القضاء «مسئولية - مبادئ - رجال - مهارات».. 1- قداسة القضاء - جمال قطب - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 11:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القضاء «مسئولية - مبادئ - رجال - مهارات».. 1- قداسة القضاء

نشر فى : الخميس 25 مايو 2017 - 10:35 م | آخر تحديث : الخميس 25 مايو 2017 - 10:35 م
1ــ قداسة القضاء
القضاء العادل ليس مجرد فصل فى النزاعات، ولكنه يصفى الصراع فى المجتمع ويمنع النزاع، ويعطى الحق لصاحبه، ويمنع تغول الطامع على حقوق غيره.. وحسب القضاء قداسة أن يشتق اسمه من أفعال الله جل جلاله.. فالله سبحانه هو الذى يقضى كما عبر القرآن الكريم ((والله يقضى بالحق))، وقال تعالى ((إن ربك يقضى بينهم)).. ومعنى هذا أن القضاء مهمة مقدسة لأنها تكشف إرادة الله، والله يريد الحق.
وشريعة الإسلام لم تكتف بإنشاء القضاء وتنصيبه، بل ولم تكتف بتمكين القضاء وتحصينه ضد التدخل فى شئونه أو ضد عزل القضاة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير:
ــ1ــ
فأولا: دعت الشريعة جميع أتباعها إلى فريضة تحرى العدل فى كل صغيرة أو كبيرة وأكدت أن العدل قيمة عليا من قيم الإسلام ويكفى فى هذا الشأن قوله تعالى: ((إن الله يأمر بالعدل )) وقوله جل جلاله: ((وإذا قلتم فاعدلوا)).. هكذا حتى العدل فى القول، فلا تلقى الألفاظ بغير عدل مدحا للبعض بالكذب والافتراء، ولا قدحا وشتما وتهديدا للبعض استضعافا واستهانة بشأن الناس. وليعلم الجميع أن الوكيل المدافع عن جميع الخلق هو الله واقرأ إن شئت: ((حسبنا الله ونعم الوكيل)) وقوله: ((الله خالق كل شىء وهو على كل شىء وكيل)).. فليحذر كل إنسان أن يظلم غيره فى لفظ أو قليل أو كثير، فإن وكيل جميع الناس هو رب الناس يتولى أمرهم ويدافع عنهم وينتقم لهم. فليحذر العقلاء.
ــ2ــ
وقد حمل القرآن حملة شعواء على الظلم والظالمين تبين كيف يبغض الله الظلم وكيف توعد الظالمين الذين يتجاوزون ويجورون على حقوق الآخرين من الأهل والأتباع والجيران. ونظرا لشهرة الآيات القرآنية المحذرة من الظلم فلنكتفى بذكر حديث قدسى يقول الله فيه: ((يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا))..
ثانيا: أوجب الله على العباد أن لا ينفردوا برأيهم فى التصرفات العامة أو فى العلاقات المشتركة بينهم وبين غيرهم، وجعل عنوان المعاملات هو (الشرعية والتراضى) فإذا لم يتم التراضى فقد هاب الشرع بالأطراف البحث عن الشورى لدى أهل الخبرة حتى يتفهم الأطراف ما لهم وما عليهم فيتجهوا إلى التراضى.
ثالثا: بعد أن جعل الله العدل فريضة (فرض عين) على جميع الخلق، كلف المجتمعات والدول والحكومات أن تنشىء مؤسسة للحسبة أى مؤسسة رقابية على السلوك العام حتى لا يتجاوز الناس حدودهم. ومؤسسة الحسبة هى التى أشار القرآن إليها بقوله تعالى: ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ۚ وأولٰئك هم المفلحون)).. هكذا أنشأ الشرع نظام الرقابة المتخصص الذى كان يزاوله قديما «المحتسبون» والذى يقوم به الآن مفتش التموين، مفتش الصحة، شرطة المرافق، وسائر هذه الإدارات المكلفة بمراقبة السلوك والأسعار والجودة إلخ. وكل ذلك من ضوابط العدل الذى أسسه الشرع قبل تأسيس القضاء.
رابعا: أمر سبحانه وتعالى المجتمعات والدول بتأسيس وظيفة الإفتاء، ووظيفة الإفتاء تمثل درجة من درجات حماية العدل وحصانة المجتمع ضد التنازع إذ يذهب أطراف أى نزاع إلى المفتى ليرشدهم إلى ما لهم وما عليهم حتى لا يتجاوزوا العدل.
وهذه الخطوات الأربع تشكل المستوى الأول فى تحرى العدل من ناحية، كما تجعل المسلم قادرًا على أن يحكم بالعدل على تصرفاته. وبعد ذلك فإن هذه الخطوات ترفع الضغوط عن القضاة والمحاكم مما يفرغ القضاة إلى معضلات القضايا.

يتبع
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات