دروس التجربة النووية الكورية الشمالية - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس التجربة النووية الكورية الشمالية

نشر فى : الأحد 24 سبتمبر 2017 - 9:45 م | آخر تحديث : الأحد 24 سبتمبر 2017 - 9:45 م
التجربة النووية الكورية الشمالية فى الثالث من سبتمبر، وللتذكير فهى التجربة النووية السادسة بعد أن أطلقت كوريا الشمالية عملية انضمامها إلى «النادى النووى»، عام ٢٠٠٦ وصارت العضو التاسع فى هذا النادى بعد القوى الكبرى الخمس، وكل من الهند وباكستان وإسرائيل، حملت رسائل عديدة.
من هذه الرسائل ما هو موجه «للصديق» الصينيّ وقوامه أنها لن تعتمد كليا أو لن تسلم ورقة أمنها كليا بعد الآن إلى الصين الشعبية مع انتهاء عصر التوتر والمجابهة بين الصين والغرب بالماضى، وكذلك عصر الانفتاح الاقتصادى والانكفاء السياسى التى اتسمت به السياسة الخارجية الصينية لفترة طويلة من الزمن نسبيا.
وجاء توقيت التجربة النووية الكورية الشمالية مع انعقاد قمة دول البريكس فى الصين الشعبية ليشكل عنصر إحراج وإرباك لهذه الأخيرة. الصين الشعبية التى أخذت بالانخراط سياسيا بقوة وبراجماتية فى النظام العالمى الذى يتشكل.
انخراط يتطلب مقايضات ومساومات ومرونة وانفتاح قد تحمل مخاطر من منظور كوريا الشمالية على استمرار الالتزام الصينى المطلق «بالورقة» الكورية بحيث قد تصبح كوريا الشمالية، كما ظهر من موقف الصين الشعبية فى مجلس الأمن ورقة تفاوض مع الأمريكى، ومثال بارز على السلوكية الصينية الجديدة على صعيد السياسات الدوليّة.
***
رسالة ثانية وجهتها كوريا الشمالية إلى محيطها الإقليمى ومفادها: أنى امتلك ورقة استراتيجية جديدة وعليكم التعامل معى من هذا المنطلق وقد عبّر عن ذلك الهجوم الكورى الشمالى الشديد على اليابان والتهديد فى إغراقها فى البحر من خلال «ضربة نووية». 
كما كانت رسالة مباشرة موجهة إلى «الشقيق ــ العدو» كوريا الجنوبية دفع الأخيرة إلى الالتصاق الأمنى الاستراتيجى بشكل أكبر مع واشنطن ولكنه قد يدفعها مع الوقت لاعتماد مقاربة مختلفة وأكثر مرونة تجاه الشقيق المشاغب وهو ما يتطلع إليه هذا الأخير، ليس بالطبع فى المستقبل القريب. 
الرسالة الثالثة كانت إلى واشنطن وهى رسالة حاملة لتحدٍ محفوف بالمخاطر فى عصر إدارة الرئيس ترامب ذات الخطاب الصدامى واللغة المليئة بالتهديد والوعيد دون أن يعنى ذلك بالطبع الوصول إلى مواجهة عسكرية فى ظل ورقة «التأمين على الحياة» النووية. 
أسئلة كثيرة تطرحها الرسالة النووية لكوريا الشمالية. صحيح أن السلام العسكرى وعدم وقوع حرب مباشرة بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى خلال الحرب الباردة كان مرده ما عرف بالـ MAD أو التدمير المتبادل المؤكد، وصحيح أيضًا أنه رغم أن القوتين النوويتين والخصميْن اللدوديْن الهند وباكستان قد ذهبتا إلى الحرب فيما بينها ولكن العنصر النووى شكّل فى رأى كثير من الخبراء عنصر تقييد على الحرب وعنصر ضغط نحو المساومة والتفاوض بينهما.
***
وفى الشرق الأوسط تدّعى إسرائيل أن امتلاكها وحيدة للترسانة النووية هو ما حماها من الإبادة كما يصر شيمون بيريز على التذكير فى مذكراته أن مصر تخلت عن إبادة إسرائيل بفضل ديمونا «المفاعل النووى»، ولكن الكل يدرك أن توازن القوى العسكرى التقليدى وطبيعة السياسات والأولويات والتحالفات العربية الدولية هو ما وفّر ويوفّر الضمانة الأمنية لإسرائيل، وقبولها كدولة ضمن حدود الرابع من يونيو وربط الاعتراف بها بالقبول بالاعتراف بحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة.
ولكن وجب القول أيضا إن العنصر النووى ساهم ويساهم بشكل أساسى فى تصلب الموقف الإسرائيلى ورفضه للسلام، وأن استمرار سياسة الكيل بمكياليْن فى الشرق الأوسط وفى مناطق أخرى فى العالم فى خضم التحولات الدولية الجارية قد يدفع بأكثر من قوة إلى العبور إلى النادى النووى: القوى التى يوصف موقفها باعتماد ما يُعرف «بالخيار اليابانى» وهى غير قليلة.
«الخيار اليابانى» الذى يعنى أن القوى المعنية تمتلك كل العناصر المطلوبة للتحول إلى امتلاك السلاح النووى ولكن تمتنع عن القيام بذلك. من تلك القوى بالطبع إيران، وهذا ما يجرى التلويح به فى خضم تصاعد المواجهة الأمريكية الإيرانية. وهنا تبقى المخاوف قائمة فيما يتعلق بالعودة ولو التدريجية أو البطيئة عند البعض إلى الخيار النووى، ضمن منطق توفير الحماية الذاتيّة القصوى أو فرض تغيير قواعد اللّعبة على القوى غير الصديقة أو المعادية القريبة والبعيدة.
من هنا يظهر ردّ الفعل الدولى ضد تهديد الرئيس ترامب بسحب الاعتراف بالاتفاق النووى مع إيران، المعروف باتفاق (5+1) باعتبار أنه الخيار الواقعى الوحيد والمطلوب بالطبع مواكبة تطبيق هذا الاتفاق والعمل بقواعده. 
كما أن المخاوف تبقى ذاتها فى حالة «الدلال» التى تتمتع بها إسرائيل دوليا فى الشأن النووى مما قد يشجع آخرين كما أشرنا إلى ولوج هذا الباب.
أضف أن هنالك مخاوف دائمة من احتمال وقوع حادث نووى قد يحمل تداعيات خطيرة دون أن يكون حادثا مفتعلا. إن التجربة النووية لكوريا الشمالية يجب النظر إليها كجرس إنذار متكرر للتعامل الدوليّ بجدية مع هذه المسألة وبعيدا عن سياسة الكيل بمكيالين فى مختلف الأقاليم المعنية فى العالم وبالأخص فى الشرق الأوسط.

 

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات