عمتى فتافيت السكر هانم - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 4:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عمتى فتافيت السكر هانم

نشر فى : الأحد 24 مايو 2015 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأحد 24 مايو 2015 - 9:05 ص

ترجع السجلات الرسمية للهجرة بالبرازيل أول وجود عربى على أراضيها إلى العام 1835، حين وصل الأخوان زكريا إلى مدينة ريو دى جانيرو قادمين من بيروت، تلتهما عائلة كاملة لبنانية فى السابع من أبريل 1837 استقرت فى ساو باولو، ثم مجموعة أخرى سورية بعدها بسنوات فى 1878. وعلى هذا النحو تعاقبت الهجرات العربية إلى البرازيل وأمريكا الجنوبية عموما، منذ القرن التاسع عشر، بسبب الأزمة الاقتصادية التى عانت منها الدول الخاضعة للإمبراطورية التركية أو لرفض مسيحيى الشرق الانخراط فى الجيش العثمانى أو لاندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية فى مرحلة لاحقة، وما استتبعهما من إعادة تقسيم جيوسياسية كانت فلسطين إحدى أهم ضحاياها.. ثم كانت الحرب الأهلية اللبنانية فتوافد العديد من أبناء البلد طلبا للرزق والاستقرار حتى تجاوز عددهم فى البرازيل وحدها الثمانية ملايين.

•••

فى الواقع الشىء بالشىء يذكر، فنحن على أعتاب قمة رابعة لدول أمريكا الجنوبية والدول العربية (الأسبا) مقرر لها أن تعقد هذا العام فى الرياض، ويمهد لها اجتماع فى القاهرة يومى 15 و16 يونيو القادمين، بحضور ممثلين عن أعضاء جامعة الدول العربية الاثنين والعشرين وعن اتحاد دول أمريكا الجنوبية (الأوناسور) البالغ عددهم 12. وإذا كانت «الأسبا» قد ظهرت بناء على مبادرة من الرئيس البرازيلى السابق لولا دا سيلفا بعد زيارته للمنطقة العربية فى 2003 (تحديدا مصر وسوريا ولبنان وليبيا والإمارات)، إلا أن العلاقات ونقاط التشابه بين العرب وأمريكا الجنوبية كثيرة. لذا طرأت على بالى فكرة الهجرة العربية هناك، وحكايات آلاف المواطنين خاصة ذوى الأصول اللبنانية والسورية والفلسطينية الذين عاشوا فى أمريكا الجنوبية وتاجروا وحقق بعضهم ثروات ضخمة، فكانت النكات والطرائف الشائعة لدينا عن العم القادم من البرازيل بعد أن أصبح مليونيرا أو عن «فتافيت السكر هانم» التى تزوجت فى أمريكا اللاتينية وورثت مالا طائلا قبل عودتها إلى مصر.. وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن اختيار اسم بطلة الفيلم العربى جاء دقيقا للغاية، فالعديد من أولاد العرب اغتنوا بسبب زراعة وتجارة قصب السكر والبن والموز.

•••

وصل هؤلاء عبر السواحل الطويلة، ورست بهم المراكب فى الجزء الجنوبى من القارة الحلم، فوجدوا هناك مجتمعا قريبا منهم بسبب تأثيرات الثقافة العربية ــ الأندلسية التى نقلها البرتغاليون والإسبان، واستقروا وأخذ بعضهم يجوب البلاد حاملا شنطة البضاعة من مدينة إلى قرية، من كولومبيا إلى البرازيل. ويقال إنه رغم عدم وجود أرقام دقيقة فيما يتعلق بالوجود العربى فى هذه الرقعة الواسعة فإن حجم التأثير كبير، حتى يتردد فى فنزويلا مثلا أنه بين كل عشرين مواطنا هناك شخص تسيل فى عروقه دماء عربية، وبين كل سبع كلمات هناك كلمة من أصل عربى، وأن أربعة أفراد من خمسة يذكرون القدس فى عباداتهم، وواحد إلى سبعين يتوجه إلى الكعبة خلال الصلاة. لذا جاءت المواقف المتفهمة حيال القضية الفلسطينية وكان من اللافت أيضا عند انعقاد أول قمة للأسبا ــ فى برازيليا فى العاشر من مايو 2005 ــ رفع علم فلسطين أمام فندق «بلو ترى» حيث اجتمعت الوفود. كما دعا الإعلان الختامى للقمة إلى تطبيق نظام تجارى متوازن حول العالم وإلى تحقيق السلام العادل والدائم فى الشرق الأوسط.

•••

العرب يجنحون أحيانا بحكم الظروف إلى تغليب السياسة خلال اجتماعات وقمم «الأسبا»، خاصة عبر البيانات الختامية، وكأننا بصدد كيان دولى بديل يقوم على التعاون بين دول الجنوب التى تمتلك أكثر من نصف ثروات العالم الطبيعية، وهو ما يستثير الولايات المتحدة الأمريكية، التى أعربت عن امتعاضها بوضوح من خلال تسريبات الويكيليكس وجاء على لسان بعض مسئوليها انتقاد لسياسات البرازيل فى المنطقة وتدخلها عن غير فهم فى شئون الشرق الأوسط. أما دول أمريكا الجنوبية فالاقتصاد هو ما يتصدر أجندتها، إذ تولى أولوية واضحة للتبادل التجارى مع نظيراتها العربية وتهتم بفتح أسواق جديدة، حتى وصل حجم التبادل التجارى بين المنطقتين إلى 30 بليون دولار قبيل انعقاد قمة الأسبا الثانية فى الدوحة عام 2009، فأمريكا اللاتينية غنية بالمحاصيل والمنتجات الزراعية بينما تستورد دول الخليج العربى 90% من احتياجاتها للغذاء. فى حين تستطيع هذه الأخيرة تمويل ما تحتاجه دول الأوناسور فى مجالات الاستثمار والبنية التحتية.

•••

نجاحات العرب فى دول أمريكا الجنوبية تختلط بتاريخ المنطقة الاستعمارى وبواقع أمريكا اللاتينية التى ظلت معظم دولها تحت نير حكومات استبدادية حتى ثمانينيات القرن الفائت. استغرق الأمر نحو عشرين سنة لكى تستيقظ وتحقق تنمية اقتصادية، ما يشكل أملا فى عيون وقلوب سكان العالم العربى الذين انتفض معظمهم ليأتوا بربيع دامٍ حتى الآن، لكن يظل هناك بصيص أمل، ويظل حلم فتافيت السكر هانم يراودنا.

التعليقات