حداثة أم تحديث يا سيادة الرئيس؟ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حداثة أم تحديث يا سيادة الرئيس؟

نشر فى : السبت 22 أبريل 2017 - 11:20 ص | آخر تحديث : السبت 22 أبريل 2017 - 11:20 ص

بعد التفجيرين الأخيرين فى كنيستى طنطا والإسكندرية خرج الرئيس ليتحدث إلى الشعب المصرى ومعه رئيس الوزراء ووزراء الداخلية والخارجية والتعليم، وكان واضحا تأثره الشديد بما حدث وأعلن تأسيس المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب وفرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر. من هنا أدرك الشعب أن الرئيس بعد أن أحس بأنه تحدث كثيرا من قبل للمسئولين عن تحديث التعليم والإعلام والخطاب الدينى وجاءت النتيجة مخيبة للآمال. ها هو يأخذ المبادرة بشخصه ليقوم بعملية التحديث.
وبالطبع كان لابد للرئيس أن يفعل ذلك بقرارات واضحة عملية سريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لكن التحديث الذى وقع فى أوروبا لم يأت بقرارات بل جاء كنتيجة لبث فكر الحداثة بين الناس والذى أخذ أجيالا حتى ظهر للنور. فلقد بدأ الفكر الحداثى بثورة الإصلاح الدينية التى تمت فى القرون الوسطى عام 1517 بمارتن لوثر وكان متوقعا أن يفشل فى مسعاه؛ حيث تحدى لوثر الخطاب الدينى التقليدى الممثل فى البابا الذى يعين الملوك ويعزلهم لولا أنه تواكب مع دعوة الإصلاح اختراع المطبعة، فقبل ظهور مارتن لوثر فى ألمانيا كان الكتاب المقدس مكتوبا باللغة اللاتينية، وهكذا كان الاطلاع عليه وقراءته شبه مستحيلة إلا على البابا والمحيطين به، لذلك كان البابا يصدر أوامره مستندا على الكتاب المقدس فيعطيها قداسة ونفوذا فيطيع الناس القرارات دون مناقشة وإلا صاروا يعصون الله وليس البابا. لكن مع ظهور اختراع المطبعة قام مارتن لوثر بترجمة الكتاب المقدس إلى الألمانية وتم طباعته وتوزيعه على مجال واسع جدا فى أوروبا. من هنا جاءت الانطلاقة لإصلاح الفكر الدينى فقد قرأ الإنسان العادى الكتاب المقدس بعينيه وبضميره وليس بعينى البابا، وهكذا سقطت سطوة رجال الدين حيث تحرر العقل الأوروبى من سطوة السلطة الدينية.

•••

بعد الإصلاح الدينى أتى الفلاسفة الذين أعلوا قيمة العقل ونقدوا النص الدينى وانبرى فلاسفة آخرون للدفاع عن النص الدينى بتفسيرات جديدة لا باتباع تفسيرات عمياء تلغى العقل حتى يقنعوا الذين بدأوا يفكرون بعقولهم. وكان لمقولة ديكارت «أنا أفكر إذن أنا موجود» إسهاما ضخما فى طريق الحداثة؛ حيث فتحت إمكانا جديدا للتفكير انتقل معه الإنسان من طوره اللاهوتى أو الفقهى كإنسان مخلوق آثم ينتظر يوم الدينونة إلى طوره الإنسانى الدنيوى والدهرى (الزمنى) ككائن يمارس حيويته الوجودية وحضوره الفاعل فى المجتمع الذى يعيش فيه، حيث يتعامل مع أفكاره بصورة حية مبدعة خلاقة؛ إذ يقول «إن الذات هى هذه الازدواجية التى تتيح للمرء أن يتفكر ويتدبر فى ما يخص علاقته بجسده ورغباته وبالآخر والعالم وبالأخص علاقته بعمل يديه وأدواته التى تكاد أن تتجاوزه اليوم وتخرج عن سيطرته. ثم جاء كانط ليتحدث عن العقل المجرد السابق للتجربة الإنسانية فقدم تغييرات فى طريقة التفكير والعقل، أما هابرماس فتحدث عن العقل التواصلى، أما علاقة الدولة بالأفراد فكان جان جاك روسو الذى تحدث عن العقد الاجتماعى والذى فيه يتنازل الفرد عن بعض من حريته للدولة مقابل أمانه وأمان أسرته وثروته... إلخ. كل هذا ساهم كفكر حداثى لكى يأتى بعد ذلك تطبيق الفكر الحداثى على الأرض من خلال التحديث بالديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان... إلخ، فكان طبيعيا.

•••

ولاشك أن ما حدث فى أوروبا سبقته التجربة العربية الإسلامية إبان الخلافة العباسية من القرن العاشر إلى الخامس عشر من خلال حركة ترجمة ضخمة من اليونانية إلى العربية لكتب أرسطو وأفلاطون وأرشميدس وكتب العلوم والكيمياء وحساب المثلثات وعلم التنجيم والسياسة وكتب أرسطو طاليس (المقولات ــ العبارات ــ تحليل القياس والجدل والحكمة والخطابة) كذلك كتب الطبيعيات والإلهيات.
من هنا ظهر للوجود ما سمى بالحضارة العربية الإسلامية التى عمت أرجاء العالم المعروف حينئذ، لكن فى نهاية هذا العصر حدثت ردة إلى الخرافة والتعصب والتدين السطحى مما أدى إلى محاكمة بن رشد وحرق كتبه والتى هُربت إلى باريس وقد استخدمها المصلحون الدينيون وخاصة مارتن لوثر وجون كالفن اللذين تأثرا بابن رشد فى إعمال العقل لفهم الوحى المقدس.
ولقد أتيحت الفرصة ثانية للعرب ليبنوا حضارة حديثة وذلك عندما انفجر البترول من تحت أقدامهم فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى لكنهم بدلا من أن يبدأوا بنشر فكر الحداثة بين شعوبهم ليمهدوا لتطبيق التحديث على الأرض (الديمقراطية والحرية الفردية وحقوق الإنسان.... إلخ)، قاموا بتطبيق التحديث مباشرة؛ فمثلا فى مصر والعراق وسوريا وليبيا أعلنوا الديمقراطية كقرار سياسى وليس كإرادة شعبية واعية وطبقوا فكرة الانتخابات بدون فكر حداثى شعبى ففشلوا لأنهم أخذوا النتيجة بدون مقدماتها الشكل بدون الموضوع. وهو ما حدث مع دول الخليج بطريقة أخرى فعندما تذهب إلى الرياض (أو الكويت أو الإمارات وقطر... إلخ) ترى مظاهر التحديث فى المرور والنظافة والمبانى الحديثة والشوارع الضخمة وأحدث التقنيات، لكن عندما تتحدث مع هذه الشعوب التى تطبق التقنيات الحديثة مثلا عن موقفهم من المرأة تجده متخلفا تماما، وأيضا الموقف من الآخر المختلف دينيا أو عرقيا تجد أفكارا أبعد ما تكون عن الحداثة والانفتاح، بل هم مازالوا ينظرون لمن يعمل لديهم سواء فى المنزل من خادمات فلبينيات أو فى العمل بطريقة الكفيل وكأنهم عبيد لديهم.
هؤلاء البشر مع كل هذه الإمكانيات التى تبدو من الخارج أنهم يعيشون القرن الحادى والعشرين إلا أنك ببعض التأمل والعمق تكتشف أن الحداثة لم تصل إليهم إطلاقا رغم مظاهر التحديث التى يعيشونها.

•••

 

أما التجربة المصرية بعد ثورة 1952 والتى ألغت الأحزاب فبعد هزيمة يونيه 19677 ووفاة عبدالناصر ومجىء السادات، ذهب إلى مجلس الشعب ليقترح ثلاثة أحزاب «يمين ويسار ووسط» وقد عيَّن نفسه كرئيس لحزب الوسط وعيَّن رئيس حزب اليسار ورئيس الحزب اليمينى بنفسه، وهذا ما أطلق عليه تمثيلية الديمقراطية من تأليف وإخراج وتمثيل أنور السادات ونخبة من ممثلى الشعب. وهكذا جاء تطبيق التحديث مع شعب لم يدرك فكر الحداثة بعد. ولننظر ونتأمل فى المؤسسات الدينية التى لدينا مسيحية وإسلامية، ولدينا عدة مؤسسات كل مؤسسة تتبنى سياسة مختلفة، فهناك مؤسسات لا تنتخب لوظائفها أحدا لكنها تعيِّن من يعمل بها وبالتالى لا يوجد فى مثل هذه المؤسسات انتخابات من أى نوع، وإذا كانت هناك انتخابات تكون صورية ويبقى من يختار فيها مدى الحياة. وهناك مؤسسات دينية أخرى تنتخب لكل وظيفة من أصغرها إلى أكبرها ولكل وظيفة مدة محددة تجدد فترة واحدة أو تترك مفتوحة. لكن عندما تأتى للتطبيق تجد أن الشعب لا يفضل موضوع الانتخابات بل ويتحايل المنتخبون للوظائف على البقاء أبدا فى وظائفهم، والشعب يستريح ويبتهج فى كل الأحوال دون تمييز. إنه تطبيق التحديث بدون حداثة وهكذا على كل المستويات نحن نستعيد أدوات التحديث ونطبقها ونحن أنفسنا الذين نطالب بالتحديث الذى هو الديمقراطية والانتخابات والمساواة وحقوق الإنسان... إلخ.
نرتاح أكثر إلى أخذ هذه الأمور بسطحية ولا ندافع عنها ولا نفتقدها عند التجاوزات لأننا شعب غير حداثى الفكر بمعنى أننا لم نترب على الحداثة أو الثقافة الحداثية لا فى التعليم ولا فى الأسرة ولا فى الوظائف لذلك نحن نطبق التحديث بدون حداثة الفهم والإدراك والاستيعاب... إلخ. لذلك يا سيادة الرئيس اتخذ قراراتك بالتحديث لأنه الوقت لذلك لضبط الأمور وفى نفس الوقت لتبدأ بنشر فكر الحداثة من القاعدة إلى القمة بقوة وسرعة لأجل الأجيال القادمة من خلال منظومة تقوم بتغيير الفكر التعليمى إلى فكر حداثى والإعلام إلى إعلام حداثى والدينى إلى تفسير دينى حداثى يواكب العصر، وهكذا تضعنا على أول الطريق الصحيح.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات