خطف الهولوكوست - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطف الهولوكوست

نشر فى : السبت 23 مارس 2024 - 8:35 م | آخر تحديث : السبت 23 مارس 2024 - 8:35 م
حصل المخرج البريطانى اليهودى، جوناثان جليزر، على جائزة الأوسكار عن فيلمه الذى يصور الهولوكوست. فى ضوء ذلك، نشر موقع «دار الفكر» السورى مقالا للكاتب إلياس خورى، تناول فيه نجاح المخرج فى تصوير الهولوكوست كحدث إنسانى ليس متعلقا باليهود فقط، بإشارته إلى إن إسرائيل تصنع هولوكوست الآن فى غزة... نعرض من المقال ما يلى:
لم أستطع للأسف، حضور رائعة جوناثان جليزر «منطقة الاهتمام/ ذا زون أوف إنتريست» الذى قال فيه ستيفن سبيلبرج، مخرج «قائمة شندلر»، بأنه أفضل فيلم عن الهولوكوست.
أعاد المخرج البريطانى اليهودى جليزر الهولوكوست إلى الساحة الفنية بصفته حدثا إنسانيا كبيرا، وحرره من خاطفيه الذين أرادوا تحويله إلى إحدى أدوات السيطرة الصهيونية على فلسطين ووسيلة لتخجيل العالم ومنعه من نقد إسرائيل.
قال جليزر فى كلمته وهو يتسلم «الأوسكار عن أفضل فيلم دولى» إنه لم يصنع فيلما عن الهولوكوست، بل صنع فيلما مزدوج الأهداف:
الهدف الأول هو استعادة الهولوكوست من خاطفيه الصهاينة ووضعه فى إطاره الإنسانى كحدث يمس البشرية جمعاء.
الهدف الثانى، وهو الأهم، يتمثل فى جعلنا نفهم أننا نعيش اليوم فى جوار الهولوكوست وأننا جميعا نتحمل مسئولية المذبحة الدائرة.
لم يكن جليزر ملتبسا فى تسمية صانع هذه المذبحة، فأشار بإصبعه إلى الجيش الإسرائيلى بصفته وريث النازيين الذى يتابع ما بدأوه خلال الحرب العالمية الثانية.
المذهل فى هذا الكلام ليس الجرأة، بل النبل الأخلاقى والقدرة على تقديم رؤية جديدة لتاريخنا.
السينمائى البريطانى استعاد تاريخ الهولوكوست من خلال سيرة حياة القائد النازى رودولف هيس الذى كان يدير معسكر أوشفيتز الرهيب، لا لينتقد الألمان فقط بل ليلقى ضوءا على الشرط الإنسانى الذى جعل من الاستعباد جزءا من «تفاهة الشر» التى تتحكم بحياتنا.
مهاجمو الفيلم لم يفهموا مقاصده العميقة، هذا فيلم عن غزة لكنه ليس عن غزة، إنه عن الإنسان. حين يقول مخرجه إن الهدف ليس تذكر الهولوكوست بل التأكيد أننا نعيش فى ظلاله الآن، وأن غزة هى النموذج الذى تصنعه إسرائيل كى تدخل فى قائمة عار الإبادة، فهذا يعنى أننا أمام لحظة بالغة الخطورة من التاريخ الإنسانى.
إنها لحظة تحويل فلسطين إلى رمز عالمى، وهذا ما كان يجب أن يحصل منذ خمسة وسبعين سنة. لكن يبدو أن على الشعوب أن تدفع ثمن إيصال صوتها دما وأن تغير المعادلة بألوف الضحايا.
تذكرت وأنا أستمع إلى جليزر كلام فانيسا ريدجريف، الممثلة البريطانية الشهيرة التى نالت جائزة الأوسكار وأشارت فى خطابها إلى الهولوكوست، رغم يهوديتها، كيف سرت همهمات معادية لها فى القاعة. فالهولوكوست كان حكرا صهيونيا والكلام عنه كان محصورا بفئة معينة، ما دفع الكاتبة البريطانية نعومى كلاين إلى الكتابة على صفحات الجارديان بأن شعار «لن يتكرر مرة ثانية» يخص اليهود فقط ولا يشمل الإنسانية بأسرها.
هذا ما أعاد تصويبه فيلم «منطقة الاهتمام/ ذا زون أوف إنتريست» عبر إعادة السؤال إلى أوله وطرحه كجزء من السؤال الإنسانى.
كان فى استطاعة المخرج أن يقول كما يقول كثر بأننا «انفلقنا من الهولوكوست» غير أن ابن الناجين اليهود الأوكرانيين لا يستطيع أن ينسى، لكنه بدل أن يحشو ذاكرته بديناميت الانتقام ويقرر كالكثير من أقرانه استبدال الضحية اليهودية بالضحية الفلسطينية، قرر أن يحافظ على الروح الإنسانية العميقة مدافعا عن حق غزة فى الوجود والمقاومة.
يتراءى لى أن هذا الفيلم هو للقراءة وليس للمشاهدة. نشاهده بعيون عقولنا وأفكارنا ونطرح على أنفسنا الأسئلة الكبرى المرتبطة بالتاريخ الأوروبى. فأوروبا لن تتخلص من عقدة ذنب الهولوكوست إلا إذا تخلصت من عقدة نقصها اتجاه إسرائيل.
إسرائيل تشكل اليوم عائقا أمام فهم الهولوكوست وتحليله وقراءته بشكل عقلانى. ثم يأتيك مخرج بريطانى يهودى أبيض ليقول إنه يريد تحرير الهولوكوست من خاطفيه ومن المصيدة التى اصطادوه بها من خلال تحويله إلى غطاء للاحتلال الإسرائيلى، فهذا فى رأيى حدث ثقافى كبير يتفوق على جميع المثقفين الإسرائيليين الذين سكتت أغلبيتهم أو أسكتت وفضلوا الصمت أو نصف الصمت على الكلام.
التعليقات