اقتصاد المجاذيب.. يؤثر ولا يتأثر - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اقتصاد المجاذيب.. يؤثر ولا يتأثر

نشر فى : الأربعاء 25 أغسطس 2010 - 10:48 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 أغسطس 2010 - 10:48 ص
المتابع لأداء اقتصاد جمهورية مصر العربية وللتصريحات التى تنهمر من السادة المسئولين عن تسيير أموره (بغض النظر عن اتجاه السير) يحير من كان مثلى قد درس علوم الاقتصاد منذ سبعين عاما وتابع تطورها إلى أن كادت أن تصل به إلى طريق مسدود، تشهد عليه الفوضى الهدامة التى أشاعتها فيه مؤخرا مجموعة من الأزمات التى يكرر المتحدثون عن أحوال الاقتصاد العالمى التأكيد على أنه يتعافى، مما يفيد بأن التعافى قد استعصى..

 

اللهم على الاقتصاد المصرى حيث يؤكد المسئولون أنه «جثة منحسة» لم تفلح الكوارث المالية والاقتصادية فى المساس به، سوى بقليل من «الزكام» الذى أنقص معدل نموه نقطة أو نصف نقطة. فالنمو عال العال وإن شاء الله سوف نقول للصين قومى وأنا أقعد مطرحك.

صحيح أن السيد وزير التنمية الاقتصادية أكد فى حوار مع الأهرام الاقتصادى (9/8/2010) أننا لا نستطيع أن نحاكى الصين لاختلاف المواصفات، إلا أنه أقسم ذات مرة على أن ما ذكرته النيوزويك عن الصين هو بالضبط وصف لمصر.

على أن تلك الجثة تعود فتدب فيها الروح عندما تشم رائحة تضخم يجتاح العالم، فإذا بنفس السادة المسئولين يؤكدون أن مصر لا تخترع تضخمها بل شأنها فى ذلك شأن باقى العالم. كما أنها لا تصنع البطالة فى بير السلم بل تتشبه بعظمى الدول بدءا من الولايات المتحدة إلى أوروبا فى الطريق إلى أفريقيا.

وسنحت فرص ذهبية عندما تعرضت أسعار المواد الغذائية وفى مقدمتها القمح والسكر للارتفاع، بالتأكيد على أن مصر لا بد وأن تتأثر بما يسود العالم. وإذا سألت عن السبب قيل لأننا نعتمد على الاستيراد للقمة العيش بعد أن قيل لنا أن الفراولة (التى روج لها د.عبدالرزاق عبدالمجيد رحمه الله) أولى بالرعاية وتكسبنا ذهبا تشترى به ما نشاء.

ووصلنا إلى نقطة نحن نشاء والعالم لا يشاء، بعد أن أدت كوارث روسيا إلى تراجعها عن التصدير بل عزمها على التحول للاستيراد. وأصبحت طوابير الخبز مهددة بالانصراف لأنه لن يكون هناك ما تأمل فى الحصول عليه بعد حين أو حتى سنين.

وكان لا بد من البحث عن جهة بديلة تجود علينا بما يفيض عن حاجتها. الغريب أننا بعد أن أعلنا ذلك إذا بالأنباء تتوالى بأن الأسعار العالمية قفزت متهللة لهذا الزبون الثقيل. وهكذا لم نكتف بأننا نجونا من أزمات العالم، بل أصبحنا نهدد العالم بموجة عاتية من التضخم وارتفاع الأسعار. وعجبى لاقتصاد مازال ينافس الدول منخفضة التنمية على موقع دائم له بينها، يؤثر فى الاقتصاد العالمى ولا يتأثر به.

ويمضى السيد وزير التنمية الاقتصادية (التخطيط سابقا) فيؤكد أنه بحكم اختصاصه ومسئوليته فإن مهمته مع زملائه فى الحكومة هى كيف ينطلقوا بقطار التنمية وتعود معدلات النمو إلى ‏7%‏ و‏8%.. ولا أدرى متى كانت قد بلغتها حتى تعود إليها. وبحكم الفكر الاقتصادى السائد فإن نمو الدخل يحتاج إلى استثمارات جديدة وهذه الاستثمارات تحتاج إلى تمويل، مصدره الأول هو ما ادخره المواطنون بعد أن أنفقوا النسبة الغالبة من دخولهم على الاستهلاك النهائى. وكلما ارتفعت أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية بأسرع مما تزيد به دخولهم كلما قصرت المدخرات عن الوفاء باحتياجات استثمار بالقدر الواجب للإسراع بعملية النمو.

فإذا كان الارتفاع عائدا إلى عبث بآليات السوق، فإن الاقتطاع الزائد من دخول ذوى الدخل المحدود يتحول إلى تراكم زائد لدى المحتكرين، يغريهم بالإسراف فى الإنفاق البذخى الذى يوجه إلى منتجات أبعد ما تكون عن إشباع الحاجات الأساسية، يستنزف المستورد منها والمنتج محليا جانبا كبيرا من الموارد التى كان ينبغى توجيهها للاستثمار. وهنا يصول ويجول السيد وزير الاستثمار ويجوب الآفاق من أجل إغراء رأسمال أجنبى مباشر بارتفاع ربحية الأنشطة التى تلبى احتياجات ذوى الدخول المرتفعة.

وبين الحين والآخر تفيد تصريحات وتشير تقارير أن الاقتصاد المصرى يعد من أهم الاقتصادات الجاذبة لرأس المال. وهكذا فإلى جانب مقياس معدل النمو الذى اتفق المشتغلون بالتنمية على أنه مضلل، ظهرت خاصية أخرى للاقتصاد المصرى، هى أنه «اقتصاد جاذب»، ويستدل على ذلك بتوافد المجاذيب ووفرة ما يضعوه عن طيب خاطر فى عملية الاستثمار.

منذ شهرين عقدت اللجنة الاقتصادية بالمجلس الأعلى للثقافة ندوة تحت عنوان «الاستثمارات الأجنبية المباشرة ودورها فى الاقتصاد المصرى»، سرد فيها السيد وزير الاستثمار أرقام التدفقات الاستثمارية، دون أن تتضح بالتحديد المجالات التى أسهمت فيها بمعالجة المشكلة المزمنة وهى القصور فى الحاجات الأساسية.

وأشرت فى تعليقى إلى أن جزءا كبيرا من تلك الموارد يتجه إلى استثمار عقارى، سواء لأغراض المنشآت الاستثمارية التى تساهم فى رفع مستمر لتكاليف البناء يضر بالاستثمارات المجاهدة من أجل تلبية الحاجات الأساسية والتصدير أو لأغراض الإسكان بمستوياته المختلفة، أو بالتوجه إلى الإسكان الفاخر إلى الحد الذى تعرض فيه الفيللا الواحدة بعشرين مليون أو أكثر.

ويشير هذا فى نفس الوقت إلى وجود مصدر لثروات المشترين وتوجيهها إلى هذا النوع من الترف بدلا من الاستثمار المنتج. وكان تعليق سيادته إلى أن العبرة بمصدر تلك الثروات. وفى نفس المعنى قال وزير التنمية فى حواره المشار إليه، إن مسألة التفاوت فى الدخول وضع طبيعى موجود فى كل بلاد الدنيا وربنا يبارك لهم‏ طالما لم يخالفوا القوانين.

إن ما يستخلص مما سبق بالنسبة لمفهوم مسئولية الدولة، يشير إلى غياب إستراتيجية متكاملة للتنمية وتجاهل للأثر المزدوج للاستثمارات السفيهة، بالتهامها المدخرات المحلية وتجاهلها متطلبات العدالة الاجتماعية. يبدو أن المفهوم السائد لطلب الرئيس مراعاة الإنسان البسيط.. هى تحويله إلى إنسان معقد!!
محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات