ضيوف الشرف فى حرب سوريا - محمد عصمت - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضيوف الشرف فى حرب سوريا

نشر فى : الإثنين 22 أكتوبر 2018 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 22 أكتوبر 2018 - 10:15 م

حينما قال وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف منذ عدة أشهر إن أمريكا تتدخل فى سوريا وتقف خلف مشاريع تقسيمها من أجل السيطرة على حقول النفط والغاز، كان محقا تماما، ولكنه مع ذلك فإنه قال نصف الحقيقة فقط، لأن هناك أيضا خططا روسية وإيرانية وتركية للاستفادة من الثروات الهائلة التى تمتلكها سوريا من الغاز الطبيعى والتى يقول خبراء الطاقة إن احتياطيها الإستراتيجى منه يرشحها لأن تكون أكبر دولة منتجة له فى العالم.
تحت لافتات دينية جرت حروب طاحنة فى سوريا، أشعلتها قوى إقليمية ودولية، وتدخلت فيها أطماع ومصالح لا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد، وتم خلالها إنفاق مليارات الدولارات على شراء أسلحة، وتجنيد شباب تحت زعم الدفاع عن الاسلام تارة، وتحت زعم مواجهة التمدد الشيعى تارة أخرى، وكانت النتيجة قتل وتشريد ملايين السوريين، ووضع الدولة نفسها على حافة الفوضى والانهيار.
لم يعد خافيا على أحد الآن أن واشنطن كانت تقف وراء «مشروع نابوكو» لنقل الغاز من إذربيجان عبر خط أنابيب يمر بتركيا ليصل إلى محطته الأخيرة فى أوروبا، فى إطار سعيها لتحجيم سيطرة روسيا على سوق الغاز الأوروبى والتى تقدم له ما يقرب من 80% من احتياجاتها، وهو المشروع الذى لم تتوافر له سبل النجاح لأكثر من سبب، والذى استوحى اسمه من مقطوعة موسيقية ألفها الموسيقار النمساوى فيردى وتدور حول قصة مأخوذة من العهد القديم حول المعاناة التى تعرض لها اليهود على يد الملك البابلى نبوخذ نصر.
فى نفس الوقت الذى كانت تركيا تخطط لأن تكون بوابة الغاز الطبيعى القادم من الشرق إلى اوروبا، جاءت اكتشافات الغاز السورى المبشرة، لتطيح بكل هذه الخطط، فى حين كان من مصلحة إيران التى تواجه ضغوطا أمريكية وإسرائيلية متواصلة أن تتحالف مع دمشق كورقة ضغط يمكن أن تشرعها فى وجه واشنطن، وهو ما نجحت فيه بعقد الاتفاق النووى مع إدارة الرئيس أوباما، والذى ألغاه ترامب ليزيد الوضع السورى غموضا وارتباكا.
أما روسيا فقد كانت مصالحها تتطلب الدفاع عن النظام السورى والتفاهم معه مستقبلا حول سبل مواجهة المنافسة على السوق الأوروبى من غاز دول آسيا، وهو السلاح الذى استخدمته موسكو بفعالية خلال أزمتها مع أوكرانيا ودخول قواتها أراضيها وضمها جزيرة القرم إليها باعتبارها جزءا أصيلا من الأراضى الروسية التاريخية، بعد أن هددت الدول الأوروبية بوقف إمدادها بالغاز إذا ساندت مواقف أوكرانيا أكثر من اللازم، وهو السلاح الذى أثبت نجاحه فى هذه الأزمة!
كل التنظيمات الإسلامية المتطرفة التى كانت تتخيل انها تحارب معركة دينية مقدسة ضد بشار الأسد، كانت مجرد ضيوف شرف على المعركة الحقيقية فى سوريا، استخدمتهم قوى دولية وإقليمية كالأراجوزات ــ إن صح التعبير ــ لتحقيق أهدافها الخسيسة بالسيطرة على ثروات سوريا، دون أن تهتم بشعبها وبالمآسى الإنسانية التى واجهها ولا يزال. كانت هذه التنظيمات مجرد مخلب قط ــ دون أن تدرى ــ فى أيدى هذه القوى، قدمت لهم السلاح بكرم حاتمى، ثم ضربتهم بأسلحة أشد فتكا حينما كانت مصالحها تتطلب ذلك، لزعزعة الأوضاع فى سوريا، وتقسيمها لعدة دويلات متنافرة يسهل عليها ابتلاعها واحدة وراء الأخرى والسيطرة على ثرواتها.
ولكن وقبل ذلك كله، لا يمكن تجاهل الدور الأساسى الذى لعبه نظام بشار الأسد فى اشعال هذه الحرب، فعداؤه الأصيل لكل القيم الديمقراطية، وتقييده لحريات الرأى والتعبير، واعتماده على العقلية الأمنية لفرض الانضباط والاستقرار، كان يطلق عنان الغضب المخفى فى صدور ملايين السوريين، والذى استغلته القوى المعادية لسوريا لإشعال فتيل الحرب فيها.
الديمقراطية فى سوريا كان من الممكن أن تقى شعبها كل الأهوال التى عاشها، وهو الدرس الذى ينبغى على دول المنطقة أن تتعلمه قبل أن تقع فى نفس الفخ، وتجد نفسها فريسة سهلة للذئاب الجائعة التى تتربص بالمنطقة!

محمد عصمت كاتب صحفي