«كورونا» وترتيب الأولويات - محمد مكى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«كورونا» وترتيب الأولويات

نشر فى : السبت 25 أبريل 2020 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 25 أبريل 2020 - 11:10 م
أجبرت الأزمة الإنسانية التى يشهدها العالم على مراجعة عامة ليس على مستوى الأخلاق والإنفاق، بل ضرورة وحتمية مراجعة الأفكار والنظريات التى تحكمت فى البشرية السنوات الماضية، والتى أدت نتائجها إلى سقوط المنظومة الصحية فى كثير من البلدان التى صدرت لنا أنها قادرة على حكم الفضاء بعد أن سيطرت على حكم الأرض، فإذا بها تسقط فى اختبار توفير الكمامات وأجهزة التنفس الصناعى، وتبحث تأميم الشركات، بعد أن كانت قبلة للرأسمالية وليبرالية السوق منزوعة الرحمة.
كورونا تجعل زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم وترتيب الأولويات فرضا، فما كان متروكا لصالح مشروعات أخرى يؤجل ويتم تصويب المسار، ومن يتكلم عن إحداث توازن بين الإنفاق على البناء والاستثمارات وبناء شبكة رعاية اجتماعية نقول له إن «السكوت من ذهب»، فهذا أقرب للمستحيل فى ظل ما كشفه الوباء من واقع عالمى جديد وتراجع مؤكد للموارد يجب الاستعداد له من خلال تقديم كل ما يمس البشر على الحجر.
بروفة ما حدث من انهيار لأسواق النفط العالمية الاسبوع الماضى يكشف مستقبل العديد من الأنشطة، فحالة العرض تزيد على الطلب لا محالة وركود ثم كساد قادم، ومن ثم يجب توجيه ما يتوافر من موارد إلى الصحة والتعليم دون غيرهما، ولا نكرر سيناريو التدخل الفوقى فى الموازنة لرفع مخصصاتهما لأن الواقع يكشف صعوبة المرحلة، وانهيار أنظمة أقوى منا بمراحل، يجعلنا ننظر إلى ما هو أعظم من البحث عن لقطة.
تجربة الوباء تقول إن الصحة والتعليم فى المقدمة، وإن اقتصاد الدول الذى لا يقوم على الإنتاج يسقط، فالصناعة والزراعة ركيزتان أساسيتان ومهمتان فى بناء الاقتصاد، خاصة وأنهما الأقل تأثرا بالمقارنة بالعقارات والسياحة مثلا، وهو ما يتطلب أن توليهما الدولة اهتماما وحل مشاكلهما ، فكل المصادر الريعية تتوقف على الأحوال الخارجية وليس الداخلية، وهو مأزق جائحة «كورونا»، وما بعدها من أزمات وتبعات متوقعة.
كورونا تقول المستقبل لمن يستثمر فى التعليم والصحة والزراعة والصناعة، ويؤخر ما سواها، خاصة فى مجالات الترفيه، وإن العمالة شريكة فى نجاح وربحية رجال الاعمال، وشبكة الرعاية الاجتماعية اساسا فى الأولويات السياسية الاقتصادية، وليست مجرد لافتة تحمل اسم المسئولية الاجتماعية دون واقع وإجحاف كشفت الأزمة عنه.
من حسن الطالع أن مصر دخلت الأزمة بعد عمليات إصلاح اقتصادى تجرع المواطن من آلامها الكثير، لكنها ساهمت فى التقليل من وقع الجائحة، التى سوف تغير خرائط الجغرافيا وأماكن النفوذ، وعودة لبسط يدى الدولة فى مقابل القطاع الخاص، الذى اهتزت صورته بشكل كبير على إيقاع الازمة، وإن كان حاول التجميل لاحقا، لكنه يحتاج أن يقدم نفسه بشكل مختلف الفترة القادمة؛ لأن الرصيد أوشك على النفاد. فبعض اثرياء الوطن لديهم فرصة لرد جزء مما هم عليه لشعبهم ومواطنيهم، فعدد غير قليل منهم يستطيعون أن يقدموا العون للبحث العلمى وفقراء المجتمع، وأن الربح والثراء لم يتحقق إلا من أرض مصر.
الوقت غير مناسب لجلد الذات، لكنه وقت المراجعة وترتيب الأولويات، فكيف لمن يمتلك ثروة بشرية وطبيعة لا يستطيع أن يحمى حياة شعبه ويقدم للإنسانية ما يخدمها.. كلنا لدينا عيون ولكن نحتاج بشدة إلى من يمتلك نظر.
كل عام والمسلمون وجميع من يحبون فى مشارق الأرض ومغاربها بكل خير.. رمضان كريم.
التعليقات