مصر تستيقظ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر تستيقظ

نشر فى : الأحد 22 مارس 2015 - 9:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 مارس 2015 - 9:54 ص

فور نهاية أعمال المؤتمر الاقتصادى المصرى، خرجت علينا معظم صحف مصر المستقلة والقومية والحزبية تحت مانشيت موحد يقول «مصر تستيقظ»، فيما كانت صحيفتان أكثر تحديدا ودقة موضحتين أن ذلك الاستيقاظ يتم «الآن»! حسنا سنفترض أن المانشتات المتطابقة تعبر عن توارد خواطر وحس وطنى رفيع ولا تعبر لا سمح الله عن حصة «إملاء».

لكن ألا يجدر بنا هنا ومع افتراض حسن النية الرهيب هذا، الذى قد يتهمنا البعض إزاءه بالسذاجة، أن نسأل عن ماهية وكيفية هذا الاستيقاظ؟
أعلم أن الأسئلة فى لحظات الاحتفال والأضواء المبهرة تكون ثقيلة الظل، فهذا جزء من سيكولوجية الجماهير التى لا ترغب عادة فى أوقات الآمال والأحلام أن يأتى إليها أحد ليقطع وصالها وتماهيها مع الموقف الاحتفالى بأسئلة من قبيل كيف ولماذا ومتى....الخ.

تذكرت ذلك الدرس المستفاد من كتب كثيرة تكلمت عن سيكولوجية الجماهير فقررت أن أكون براجماتيا وألا أقطع حبال وصال الجماهير وأحلامها خلال الفترة الماضية واخترت أن أنتظر حتى تنتهى الاحتفالات وأن أنتقى ألفاظى بعناية عسى ألا يتم اتهام مقالى «بثقل الظل» أو بتعكير مزاج مصر لحظة استيقاظها. فهو مجرد مقال لإبداء ملاحظات مشروعة حول كيفية وشروط هذا الاستيقاظ.

أولا: حتى تستيقظ مصر فلابد من الخروج من أجواء الاستقطابات التى تدفع الجميع إلى الأحكام المسبقة المتحيزة هنا أو هناك. فلا يمكن وصف المؤتمر بعبارات مثل «العبور الثالث» أو ربما الرابع أو الخامس لم أعد قادرا على العد، أو فى المقابل يتم اعتباره «مؤتمر بيع مصر» هكذا دفعة واحدة. أتفهم تماما أن النظام السياسى المصرى فى حاجة إلى إنجاز.

وأن الرئيس الحالى يعلم جيدا أن الأداء الاقتصادى لنظامه أصبح معيارا مهما لتحديد مستقبل حكمه. وأن كثيرين من أبناء الشعب المصرى صبروا بما فيه الكفاية ولديهم رغبة قوية فى التعلق بالآمال. فالشعب بالفعل لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الإحباطات، فالقليل من الإيجابية أمر مطلوب بالفعل.

لكن حتى تستيقظ مصر فلابد من التفرقة بين الإيجابية فى تناول حدث ما وبين استغلاله لعمل دعاية سياسية لصالح أو ضد النظام. ذلك أن البلد ــ وليس النظام ــ هو من يذهب عادة ضحية لمثل هذه الدعاية الرخيصة.

ومن هنا فإن التناول العقلانى للحدث يكون فرض عين على الجميع.

ثانيا: حتى تستيقظ مصر لابد من رفض استغلال الحدث للمزايدة على المعارضين باسم الوطنية، بنفس قدر رفض تمنى بعض هؤلاء المعارضين فشل المؤتمر لا لشىء إلا لإثبات أن فترة حكمهم وحكم أحبابهم كانت أفضل وأن بديلها هو الخراب.

قد تنتقد أو تشكك فى المؤتمر ونتائجه لأنك ترفض الفكر الرأسمالى، أو لأن القدر قاد أحد معارفك أو ذوى رحمك أن يكون ضمن ضحايا النظام الحالى قتيلا أو مصابا أو معتقلا، أو حتى لأنك رأيت هذا المولد الصاخب ينصب لجهاز القوات المسلحة لعلاج الكبد أو لمشروع المليون وحدة سكنية لمحدودى الدخل، أو حتى للمليارات التى سمعت عنها تدفق على صندوق تحيا مصر ومن قبله صندوق ٣٠/٦ ثم فوجئت أن الموجود فعليا هو عدة ملايين فقط تبرع بمعظمها فئات شعبية تحب بلدها عن حق بعيدا عن دعاية النظام. من حقك أن تنتقد أو تسأل أو تترقب وتؤجل الاحتفال، وواجب النظام ورجاله هو أن يثبت لك عمليا أن هذه المرة بالفعل مختلفة بدلا من المزايدة عليك.

ثالثا: حتى تستيقظ مصر فلابد من عدم القفز على الزمن لحسم النجاح أو الفشل. لاشك لدى أن المؤتمر قد نجح تنظيميا وأمنيا ودعائيا، وأنه بالفعل قد عزز فرص النظام السياسية إقليميا وعالميا وأن النظام المصرى الآن يتمتع بشرعية دولية أفضل بكثير من تلك التى كان يملكها عشية ٣ يوليو. كما أنه منح بذكاء دفعة ثقة لجهاز الدولة والنظام بدءا من الموظف العادى مرورا بوكيل الوزارة والوزير ورجل الشرطة والجيش، إلا أن الحكم على نجاحه اقتصاديا يحتاج لبعض الوقت.

ذلك أن علماء الاقتصاد السياسى دائما ما يميزون بين ثلاثة مستويات للنجاح الاقتصادى، المستوى الأول هو مستوى الأرقام الكلية aggregation، كأن تقول مثلا أن إجمالى ما وقعته من استثمارات فى المؤتمر هو ١٠٠ مليار دولار، وبين مستوى التوزيع distribution، أى الكيفية التى تم توزيع بها هذا المبلغ على المشروعات المختلفة وبالتالى مدى استفادة الطبقات المختلفة، وأخيرا مستوى الكفاءة efficiency أى مدى كفاءة استخدام تلك المبالغ ومستويات الفساد التى تحدد مدى استفادة المواطن العادى بها. وبالتالى الحكم بالفشل أو النجاح يحتاج من عامين إلى ثلاثة على الأقل ولا يمكن الجزم به أو بعكسه الآن!

رابعا: حتى تستيقظ مصر فلابد من التفرقة بين لحظات الإبهار المؤقتة تحت أضواء الكاميرات وبين السياسات طويلة الأجل القادرة على التغيير الفعلى. فلاشك أن تلك اللقطة التى ظهر فيها السيسى ملتفا حوله عشرات الشباب والفتيات ممن شاركوا فى تنظيم المؤتمر أو فى إحدى فاعلياته كانت ذكية وكاتب هذه السطور يحترم الذكاء حتى لو اختلف مع صاحبه.

وهى محاولة جيدة لكسر القيود والبروتوكولات التى تفصل بين الرئيس وبين الشعب. كانت اللقطة مبهجة وبسيطة ومعبرة. وذكاء اللقطة وبساطتها وتلقائيتها دفع بعض الشيوخ فى دول صديقة لتكرارها فور العودة إلى بلادهم. نحن إذا أمام رئيس يحاول كسب قطاع من الشباب وهذا أمر محمود ولكن أى شباب؟

هناك دائما ذلك الخطأ الكلاسيكى الذى وقع فيه جمال مبارك حينما حاول فعل الشىء نفسه بعد شيخوخة والده، فاختار فئة معينة حسنة المظهر لبقة الحديث وأهمل جوهر الملف الذى لا يتعلق فقط بصور «السلفى» ولكنه يمتد أيضا لمعالجة كل قضايا الشباب العالقة وخصوصا قضايا الاعتقال والظلم واللفظ السياسى فضلا عن البطالة وغيرها من القضايا التى تقف فى طريق الشباب. فهل نعالج جوهر الملف أم نقف عند قشوره؟

خامسا: حتى تستيقظ مصر فلابد فورا من إجراء إصلاحات سياسية فى ملفات مثل المعتقلين، والقضاء والعدالة، والانتخابات النيابية، وملف الحريات، والقوانين غير الدستورية مثل قانون التظاهر الذى بسببه يقبع المئات فى السجون دون ذنب، هيكلة الداخلية، إصلاح الجهاز البيروقراطى، وغيرها من الملفات المؤجلة أو بعبارة أخرى المجمدة، فالنظم الرأسمالية التى تعتمد على اقتصاديات السوق تتحول رأسماليتها إلى رأسمالية المحاسيب أو رأسمالية الإقطاع لتستفيد بمواردها طبقات محدودة فى مقابل تهميش معظم طبقات الشعب لو لم تقترن بإصلاحات سياسية تكفل الرقابة والشفافية والنيابة الشعبية والشرعية الدستورية.

وأخيرا: حتى تستيقظ مصر فلابد أن نعرف أن القرارات المصيرية لا تخضع لحسابات المستثمرين ومضاربات المقاولين، لكنها يجب أن تكون محل نقاش مجتمعى وسياسى يحترم الدستور.

إذا فأمر إنشاء عاصمة جديدة لايكون قرارا منفردا بين مسئول يقرر ومستثمر تلمع فى عينه الفكرة فيتم تسويقها للمصرين على سبيل المفاجأة! فالموضوع محسوم بالمادة ٢٢٢ من دستور ٢٠١٤ والتى نصت على أن «مدينة القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية.» وبالتالى قبل أى تنفيذ للمشروع سواء فى عشر سنوات أو فى خمس فلابد أن يتم تعديل الدستور.

وهذا التعديل يلزم وجود مجلس نيابى أولا، يقدم هو أو رئيس الجمهورية على اقتراح التعديل، ثم يناقش المقترح فى خلال شهر، ثم يتم قبول المقترح بالأغلبية البسيطة للمجلس أو عدم قبوله. فإذا ما تم رفضه لا يقدم ثانية فى نفس دور الانعقاد، وإذا تم قبوله يناقش ثانية بعمق أكبر بشرط مرور ستين يوما من تاريخ الموافقة على التعديل ثم يتم التصويت النهائى على هذا التعديل وإما أن يمرر هذه المرة بأغلبية الثلثين أو لا يمرر. فإذا ما تم تمريره بهذه الأغلبية يعرض على الشعب للاستفتاء!

هذه الإجراءات ليست من عندى ولكنها نص المادة ٢٢٦ باب الإحكام العامة من دستور حاصل على ٩٨٪، فكيف يتم القفز على كل ذلك؟ ولا سبيل للحديث أن المقصود مجرد عاصمة إدارية لأن المادة ٢٢٢ جاءت بلفظ العاصمة على إطلاقه ولم تفرق بين عاصمة إدارية وأخرى سياسية فأين النقاش الشعبى أو ما يسمى بالحوار المجتمعى؟ أين رأى البرلمان ومناقشاته؟ أين موقع الدستور من كل ذلك وكيف تنظر له السلطة الحالية ببساطة؟

استيقاظ الأمم لن يأتى بين عشية وضحاها، كما أنه ليس رهن مانشيت هنا أو تعليق هناك. وهو أيضا ليس ناتج حصيلة الأمانى والأحلام. وبكل تأكيد لن يتحقق بالدعاية والإعلان، لكن استيقاظ الأمم له أسباب وأصول وثمن إما أن نأخذ بها أو لنظل حالمين وأسرى للإبهار اللحظى!

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.