من قانون الحريات النقابية إلى قانون النقابات بدون حريات - تامر موافي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من قانون الحريات النقابية إلى قانون النقابات بدون حريات

نشر فى : الأحد 25 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 25 مارس 2012 - 9:05 ص

هل يتذكر أحدكم قانون الحريات النقابية؟ هذا القانون الذى لم يتوقف الدكتور أحمد البرعى وزير القوى العاملة فى وزارة عصام شرف عن الحديث عنه طوال فترة توليه للوزارة والذى صرح فى 14 أغسطس 2011 أنه سيصدر بمرسوم عن المجلس العسكرى خلال أسبوع، بعدما أقرته اللجنة التشريعية فى مجلس الوزراء. هذا بالطبع لم يحدث. القانون لم يصدر لا خلال أسبوع ولا فى خلال أكثر من ستة أشهر مرت بعد تصريح الوزير.

 

السبب كما ادعت مصادر رفضت ذكر أسمائها نقل عنها موقع جريدة المصرى اليوم بتاريخ 21 فبراير هذا العام؛ أن المجلس العسكرى أجل إعلان القانون «خوفا من حدوث قلاقل من جانب فلول الحزب الوطنى المنحل، الذين بعثوا برسائل تهديد إلى المجلس العسكرى بتفجير مشكلات كبرى، فى حال موافقة المجلس»!

 

●●●

 

دعنا نفتح قوسا ونتوقف لدقيقة هنا أمام هذا الادعاء. المجلس العسكرى تلقى رسائل تهديد! مصدر الرسائل معروف وهو أعضاء سابقون فى الحزب الوطنى المنحل وإذا ما تصورنا أنهم لم يوقعوا هذه الرسائل بأسمائهم فمن السهل تحديدها لأن أعضاء هذا الحزب ذوى المصلحة فى عدم تمرير القانون يمكن بسهولة حصرهم. السؤال هو لماذا لم يتم تقديم هؤلاء للمحاكمة؟ أعنى أن ابتزاز جهة سيادية والتهديد بزعزعة أمن الوطن واستقراره والإضرار بمصالحه الاقتصادية إلخ هى حسب علمى جرائم يعاقب عليها القانون. الأهم أن مثل هذه الجرائم يتهم بها كثير من معارضى المجلس العسكرى ولا يكون ثمة دليل أكثر من تأويل تصريح فى برنامج تليفزيونى أو حتى رسالة قصيرة على مواقع التواصل الإجتماعى على شبكة المعلومات ومع ذلك فإن الاتهامات تعد من الخطورة بحيث تقبل النيابة العامة ونيابة أمن الدولة والنيابة العسكرية بهمة على دراستها! فى حالتنا هذه وإن ثبتت صحة إدعاء المصادر المجهولة فإن التهديد كان صريحا وموثقا برسائل وصلت فعلا للمجلس العسكرى، الذى بدلا من تعقب من أرسلها وتقديمه للقضاء آثر الانصياع للتهديد وتأجيل إصدار القانون!

 

على أية حال. الآن وقد أصبح لنا مجلس تشريعى فقد انتقل قانون الحريات النقابية من أدراج المجلس العسكرى إلى لجنة الشكاوى بمجلس الشعب تمهيدا لمناقشته وإقراره. يبدو هذا أمرا مبشرا، أليس كذلك؟ حسنا، لا ينبغى تعجل التفاؤل فمع تجدد إحتمال تمرير القانون تجدد اللغط حوله فى أروقة اتحاد عمال مصر فبعض أعضاء الاتحاد كما تقول المصرى اليوم فى نفس التقرير المشار إليه سابقا يؤيدون القانون الجديد الذى اقترحه أحمد البرعى فيما يفضل آخرون استمرار القانون القديم وإدخال فقط بعض التعديلات عليه. هذه التعديلات «ستكون فى إطار الحريات النقابية وليست التعددية التى تستهدف تفتيت الحركة النقابية وتشتيت العمال والتى يتضمنها قانون الحريات النقابية الذى أعده الدكتور أحمد البرعى وزير القوى العاملة والهجرة السابق» كما يقول جبالى محمد جبالى نائب رئيس الاتحاد فى تصريحات خاصة لليوم السابع نقلها موقع الاتحاد الرسمى عن الجريدة فى 13 يناير 2012.

 

اليوم هناك ثلاث مشروعات بقوانين فى أروقة مجلس الشعب للنقابات العمالية، أحدها والأقرب للتمرير هو بالطبع المشروع الذى يطرحه أعضاء حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وصاحب الأكثرية فى المجلس. هذا المشروع يحظر على العمال تكوين أكثر من كيان نقابى داخل منشأة واحدة، ويكون من حق اللجنة النقابية (الوحيدة) فى أى منشأة أن تقرر كل أربعة أعوام على الأقل الانضمام إلى اتحاد العمال الذى تختاره. بخلاف ذلك فإن أى نقابة أو لجنة نقابية إضافية قائمة حاليا ستنحل تلقائيا بموجب القانون ويتم مصادرة أصولها مع حقها فى الطعن قضائيا.

 

●●●

 

دعنا الآن نحاول ربط هذه التطورات المختلفة بعضها ببعض. قانون الحريات النقابية الذى طرحه البرعى كان جوهره الأساسى هو التعددية النقابية. هذه التعددية لم تكن من بنات أفكار الرجل الذى قد نختلف معه كثيرا فى أمور أخرى ولكننا سنتفق على أن تضمينه للتعددية النقابية فى القانون كان إلتزاما بمبادئ العمل النقابى كما تقرها منظمة العمل الدولية والتى تضع مصر على قائمتها السوداء منذ سنوات تحديدا لأن قوانينها تتناقض مع الحق الطبيعى للعمال فى اختيار الاتحاد النقابى الذى ينضمون إليه. هذه الحرية فى الاختيار هى تحديدا ما يقاتل ضده فلول الحزب الوطنى المنحل وممثلوهم فى اتحاد عمال مصر (الأصفر). فأحادية التمثيل النقابى للعمال تضمن إبقاءهم تحت سيطرة الدولة (أكبر صاحب عمل فى مصر حتى الآن) وتحت سيطرة رجال الأعمال الذين تقتضى مصالحهم ألا يكون ثمة تنافس بين اتحادات عمال مختلفة على تحقيق مصالح العمال التى سيضطرون حينها إلى دفع مقابلها خصما من أرباحهم. عندما لا يكون هناك إلا اتحاد عمال واحد فليس أمام العمال إلا الانضمام إليه حتى وإن لم يدافع عن حقوقهم وهذا تحديدا حال اتحاد عمال مصر طوال عقود كان خلالها خاضعا للسيطرة الكاملة للدولة وحزبها الحاكم ومتواطئا معهما ومع رجال الأعمال ضد مصالح من يفترض به تمثيلهم ومن هنا يأتى توصيفه بالأصفر.

 

سواء كان الإدعاء بإذعان المجلس العسكرى للتهديد المباشر صحيحا أم لا فإن الحقيقة هى أن المجلس لم يجرؤ عمليا على تمرير القانون الذى رفضه الفلول وترك المهمة لمجلس الشعب. أما هذا المجلس الذى يفترض أنه يمثل مصالح الشعب فإن أكثريته يمثل مصالح العمال فيها أعضاء حاليون فى اتحاد عمال مصر! وهم اليوم يسعون لتمرير قانون يضرب عمليا كل المكاسب التى إنتزعها عمال مصر من خلال كفاحهم قبل ثورة 25 يناير وبعدها وتلخصت هذه المكاسب فى إنشاء نقاباتهم المستقلة عن الاتحاد الخاضع للدولة والتى يضمها اليوم اتحاد عمال مصر المستقل ويمثل أكثر من مليونى عامل مصرى. هؤلاء العمال سيفقد معظمهم نقاباته المستقلة الوليدة إذ يقضى القانون بحلها أو سيكون عليهم خوض صراع قانونى فى أروقة قضائنا المزدحمة قد يطول سنين. وفى أثناء ذلك كله لن يكون متوقعا أن يرتضى العمال ذلك دون معركة على الأرض فهم لم يستسلموا سابقا فى ظل القانون القديم ولا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد بأنهم سيستسلمون فى ظل قانون جديد لا يقدم سوى تعديلات هامشية وشكلية. أضف إلى ذلك أن إضرابات العمال واعتصاماتهم لم تتوقف يوما منذ ما قبل الثورة وإنما هى تتصاعد فلم يفلح قانون تجريم الاعتصامات فى ترويعهم ولم يفلح فى ذلك مطاردتهم بفصل قياداتهم أو اعتقالهم ومحاكمتهم عسكريا وهى أمور مازالت تحدث حتى اليوم رغم أن القانون يفترض به أن يوقف العمل به مع رفع حالة الطوارئ التى لا نعرف يقينا إن كانت رفعت أم لا.

 

●●●

 

ما كان يفترض بقانون جديد للنقابات العمالية أن يوفره هو تحديدا فتح الباب لأن يكون للعمال ممثليهم الشرعيين الذين إختاروهم بإرادة حرة، ويكون بإمكان هؤلاء الممثلين أن يدخلوا فى تفاوض حقيقى مع الدولة وأصحاب العمل بهدف حل مئات المشكلات التى تدفع بالعمال إلى الإضراب والاعتصام فى كل مكان فى مصر الآن. باختصار المفترض أن يكون القانون المنتظر عاملا على تحقيق استقرار أكبر على جبهة حقوق العمال المشتعلة فى مصر. ولكن الواضح أن من يمكنه الضغط لتمرير مصالحهم سواء على المجلس العسكرى وحكوماته أو حتى على أعضاء الأكثرية فى مجلس الشعب له رأى آخر فيما يعنيه الاستقرار على هذه الجبهة. بشكل واضح الاستقرار فى عرف هؤلاء هو استقرار واستمرار أرباحهم فى التدفق إلى جيوبهم المتخمة. أما (القلاقل) الحقيقية التى سيتسبب فيها تمرير قانون كهذا فهى لا تعنيهم ويتوقعون لحذاء السلطة القمعى وسيفها القضائى أن يتعاملان معها على حساب حقوق البسطاء فى أجور عادلة ووظائف آمنة.

تامر موافي مدون مصرى
التعليقات