا عرفنا أن «مال الله المطلوب المحافظة عليه» هو كل الموارد المتاحة فى الكون»، بل يمكن أن نقول ان كل شىء عدا الإنسا» هو مال يجب البحث عنه والبحث فيه، ولأهمية استثمار المال فإن الشرع حرم الربا، كما عاقب سارق المال بقطع يده حتى تبقى الأموال مصانة تدور فى خدمة البشر فتتراكم الإضافات وتزداد المنافع.

 

(5)

 

والحفاظ على العقل: لا يعنى مجرد تحريم المسكرات والمخدرات، بل إن الحفاظ على العقل يبدأ بامتلاك أدوات التعقل والثقافة مثل القراءة، والكتابة، والتفكير فإن أول ما بدأت به الرسالة «اقرأ» ثم (..والقلم وما يسطرون) كذلك فالقرآن قد بين مراتب التفكير وحض عليها من الإدراك إلى التذكير والتفكير ثم التدبر ثم التعقل ثم التفقه، وتلك كلها مستويات يرتقى بها العقل حسبما يحصله منها، فالتعليم والتدريب والمناقشة والحوار والمراجعة والابتكار والإبداع والإحسان كل ذلك تكليف شرعى ويتولى المجتمع والدولة تيسيره للأفراد حفاظا على «العقل» و«تنمية بشرية راقية».

 

(6)

 

 أما «الحفاظ على الدين» فالمقصود به دون استطراد ضرورة الالتزام «بإنجاز أوامره واجتناب نواهيه»، والسعى الدائم للترقى من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان.

 

هذه هى الكليات التى تقوم عليها الدعوة فهل اســــتوعبت مقــــررات الأزهر ومناهجه هذه الأصــــول الخمســـــة فالضرورة المنهجية تفرض تخصيص ساعات محددة لتدريس تلك الأصول.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات