ديودوني : الفنان الذي منع في فرنسا وحرية التعبير - وليد عباس - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 5:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ديودوني : الفنان الذي منع في فرنسا وحرية التعبير

نشر فى : الجمعة 24 يناير 2014 - 2:10 م | آخر تحديث : الجمعة 24 يناير 2014 - 2:32 م

"ديودوني" الكوميدي الفرنسي يثير حوله ضجة وجدلا كبيرين في فرنسا بعد إصدار القضاء الإداري في عدد من المدن الفرنسية أحكامًا بمنع عرضه الكوميدي بدعوى أنه يمكن أن يكدر الأمن العام، وهي حملة حقيقية يقف ورائها وزير الداخلية الاشتراكي "مانويل فالس" بسبب الدعوات «المعادية للسامية» التي تتضمنها العروض الكوميدية لـ"ديودوني"، وأصبح الأمر قضية رأي عام بين من يرفضون الدعاوى «العنصرية» و«المعادية للسامية» ومن يدافعون عن حرية التعبير.

من هو "ديودوني"؟

تكمن المفارقة في أن الكوميدي الفرنسي كان ينتمي إلى اليسار حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي وأنه بدأ عروضه الكوميدي كثنائي مع صديق طفولته الكوميدي "إيلي سيمون"، حيث قدما عروضا تسخر بقوة من التمييز الديني والعرقي وتنتقد الأديان عمومًا، وذهب حتى ترشيح نفسه في الانتخابات المحلية عام 1997 في مدينة "درو" أحد معاقل حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف ضد مرشحي هذا الحزب.

منذ العام 2000، توجه "ديودوني" لانتقاد التاريخ الكولونيالي لفرنسا وتجارة الرقيق وظهرت تلميحات تستهدف الرجل الأبيض المستعمر وشملت مواقفه ضحايا الكولونيالية عمومًا في المغرب العربي، كما تضامن مع الفلسطينيين ضد دولة إسرائيل والصهيونية مع تلميحات ساخرة تستهدف اليهود عمومًا، وبدأ النقاد والمحللون السياسيون يتحدثون عنه كمعاد للسامية سواء في تصريحاته أو في عروضه الكوميدية، كما بدأ "ديودوني" يقترب من حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف بعد أن كان قد حاربه في مرحلة سابقة، واستضاف على خشبة المسرح في أحد عروضه المؤرخ "روبير فوريسون" الذي كرس كتاباته لإنكار محرقة اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، وأعلن تأييده للإسلام السياسي و"حزب الله" اللبناني والنظام الإيراني حتى أنه قدم عرضًا يحمل اسم "محمود"، في إشارة إلى الرئيس الإيراني السابق "محمود أحمدي نجاد" الذي ارتبط معه بعلاقة صداقة. تعرض "ديودوني" لعدة شكاوى قضائية بتهمة «معاداة السامية» وتمت إدانته في عدد منها، ومنعت عروض له في بلجيكا وسويسرا للسبب ذاته.

وفي عام 2009، أعلن "ديودوني" عن ترشيح نفسه للانتخابات الأوروبية على رأس قائمة معادية للصهيونية ضمت شخصيات فرنسية شيعية مؤيدة لإيران وشخصيات قريبة من اليمين المتطرف، وشن هجومًا قويًا على ما وصفه بالصهيونية التي تهيمن على المجتمع الفرنسي وتشعل الحروب في مختلف أرجاء العالم، إلا أن هذه القائمة واجهت إدانة شديدة، ليس فقط من جانب الأحزاب السياسية التقليدية بل ومن جانب منظمات أقصى اليسار والمنظمات المدافعة عن القضية الفلسطينية، معتبرين أن مواقف الكوميدي الفرنسي معادية للسامية وتضعه في خندق اليمين المتطرف.

الكوميدي وجمهوره!

أنكر الكوميدي الفرنسي، دوما، أن يكون معاديًا للسامية، ويصف نفسه بأنه معادٍ لتشكل التجمعات العرقية، الصهيونية، الأديان والنظام القائم عمومًا، معتبرًا أنه ينتمي لليسار الحقيقي، وينتبه دومًا في عروضه إلى الحفاظ على توازن دقيق لا يضعه خارج القانون مكتفيًا بتلميحات قوية لمواقفه دون التصريح بها بصورة محددة، ومؤكدًا على تمسكه القوي بحرية التعبير.

يتمتع الكوميدي الفرنسي بجمهور لا بأس به، ويجمع في إطاره فئات متنوعة للغاية، إن لم نقل متناقضة بدءًا من شباب الطبقات الفقيرة الذين لم يحصلوا على قدر كاف من التعليم وأبناء المهاجرين من سكان الضواحي ومرورا ببعض فئات اليسار المتطرف ومجموعات من الإسلاميين وانتهاء بحليقي الرؤوس، أكثر فئات اليمين المتطرف تشددا. صفة واحدة تجمع كل هذه الفئات هي أنهم على هامش النظام سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي.

يمكن القول إن مواقف فئات هامة من أقصى اليسار ومن يسمونهم بالمدافعين عن العالم الثالث في فرنسا، والتي تضامنت تاريخيا مع ضحايا الكولونيالية في المستعمرات والقضية الفلسطينية، تطورت على مدى السنين لتشوبها معاداة للمجتمع (الأبيض) الغربي وليس للنظام الكولونيالي، ولليهود وليس دولة إسرائيل أو الصهيونية فقط.

كما أن مجموعات من اليمين المتطرف تبنت مفاهيم قومية شوفينية ترفض التقسيم السياسي على أساس اليسار واليمين وتسمي نفسها "الطريق الثالث" تتبنى زعماء قوميين مثل الزعيم جمال عبد الناصر أو زعماء الإسلام السياسي، باعتبار أنها تيارات ترفض خلط الأعراق والجنسيات المختلفة وتعمل على الحفاظ على (نقاء) كل أمة، أضف إلى ذلك بعض فئات الفرنسيين السود من أبناء الجزر الذين طوروا مفاهيم خاصة بهم لـ"الزنوجة" تذهب حتى مواقف عنصرية ضد الرجل الأبيض.

يمكن القول أن "ديودوني" يجد جمهوره في هذه المجموعات المتنوعة إلى جانب عدد لا بأس به من أبناء الطبقات الفقيرة والعاطلين عن العمل والمهمشين اجتماعيًا.

فنان ملتزم أم رجل أعمال

كان السبب المعلن لانفصال "ديودوني" عن صديق طفولته وشريكه في بداية مشواره الفني "إيلي سيمون" خلافًا مالًيا بسبب شكاوى "سيمون" المستمرة من أن صديقه الذي تولى إدارة الشئون المالية لعملهما الفني كان يقتطع الكثير من نصيبه. أنشأ شركة "بوني" للإنتاج الفني عام 1993 واستأجر مسرح "اليد الذهبية" في باريس، حيث يقدم عروضه منذ نهاية الستينات وتتولى إدارة المسرح شركة "الريشة" التي تديرها رفيقته "نوامي مونتنين"، ويقوم بتسويق عدد هائل من المنتجات التذكارية المرتبطة بعروضه وبشخصه كنجم كوميدي، ويدير كل الشئون المالية لإنتاجه الفني بدقة شديدة وبيد من حديد بالرغم من أنه لا يمتلك، رسميًا، أي عقارات أو شركات، وهو يقيم في منزل اشترته رفيقته "نوامي مونتنين" قبل عام واحد بأكثر من نصف مليون يورو، ولكن التحقيقات أثبتت أنه هو من سدد المبلغ.

نيابة باريس بدأت تحقيقًا في شبهات مالية متعددة تحوم حول "ديودوني" الذي يتراكم عليه مبلغ يتجاوز 800 ألف يورو للضرائب، وتشمل الشبهات تبييض الأموال وتنظيم احتيالي للإعسار المالي وإساءة إدارة أصول الشركات.

حرية التعبير أم مكافحة العنصرية و«معاداة السامية»

أثارت الأحكام القضائية بمنع عروض "ديودوني" في عدد من المدن الفرنسية بناء على شكاوى من هيئات الدولة (محافظات الأقاليم) وبمبادرة من وزير الداخلية "مانويل فالس" جدلا قويًا في فرنسا، حيث يرى الكثير من المثقفين ـ وأغلبهم ممن يرفضون الكوميدي ويعتبرونه مناصر لليمين المتطرف ومعاد للسامية ـ أنها تشكل اعتداء صارخًا على حرية التعبير، بالرغم من رفضهم لمواقفه، بينما يرى آخرون، ومنهم منظمات مكافحة العنصرية ومعاداة السامية، أنه يبث دعوات للكراهية والتفرقة العنصرية وأصبح بذلك خارجا على القانون وينبغي منعه من الاستمرار في تقديم عروض تحرض ضد فئات في المجتمع بسبب انتمائها الديني.

يبقى أن القيمة الراسخة والتقليد التاريخي في فرنسا، سواء على مستوى كبار المثقفين أو على مستوى رجل الشارع البسيط، يرفض ويكره بشدة أية محاولات للمنع والمساس بحرية التعبير.

"ديودوني" الوضع العائلي:

ـ ولد في 11 فبراير 1966 في الضاحية الباريسية "فونتيني أو روز" من أب كاميروني وأم فرنسية.

ـ يعيش مع المنتجة الفرنسية "نوامي مونتنين" من مواليد مدينة "بوردو" 15 فبراير 1976، وأنجب منها 4 أطفال، وله 3 أطفال من زوجة سابقة.

"ديودوني"

"ديودوني" يحيي "جان ماري لوبن" مؤسس حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف


"ديودوني" مع الرئيس الإيراني السابق "محمود أحمدي نجاد"

 

الملصق الانتخابي لقائمة "ضد الصهيونية" في الانتخابات الأوروبية عام 2009

التعليقات