كما أنه لا يمكن تحقيق كل أهداف الحرب فى ساحات القتال، لا يمكن تحقيق كل أهداف الثورة فى الميادين والشوارع. وبالأمس القريب حققت الثورة انتصارا استراتيجيا كبيرا بانعقاد أول مجلس شعب منتخب انتخابا حرا منذ ستة عقود تقريبا وسحب سلطة التشريع والرقابة على الحكومة من المجلس العسكرى ثم حققت انتصارا استراتيجيا أكبر عندما نزل المصريون بالملايين إلى الشوارع مرة أخرى أمس للتأكيد على أن الثورة مستمرة وقبل ذلك حققت انتصارا تكتيكيا فى اليوم الثانى بإعلان إلغاء حالة الطوارئ أمس الأول لكى يصبح الاحتفال بالذكرى الأولى للثورة حقا للجميع.

فى المقابل فإن محاولات البعض «ضرب كرسى فى الكلوب» وإضفاء أجواء جنائزية على تلك المناسبة الوطنية المجيدة بدعوى أنه لم يتم القصاص للشهداء فهى متاجرة بدماء هؤلاء الشهداء فى غير موضعها لأن الشهداء ولهم كل المجد والخلود لم يقدموا أرواحهم لكى يعدموا حسنى مبارك ومن معه وهم يستحقون بالفعل الإعدام ألف مرة وإنما قدموا هذه الأرواح الذكية لكى تصبح مصر دولة حرة ديمقراطية.

وحسنا فعل مجلس الشعب عندما خصص أول أيام عمله بعد جلسته الإجرائية الأولى لقضية الشهداء وضرورة القصاص لهم، لأنه أكد بذلك أن قضية قتل الشهداء لن تتوه داخل سراديب العدالة البطيئة وأن القصاص من القتلة على رأس أولويات كل النواب، يتساوى فى ذلك الليبرالى مع اليسارى والإخوانى مع السلفى وهو ما يعزز الأمل فى أن يوم القصاص الحقيقى بات قريبا.

إن تحقيق كل أهداف الثورة يحتاج بالفعل إلى سنوات من العمل على كل الجبهات. فالنشطاء والثوار عليهم واجب الانتظام فى كيانات سياسية تستطيع المنافسة فى الانتخابات إلى جانب دورهم الضاغط من خلال الاستعداد الدائم للنزول إلى الشارع وحشد الجماهير حول القضايا الجامعة.

أما أخطر ما يهدد مسيرة الثورة فهو تصور بعض الثوار أنه يمكن البقاء فى الميدان والشارع حتى «تتحقق العدالة الاجتماعية» أو حتى «تتحقق الحرية الكاملة وللجميع». هذه الرؤية بالغة المثالية لا يمكن أن تقود إلى النتائج المرجوة بل إن العكس هو الصحيح حيث إنها تبدد طاقات مهمة فيما لا يجدى وتشتت الجهود التى تحتاج المرحلة إلى حشدها.

وأخيرا فإن ما حققته الثورة فى عامها الأول كثير بالفعل وإن كان ما لم يتحقق أكثر لكن الإصرار إلى توجيه رسائل سلبية من جانب بعض الثوار عن «ضياع الثورة» أو «سرقتها» لا يخدم تلك الثورة بل ويقطع الطريق على محاولة تحقيق ما لم يتحقق بعد من أهدافها.