قبل أن يتبدد الصبر - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل أن يتبدد الصبر

نشر فى : السبت 23 يوليه 2011 - 9:23 ص | آخر تحديث : السبت 23 يوليه 2011 - 9:23 ص

 كشفت حالة الارتباك التى سادت خلال الأيام الأخيرة، وما رافقها من توتر وإحباط فى تشكيل حكومة عصام شرف المعدلة، عن الأزمة الكامنة فى صلب العلاقات التى تربط منذ البداية بين أطراف المعادلة الثورية التى حكمت مصر بعد سقوط النظام السابق، نتيجة لثورة 25 يناير، ولم يمض وقت طويل على مرحلة «الجيش والشعب ايد واحدة» حتى ظهرت علاقات التوتر وسوء الفهم، التى استخدمت فيها حكومة عصام شرف «كعامل مساعد» فى الحد من الاندفاع غير المحسوب لشباب الثورة. وفى ظن المجلس العسكرى أن الشخصية اللينة والسلوك الناعم لأستاذ الجامعة القادم من الشارع سوف يطفئ جذوة الحماس الثورى الذى يتجاوز الواقع فى معظم الأحيان!

معظم الذين شنوا هجوما حادا ضد عصام شرف أخيرا، باعتباره مسئولا عن تعثر مسيرة الثورة، وعن التباطؤ فى حل المشكلة الأمنية، ومحاكمات الوزراء السابقين، وفى عدم تطبيق العدالة الاجتماعية، وتخبط السياسات الاقتصادية وغموض أرقامها.. لم يدركوا تعقيد الموقف وصعوبة الوضع الذى وجد نفسه فيه بين نارين: نار المجلس العسكرى الذى يملك السلطة السياسية والعسكرية، ونار الثورة الشبابية التى أصبحت تحركها قوى أخرى غير القوى التى عرفناها فى الأيام الأولى للثورة ونجحت فى إسقاط الرئيس السابق وأركان نظامه!

تطور الوضع الآن وزادت توقعات الثائرين وخيبة أمل الناس العاديين. واحتدم الجدل بين النخبة حول بديهيات أو خيارات يمكن حسمها. ولكن غياب الرؤية السياسية وعدم وجود مشروع محدد المعالم، يتمسك به المجلس العسكرى ويعمل على تنفيذه، عن طريق تكليفات واضحة للحكومة، لكى تمارس سلطاتها كحكومة انتقالية، يعهد إليها بإزاحة العقبات وتطهير الأرض من الألغام السياسية التى خلفها النظام السابق.. ووضع الأسس الكفيلة بإجراء الانتخابات وكتابة الدستور الجديد، وانتخاب رئيس مدنى للبلاد.. كل ذلك أدى إما إلى نفاد صبر الشباب، أو فتح شهية قوى الهدم والتخريب. ولجأ المجلس العسكرى إلى أسلوب التنازل خطوة خطوة، مع كل مرة تهب فيها رياح الثورة من الميدان. وليس من هدف أمامه غير الانتظار حتى تجرى الانتخابات.

من الأفضل فى هذه المرة أن يحدد المجلس العسكرى خريطة طريق لحكومة عصام شرف. فالحقيقة هى أن حكومة عصام شرف تستمد شرعيتها من تكليفات المجلس العسكرى. ودع عنك حكاية الشرعية المستمدة من الشارع.

فالشارع كما نراه الآن مجموعات متفرقة من ذوى النوايات الطيبة من المتحمسين من شباب الثورة. وقد تحول إلى ائتلافات يصعب حصرها أو الجمع بينها.. وليس لها قيادة يمكن التحاور معها والاتفاق على سياسات يمكن انتهاجها.. تراعى الظروف الداخلية اقتصاديا واجتماعيا، وتراعى الظروف الخارجية والمحاولات المستميتة من قوى كبرى عربية وغير عربية لنزع غطاء الديمقراطية التى ارتضاها الشعب المصرى لنفسه.

ومع ذلك فالحقيقة المؤكدة هى أن المجلس العسكرى مازال هو صمام الأمان الوحيد. ومازال عليه أن يتخلى عن لعبة الصبر والملل، ومازال عليه أن يجيب عن كثير من الأسئلة التى تثير قلق الناس وحيرة الشباب.. وعلى رأسها مشكلة الرئيس السابق. فلا يمكن أن ننتظر قضاء الله فيه قبل محاكمته. وماذا ستفعل برجال العهد البائد من جمال وعلاء وغيرهما؟ وما هو الموقف من كوادر الحزب الوطنى المنحل الذين يملأون أركان الحياة السياسية ويعيثون فيها فسادا، وهل يكتفى بحرمانهم من الحقوق السياسية أم يقدمون إلى المحاكمات؟!

المشكلة ليست مشكلة العسكر وحدهم وما يقتضيه موقفهم أحيانا من إجراءات حازمة أو فصل فى المنازعات والخلافات الناشبة بين القوى السياسية.. وليست فى حكومة عصام شرف الأولى أو الثانية ونقص كثير من الصلاحيات والمعطيات التى يمكن البناء عليها.. ولا فى تفرق التيارات والقوى السياسية وعدم إجماعها على مشروع واحد لعبور الفترة الانتقالية.. ولكنها كل هذه الأسباب مجتمعة، وفى المقدمة منها المسئولية السياسية للمجلس العسكرى.

نريد خريطة طريق يعلن العسكريون الالتزام بها.. وتكليفات محددة تسير عليها حكومة عصام شرف أو غيره.. وتمثيلا قياديا لائتلافات الثورة يمكن التحاور معها!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات