طويلة لسه طويلة (2) - بلال فضل - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 8:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طويلة لسه طويلة (2)

نشر فى : الجمعة 25 أكتوبر 2013 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 25 أكتوبر 2013 - 8:35 ص

على نفس الصعيد، ستعبر ذكرى هزيمة الخامس من يونيو علينا كما عبرت علينا من قبل هى وكل ذكريات هزائمنا الصريحة وهزائمنا التى دلعناها وسميناها نكسات وهزائمنا التى ضحكنا على أنفسنا واعتبرناها انتصارات وهزائمنا التى اعتمدنا على أن أحدا فى حارتنا لن يتذكرها لأن آفة حارتنا النسيان.

ربما كان الجديد هذه المرة، أننا أصبحنا نستخدم سيرة هزيمة يونيو وسيرة المسئول سياسيا عنها جمال عبدالناصر، كوسيلة للصوبعة السياسية، الإخوان مستمرون فى اتباع عادتهم المفضلة «كلما تتزنق اشتم عبدالناصر»، كأن شتيمته ستقنع الناس أنهم أصحاب فكر ورؤية ومنهج، وأعداء الإخوان من محبى عبدالناصر يظنون أن مجرد البكاء على سيرته وتذكير الناس بها سيجعل الناس يكرهون الإخوان أكثر، وسيجعل الإخوان يموتون غيظا لأنه لم يخرج منهم قائد عظيم ملهم ساحر مثل عبدالناصر.للأسف كان بعض المتفائلين يظن أن الثورة فى موجتها الأولى ستكون فرصة سانحة لنزح كل هذا الهراء من العقلية المصرية، وستدفع الكثيرين إلى أن ينظروا إلى تاريخ مصر الحديث والمعاصر بوصفه حلقات متصلة مترابطة، وهو أمر لو أدركناه لعلمنا أن كل ما نعانيه من أزمات خطيرة مثل ملف مياه النيل وملف سيناء وملف الطاقة وملف الأمن القومى، من أهم أسبابه هو اختيارنا القديم لنموذج الزعيم الملهم صاحب الرؤية الذى يفكر ويقرر «وإحنا كلنا حواليه أو تحت رجليه والشعب بيسعى إليه».

سيرة هزيمة خمسة يونيو تستدعى دائما لدى دراويش عبدالناصر سيرة المؤامرات التى لم تحدث الهزيمة إلا بسببها، فلم نسمع حتى الآن نقدا متكاملا صريحا يخرج من داخل التيار الناصرى للأخطاء التى ارتكبها ناصر وأدت إلى الهزيمة التى لا زالت تؤثر فى واقعنا حتى الآن، مما يجعلهم شديدى الشبه بالمشروع الإسلامى الذى يعادونه، لأن أنصار ذلك المشروع لا يكفون طيلة الوقت عن تبرير فشلهم بالحديث عن المؤامرات، حتى وهم يحظون بالدعم الامريكى العلنى لا يتوقفون عن الحديث عن المؤامرات، وهو ما يجعلك تفكر كم هو عظيم ذلك القانون الفيزيائى الذى أخبرنا أن الأقطاب التى تتنافر هى دائما متشابهة جدا.

عندما تنتهز فرصة خمسة يونيو لتذكر البعض بأهمية تأمل درس الهزيمة الأهم «لن تحصل أبدا على تنمية شاملة ولا على كرامة وطنية ولا على استقلال سياسى إذا قمت بسحق الحريات الفردية وإذا تعاملت مع المواطن على أنه رقم فرحان فى الصورة»، ستجد من يقول لك «ما قبل عبدالناصر لم يكن جنة»، دون حتى أن تكون قد قلت يوما ما أنه جنة، وستجد من يصرخ فيك أن «ما بعد عبدالناصر لم يكن جنة»، كأنك قلت أصلا إنه جنة، وستجد من يقول لك أيضا «مش أحسن من المتأسلمين ولاد كذا»، كأنه مكتوب عليك أن تكون دائما ملتزما بالبقاء ضمن صفوف فريق تشجعه، وتشتم أمهات من فى الفرق الثانية جميعا بلا استثناء.

مع أن المسألة ليست أن تكون محبا لعبدالناصر أو كارها له، فقد رحل الرجل إلى ربه وأفضى إلى ما قدمه لوطنه، سيظل أعظم ما فى عبدالناصر أنه اختار المقاومة بعد الهزيمة، ولم يستسلم وسعى لكى يصلح أخطاءه التى أفضت بنا إلى الهزيمة، لكن المسألة ليست أبدا متعلقة بشخص عبدالناصر وحياة أمى وأمك الغاليتين، المسألة أننا نفوت الفرصة تلو الفرصة للاستقرار على بديهية واحدة استقر عليها عقلاء العالم الذى تقدم، هى أنه لن يوجد شعار أيا كان نبله ولا شخص أيا كانت عظمته يقدر على إنقاذ أمة بأكملها، فما بالك لو كانت أمة غارقة فى أم المشاكل والخيبات والهزائم. المؤسف أننا لمسنا هذه البديهية بأيدينا فى الحادى عشر من فبراير عندما أطحنا بمبارك من على عرشه، ومنذ تلك اللحظة التى بادر فيها رماة الإخوان إلى جمع الغنائم السياسية وفارقوا الميدان الذى انضموا له متأخرين، ونحن نتنقل من هزيمة إلى أخرى، فهل نتعلم قبل أن تأتى ذكرى خمسة يونيو القادمة أن العودة إلى حدود حداشر فبراير هى وحدها المنقذ؟، يبدو ذلك الآن خيالا جامحا وخيارا مستحيلا، لكننى أوقن أننا ذاهبون إليه حتما ولا محالة، سواء بالدم أو بالعطش أو بهما معا.

أو كما قال عبدالحليم حافظ «طويلة لسه طويلة».

(هذا المقال بجزءيه سبق نشره فى مطلع شهر يونيو الماضى فى مجلة (المعصرة) ولا زال سؤاله الختامى مطروحا للتأمل، ولا زالت السكة «طويلة لسه طويلة»).