الاقتصاد السياسي للعدوان الإسرائيلي - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد السياسي للعدوان الإسرائيلي

نشر فى : الإثنين 23 أكتوبر 2023 - 6:45 م | آخر تحديث : الإثنين 23 أكتوبر 2023 - 6:45 م
انطلاقا من اعتبارات استراتيجية، جيوسياسية، ديمجرافية واقتصادية ضاغطة؛ اقتضت العقيدة العسكرية الإسرائيلية، ضرورة نقل المعارك إلى أراضى الخصوم، فضلا عن حسم الحروب والعمليات العسكرية، فى أقصر مدى زمنى ممكن.
تتفق جل الدراسات وتقديرات الموقف، التى أجرتها مؤسسات وهيئات اقتصادية شتى، على أن عدوان إسرائيل الحالى على قطاع غزة، سيهوى بدورة اقتصاد الدولة العبرية من آفاق النمو إلى غياهب التباطؤ والركود. إذ تتوقع أن يتكبد خسائر أولية تقدر بسبعة مليارات دولار، وهى الأفدح منذ تأسيس دولة الاحتلال عام 1948. فبحسب تقرير لموقع «غلوبس»، سيفضى العدوان إلى إغلاق قطاعات اقتصادية حيوية، تحويل قوى عاملة من ميادين العمل والإنتاج إلى صفوف الجيش، تفاقم الإنفاق الدفاعى، إغلاق العديد من الشركات والمناطق لأجل غير مسمى، انكماش السياحة وتعطل حركة الطيران، وهروب الاستثمارات الأجنبية.
وهى التطورات التى ستقود إلى انخفاض العرض، ارتفاع الأسعار على المدى القصير، تنامى أسعار المحروقات، وتعاظم كلفة العمليات العسكرية.
وفق تنبؤات أولية، يتوقع بنك «هبو عليم» أن تتخطى كلفة الحرب الدائرة فى غزة، سبعة مليارات دولار، تمثل 1.5% من الناتج المحلى الإجمالى الإسرائيلى. هذا، فى حين قُدر معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى، تكاليف حرب لبنان عام 2006، التى استمرت 34 يوما، بنحو 2.4 مليار دولار، شكلت 1.3% من الناتج المحلى الإجمالى. بينما بلغت تكلفة العدوان على غزة عام 2008 حوالى 835 مليون دولار. فيما تسببت حرب الخمسين يوما على قطاع غزة عام 2014، فى أضرار بمقدار 880 مليون دولار، تعادل 0.3% من الناتج المحلى الإجمالى.
على وقع عملية  «طوفان الأقصى»،  التى نفذتها حركة حماس،  فى السابع من الشهر الجارى، وما استتبعته من عدوان إسرائيلى غاشم على قطاع غزة، أوقفت عديد شركات عالمية بعض أنشطتها فى إسرائيل. وتزامنا مع تأهب الجيش الإسرائيلى لشن هجوم برى على القطاع، تم إغلاق ميناء عسقلان ومنشأة النفط التابعة له. كذلك، تعرض قطاع السياحة والطيران لضرر هائل، إثر إلغاء حجوزات الفنادق والرحلات السياحية. فبعد قصف المقاومة لمطار بن غوريون فى تل أبيب، توقف نشاطه، بشكل كبير، وعلقت معظم شركات الطيران العالمية خدماتها؛ خصوصا بعد التحذير الذى أصدرته هيئة الطيران الفيدرالية، جراء الحرب الدائرة. ومن شأن تلك الخسائر، توجيه صفعة مدوية لقطاع اقتصادى محورى، ناهزت عائداته 3.4 مليار دولار، بعدما وفد 2.67 مليون سائح على البلاد عام 2022، مقارنة بـ397 ألفا عام 2021.
بشكل حاد، انخفض سعر صرف «الشيكل»، بعدما قفز سعر الدولار أكثر من 2%، ليسجل 3.93 «شيكل»، ويلامس أعلى مستوى له منذ فبراير 2016. وذلك على الرغم من إعلان «بنك إسرائيل» عن بيع ما قيمته 30 مليار دولار من العملات الأجنبية، فى محاولة لكبح جماح التراجع فى قيمة العملة، وتوفير السيولة اللازمة لتيسير واستدامة تعاملات الأسواق. ولا ريب فى أن تراجع «الشيكل» أمام العملات الأجنبية، سيزيد وتيرة ارتفاع أسعار السلع المستوردة، ما يستتبع نقصا حادا فى المواد التموينية والمنتجات الغذائية، ويخلف شللا مفجعا فى شبكات التسوق.
وعلى صعيد أسواق المال، تعرضت بورصة تل أبيب لخسائر تجاوزت 6%؛ على خلفية انخفاض مؤشريها الرئيسيين؛ كما تراجعت أسعار الأسهم والسندات الحكومية بنسبة تصل إلى 3%، وسط عمليات بيع واسعة لها.
لما كان الاقتصاد الإسرائيلى، يعتمد، إلى حد بعيد، على التصنيع وتطوير التكنولوجيا المتقدمة، فيما تمتلك معظم كبريات شركات التكنولوجيا الأمريكية مكاتب إنتاج ومراكز أبحاث وتطوير مهمة داخل إسرائيل؛ فقد وجهت أحداث غزة ضربة موجعة لهذين القطاعين. بموازاة ذلك، تضررت المصانع التى تضم عمالة فلسطينية، إثر تعطل إنتاجيتها. ولقد تأثر قطاع التصنيع سلبا، على المديين القريب والمتوسط؛ لاسيما وأن نحو 18% من الناتج الصناعى الإسرائيلى يأتى من عسقلان، فيما يأتى نحو 25% من بئر السبع، وهما منطقتان تتعرضان لقصف مباشر وشبه متواصل من لدن المقاومة الفلسطينية.
يتملك الإسرائيليون هلعا من امتداد التداعيات السلبية للعدوان على غزة، لتطال قطاع الغاز؛ بجريرة استهداف بنيته التحتية، سواء خطوط الأنابيب أو الحقول والمحطات. فإبان هجمات عدائية سابقة، كان أحدثها معركة «سيف القدس» فى مايو 2021، تعرض حقل «تمار» لعمليات استهداف عطلته لعدة أيام. وتثير الحرب الراهنة على غزة تساؤلات حول مصير صفقات بمليارات الدولارات فى مجال الطاقة. ما من شأنه إلحاق الضرر بأحد أهم القطاعات الاقتصادية. إذ بلغت صادرات إسرائيل من الغاز نحو 9.21 مليار متر مكعب عام 2022. فبينما أوقفت وزارة الطاقة الإسرائيلية توريد الغاز من حقل «تمار»، أعلنت شركة «شيفرون» الأمريكية إغلاق  الحقل، وتعليق تصدير الغاز عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط (إى إم جى) البحرى بين إسرائيل ومصر. الأمر الذى قد يحرم قطاع الطاقة والغاز من مئات ملايين الدولارات أسبوعيا، حسب تقديرات إسرائيلية.
من منظور آخر، سيؤدى العدوان إلى إبطاء وتيرة الاستثمارات فى حقول الغاز، كما ستضر بجهود إسرائيل لجذب المزيد من شركات الطاقة العالمية للتنقيب عن الغاز. وقدرت صحيفة «ماركر» أن الحرب على غزة تُعرّض استثمارات الغاز الطبيعى فى إسرائيل للخطر. وتوقعت أن تقوض تلك الحرب طموحات إسرائيل فى أن تصبح مركزا لتصدير الغاز الطبيعى إلى أوروبا وأسواق أخرى.
فى ظل تصاعد الأخطار التى تلاحق قطاع النقل الجوى والبحرى، تحاصر تحديات جمة مشاركة إسرائيل فى مشروع الممر الاقتصادى اللوجيستى، الذى يربط بين الهند، الشرق الأوسط وأوروبا. حيث يتخوف أصحاب المشروع، الذى تم توقيع مذكرة تفاهم بشأنه خلال قمة العشرين بنيودلهى فى شهر سبتمبر الماضى، من احتمالات تعرض الشق الإسرائيلى منه للاستهداف أو التخريب.
لا يستبعد خبراء أن يفضى الاتساع التدريجى لنطاق الحرب، وطول أمدها، إلى إجبار إسرائيل على إعادة النظر فى موازنة عام 2024؛ فى ظل تنامى احتمالات انحسار الإيرادات وتفاقم الإنفاق جراء الركود، والانخفاض المتوقع فى الاستهلاك. وهو الأمر الذى بدت مؤشراته تلوح فى الأفق، مع إجراء وزير المالية الإسرائيلى تقييما أوليا مع كبار المسئولين فى الوزارة يوم 8 أكتوبر الجارى. وهو التقييم الذى تضمن مناقشات حول إدارة ميزانية الدفاع، وآليات تعويض المصابين والمتضررين، واحتياجات مختلف قطاعات الاقتصاد أثناء القتال.
بحسابات الاقتصاد الكلى، تهدد الحرب الحالية الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين بأضرار، لم تشهدها الدولة العبرية منذ حرب أكتوبر 1973، بما ينذر بانخفاض الناتج المحلى الإجمالى بالتبعية، وارتفاع حدة المخاطر الاقتصادية، فى ظل اتساع العجز المالى شهريا، بما يضع حكومة نتنياهو أمام وضع اقتصادى كارثى، لا يترك لها أى مجال للمرونة المالية، خاصةً إذا طال أمد الحرب، أو اتسع نطاقها. فى حين نما الاقتصاد الإسرائيلى بأكثر من 15%، خلال الفترة من 2022، إلى 2021، بمتوسط معدل 7.5% سنويا؛ يتراجع هذه الأيام، معدل النمو إلى 3%. وبينما كان البنك المركزى الإسرائيلى يتوقع نموا بنسبة 3% عامى 2023 و2024، تلقى أصداء الأزمة الراهنة بظلال من الشك حول صدقية هكذا توقع.
تأسيسا على ما ذكر آنفا، لم تتورع مؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتمانى، عن وضع تصنيف إسرائيل الحالى، وهو (+A مع نظرة مستقبلية مستقرة)، تحت المراقبة السلبية، ما يؤشر لإمكانية تخفيض تصنيفها الائتمانى. وهو الإجراء، الذى، إن تم بالفعل، سيفاقم، لا محالة، أزمات حكومة نتنياهو، اليمينية المتطرفة. كونه يعرى سوءات الاقتصاد المضطرب، مثلما يغذى أجواء التوتر السياسى المتصاعد، ويؤجج عواصف الغضب الشعبى المتنامى.
التعليقات