الغول.. مرة أخرى - خالد محمود - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الغول.. مرة أخرى

نشر فى : الثلاثاء 23 يونيو 2009 - 8:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يونيو 2009 - 8:55 م

 بعد مشاهدتى لفيلم «بوبوس» وجدت بداخلى رغبة ملحة فى إعادة نشر هذا المقال الذى كتبته قبل أكثر من شهرين عن الفنان عادل إمام.. ذلك الغول فى التمثيل الذى خرج فى مراحل من حياته الفنية وفتك بالنمطية بداخله فى بعض الأعمال التى أبهرتنى وفجر من خلالها طاقة إبداعية أكسبته مكانة خاصة.. لكن ذلك الغول المحير اختفى مرة أخرى وجاء «بوبوس» ليؤكد أنه مازال مفقودا.

كم حيرنى هذا النجم الكبير، فبقدر ما كنت أمر مرور الكرام على بعض أدواره وأعماله، التى تندرج تحت مسمى «لايت كوميدى» بقدر ما تدعوك أدوار وأعمال أخرى لتقف أمامها طويلا، تتأمل جمالها وروعة الأداء فيها بفكرها، الذى يتجاوز حقبا زمنية بعينها وكأنها شاهد عيان على واقع ممتد معك، وتلك النوعية بلا شك هى النموذج السينمائى، الذى تعشق مشاهدته رغم أنه يؤلمك، ويزيد من عمق جراحك، لكنه فى الوقت نفسه يطيب بخاطر مشاعرك ويشبع رغبتك ولهفتك فى رؤية الحياة على شريط سينما.

قبل أيام شاهدت فيلم «الغول» الذى أنتج قبل أكثر من ربع قرن على إحدى القنوات الفضائية، ووجدتنى أشاهد ممثلا كبيرا بهرنى بأدائه الهادئ والمعبر فى شخصية عادل الصحفى، ذلك الأداء الذى لم أعهده فى كثير من أدواره، ووجدته يمسك بشخصية قد تبدو بسيطة بحكم كيانها الاجتماعى صحفى يكتب عن أخبار النجوم والفنانين ويجعل منها شخصية ناضجة وطازجة وواعية فى فكرها الاجتماعى، وعلاقته كفرد بالمجتمع بإصراره على ملاحقة «الغول» رجل الأعمال فريد شوقى الذى ينهش فى جسد المجتمع ويستغل كل ثغراته الاقتصادية وفجواته الاجتماعية، التى نشأت فى سنوات الانفتاح، وشعرت معه أننا جميعا يجب أن نلاحقه ونثأر منه مثلما فعل، حتى لو كانت النهاية قاسية مثلما فعل الصحفى وقطع رأس الفاسد بالساطور.

عادل إمام كان غولا هو الآخر، غولا فى الأداء التمثيلى الراقى، الذى فجر من مخزون موهبته مرحلة نضج تاهت بعض الشىء بحكم إغراء الحفاظ على زعامة شباك التذاكر.

نعم «الغول» لم يكن الفيلم الوحيد الذى تفوق فيه عادل إمام وكفر به عن خطايا أدوار أعمال أخرى فى تلك الحقبة، ولكن هناك أدوارا أخرى ظهرت معها جوانب من إبداعه التمثيلى أذكر منها (إحنا بتوع الأتوبيس، اللعب مع الكبار، حتى لا يطير الدخان، طيور الظلام) فقد كشف عادل إمام عبر شخصياته فى تلك الأعمال عورات مجتمع تتلاعب به نظم وسياسيات وأفراد، وغاص فى جراحنا حتى انطلقت ثورة «الآه» المكبوتة بداخلنا، وتلك هى السينما التى أعشقها وأريدها من عادل إمام..

أريده أن يفرج عن الغول بداخله دون أن يمتطى جوادا يزف شعارات وهتافات وانتقادات صارخة ومباشرة، فتلك اللغة «الصوتية» لم تعد تحرك ساكنا مهما كانت جديتها، نسمعها من أذن وتطير من الأذن الأخرى.. فى «الغول» و«حتى لا يطير الدخان» و«إحنا بتوع الأتوبيس» و«المشبوه» و«طيور الظلام»، كانت اللغة مختلفة.. صورة بصرية تخاطب الفكر وتجعلك تعيد قراءة واقعك من جديد وتنهض من سباتك تلهب مشاعرك وتغزل إحساسك بعيدا عن لغة الخطابة، التى اندرج تحتها نجمنا الكبير متأثرا ومستسلما ومنبهرا بما يعرض عليه من أفكار وسيناريوهات.

«الغول» الذى أبغيه لم يكن كامنا فى عادل إمام فقط بل فى نجوم آخرين يملكون أيضا شجاعة الموهبة، فيا ليتهم يفرجون عنها هم أيضا قبل أن تطفئ «نخوة الإبداع» بداخلهم تماما وحينها لا تنفع أى فيتامينات.. الزمن لا يعود إلى الوراء.. أو حسبما قال شاعرنا الكبير نزار قبانى: «لم يعد ممكنا أن أكرر دهشتى وحماستى أرأيت نهرا عاد يوما للوراء».

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات