جائزة مستحقة - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جائزة مستحقة

نشر فى : الجمعة 24 يونيو 2022 - 9:05 م | آخر تحديث : الجمعة 24 يونيو 2022 - 9:05 م
حصل الأستاذ الكبير جميل بجريدة «الشروق» على جائزة مصطفى وعلى أمين الأحد ١٩ يونيو ٢٠٢٢م، وهى تقدم لأفضل عمود صحفى، بالطبع جاءت الجائزة متأخرة ولكن كما يقول المثل «أن تأتى متأخرا أفضل من ألا تأتى أبدا».
تعرفت على الأستاذ جميل مطر منذ تسعينيات القرن الماضى فى أحد مؤتمرات الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية والتى أسسها د.صموئيل حبيب فى الخمسينيات من القرن الماضى والذى كانت له رؤية اجتماعية وثقافية بجانب رؤيته الدينية التى يحتضن من خلالها كل مثقف وعالم مهما كانت مرجعيته، وأسس بها فى بداية التسعينيات «منتدى حوار الثقافات»، وقد بدأ هذا الحوار بقوة واتساع أفق وأسسه على كبار مثقفى مصر فى ذلك الوقت مع أقلية من الشباب المثقف الواعد فى جميع المجالات، فلأول مرة تلتقى معا قامات السياسة والثقافة المصرية، بل والعربية والعالمية، وهناك فى مثل هذه الأجواء تعرفت على الأستاذ جميل مطر، وبدأت صداقة إنسانية متميزة، وشيئا فشيئا اقتربنا من بعضنا البعض، وعندما قررت دار الشروق وهى أكبر دار للنشر فى مصر والشرق الأوسط أسسها محمد المعلم وابنه إبراهيم المعلم، أن تصدر صحيفة يومية، كان الأستاذ جميل مطر هو المسئول عن صفحات الرأى، ولقد كان جميل مطر ومازال الإنسان المثقف المتجدد الحديث الصامت الذى يعمل بجد واجتهاد بلا ضجيج، ومن أول يوم لهذه الصحيفة وضح أنها قد بنيت على احترام الفكر وعمقه وعلى الرغم من أن صحفا أخرى كثيرة وعميقة كانت لها شعبية ضخمة وانتشار ملحوظ، إلا أن جريدة الشروق وخاصة صفحات الرأى وضح أن لها تواجدا وتوجها خاصا وشخصية متميزة فلم تنحُ نحو الإبهار والإعلان بدون مضمون، لكن ركزت على المضمون، وقد راهن جميل مطر على كتاب جدد وكسب الرهان.
عندما تعرفت عليه على المستوى الإنسانى استطعت أن أدرك مدى ثقافته العالية والمتنوعة وروحه الشابة الوثابة والباحثة عن كل جديد، بالطبع كانت خلفيته كدبلوماسى مصرى العامل الأهم فى تكوين قدراته الذهنية المدركة على ألا يجعل الشكل الأدبى فى المقالات يطغى على المضمون ولا يجعل المضمون مهما كانت قوته يدمر الشكل الأدبى. لقد كان لعمله كدبلوماسى مصرى أحد أهم العوامل فى إيصال الفكر والمضمون بوضوح وصياغته بأدب لغوى سهل القبول مفهوم من الأكثرية المثقفة ومن رجل الشارع المتطلع للإدراك والفهم، وكان أيضا لعمله مع عملاق الصحافة المصرية العربية العالمية محمد حسنين هيكل كرئيس لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى جريدة الأهرام الأثر الواضح على إدراك الفكر الذى يريدون تقديمه للقراء بوضوح دون إخلال بالمعنى أو الشكل الأدبى، وهنا نحن نهنئ الجائزة بك كما نهنئك بالجائزة.

هل مثقفونا فى حاجة إلى التجديد؟!
لا شك أن مبدأ التجديد مبدأ فى منتهى الأهمية فى كل الاتجاهات السياسية والدينية والعلمية والأدبية.. إلخ. ولا توجد أمة فى العالم أو دولة يمكن أن تتحدث عن نهضة اجتماعية أو ثقافية أو علمية.. إلخ دون أن تقدم مفهوما لمعنى التجديد لديهم وفلسفة الحياة التى يعيشونها (الدين ــ الثقافة ــ العلم)، وبلا شك لا نستطيع أن نتحدث عن مثل تلك النهضة دون أن ندرك التأثير العميق للموروثات الدينية فى حياتنا وثقافاتنا، لذلك يستدعى جدلا دائما حول التجديد الدينى أو التجديد فى الدين، وهنا يجتاحنا سؤال: هل هناك تجديد فى الدين؟! وهل الدين قابل للتجديد؟ أم لا؟! وهل التجديد هنا يتناول الأصول أم الفروع؟! أم الأدوات؟! من هنا علينا أن نركز على فكرتين: الأولى أن لكل جيل من الأجيال حقا فى إعادة صياغة مفهوم الدين عنده سواء كان مسيحيا أم مسلما أم يهوديا، فلكل جيل من الأجيال حق ثابت فى إعادة صياغة مفهوم «الحياة الدينية» بل لكل جيل حق ثابت ومسئولية لإعادة صياغة مفهوم الحياة الدينية فى جيلهم وإنتاج نموذج التدين المناسب لزمنه من دون التزام بما أنتجته الأجيال السابقة، أما الفكرة الثانية فخلاصتها أننا فى حاجة إلى التمييز بين دائرتين فى حياتنا: دائرة يمكن أن نسميها الدائرة الدينية وهى مجال العمل لإحكام الدين ودائرة ما هو خارج الدين، وهو مجال لإحكام العقل النظرى والعملى والأخلاقى.
كلتا النقطتين هما أساس ومورد جدل بين التيار الدينى التقليدى ونظيره الإصلاحى. يقول التقليديون إن كل ما عرفه البشر فى العصور الحديثة موجود بشكل محكم ومفصل كقاعدة مجملة فى التراث الدينى، وبالتالى فلا مبرر لقيام الجيل الجديد بأى دور أو تصرف فى المنظومة الشرعية. وأصل هذه الفكرة كأمر بديهى لا يقبل الجدل.
ولعل بعض القراء قد صادف كتبا تحمل عنوانا مثل: المسيحية المتجددة أو الإسلام المتجدد أو اليهودية للقرن الواحد والعشرين.. إلخ. يعتقد أكثر الناس حداثة أن هذه حقيقة ثابتة فإذا قلت لهم: إن هذا غير صحيح، حسبوك تتهم الدين (الإسلامى أو المسيحى أو اليهودي) بأنه ناقص غير مكتمل وجادلوك دفاعا عن الدين، وليس نقاشا للفكرة فى حد ذاتها. يقولون نحن لم نكن نظن ذلك قبلا ثم اكتشفنا أن بعض العلوم لم تكن موجودة أصلا فى زمن التشريع ولا الأزمان المقاربة له. فكيف نضع أحكاما لشىء لا يمكن تصوره، فضلا عن معرفته، وخلال بحثى عن الموضوع طرحت هذا السؤال على فقيه أو لاهوتى بارز، فأجابنى بالجواب التقليدى المعروف وهو أن ما لم يرد حكمه فى الكتاب والسنة فإن حكمه يستمد من أقرب القواعد العامة المتعلقة بموضوعه، فسألته عن حكم لبس الساعة فى اليد، فلاحظ فى لهجتى شيئا من السخرية، فتمالك نفسه وأجابنى: إنها مباحة فسألته بأن الإباحة ليست حكما، لأن القول بأن الإباحة حكم تكلف من غير داعٍ ولا طائل تحته، وأن القول الصحيح هو إن لبس الساعة ليست من قضايا الشريعة فإن وافقتنى فإن القول بشمولية الشريعة لا يصح.
فى وقت لاحق وقعت على نقاش بين اثنين من الفقهاء البارزين فقال أحدهما إنه لا يوجد فى العالم والتاريخ أى حكم إلا وجدته فى الكتب المقدسة مسيحية وإسلامية فما الذى يحكم كل ذلك؟! بعد قراءاتى فى هذا الشأن وصلت إلى كتاب الشهرستانى «فى الملل والنحل» حيث قال: «إن النص محدد ومحدود والحوادث غير محدودة، فكيف يستوعب المحدود ما لا حد له ولا حصر؟!».
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات