جملة قالتها ريم وهى تجلس بجوار خمس فتيات أو سيدات أعمال، حرص وزير الصناعة والتجارة رشيد محمد رشيد على عرض تجربتهن فى برنامج البيت بيتك، وأدار معهن الحوار الزميل خيري رمضان، وكان الوزير رشيد كما كان واضحا يدعم التجربة. الجملة، جعلتني أتساءل: ما هو الشيء الذي لم يصنع في الصين؟!
هذه الدولة تصنع كل شىء، تصنع علم مصر وعلم كوستاريكا. وتصنع السيارة المبتكرة والسيارة المقلدة. وتنقب عن البترول فى الدول الأفريقية وتغزو الفضاء، وتصنع سجادة الصلاة والسجادة الشينواه. وتصنع السبحة والطاقية وفانوس رمضان، والعروسة باربى، وعروسة بلاستيك لمولد النبي.. لا يوجد شيء لم تصنعه الصين، ربما سبقتها مدينة ساوبالو البرازيلية فى تدوير القمامة، فقد أنشأت 11 مصنعا، وصدرت تكنولوجيا فصل الأوراق عن الألمونيوم والبلاستيك إلى دول العالم.. وقد نمت البرازيل على أى حال، لكن لا توجد معدلات نمو فى دولة كما فى الصين. وهى دولة منتجة نهضت من قمة الفقر. وشعبها يعمل وينتج وقد نهض من قمة الجهل.
تابعت ريم وزميلاتها وشعرت بالحماس. إنهن شابات صغيرات، فتيات أو سيدات، وهن يقتحمن سوق العمل والإنتاج، ويبتكرن، ويبدعن وبعضهن درس فى أوروبا فنون عمله، وهن مصممات للأزياء والحلى الفضية، ومتحمسات لبلدهن. قالت ريم:
«القماش المصري والزرار المصري أحسن من غيره. عندنا خامات يمكن أن تنافس خامات نستوردها».
إنها لا تتحدث عن سفينة الفضاء المصرية، أو عن السيارة الفرعونية، ولكنها تمسك بخيط أمل بسيط. قطعة قماش وزرار. وزميلاتها أيضا مبدعات ينافسن أسواق سبقتنا بكثير. وسوف نلحق بتلك الأسواق. نستطيع. فمصر غنية بشباب ونماذج سبقت أجيالنا، بالعلم والطموح، والانضمام إلى العصر.
كم كان جميلا أن أتابع شيئا مختلفا عن الاحتقان والغضب، شىء يعطينا الأمل. فلن تنهض مصر سوى بالإنتاج والعمل والتصدير. ويحضرنى ويحضركم هنا سؤال مهم بالتأكيد بات أساسيا فى «رياضة الجدل» التى نمارسها منذ سنوات: ما هى الأولويات كى تنهض مصر وتستيقظ؟!
هل البداية الإصلاح السياسى والديمقراطى أم الإصلاح الاقتصادى والعلمى والتعليمى والمالى؟!
ما هى أولويات المواطن البسيط هل «السكر والشاى والزيت» أم كرامته وشعوره بالمواطنة، وأنه يمتلك الدولة ولا تملكه حكومة.. ثم من يحدد تلك الأولويات.. المواطن أم النخبة؟!
بدلا من البحث عن إجابات سيختلف حولها الجميع لماذا لا ندرس تجارب دول مثل ماليزيا والصين وكوريا وإندونيسيا والهند، فقد كانت حتى سنوات مضت تقترب من خط الفقر والتخلف والصفر، وبتجاربها الوطنية نهضت واستيقظت..فهل فعلت ذلك بالسياسة والتعليم قبل الاقتصاد أم بالاقتصاد والعلم قبل السياسة، أم بالاقتصاد والسياسة معا.. أم بالعدل والمساوة قبل هذا كله؟!
أعود إلى تلك القصة المصرية التى تابعتها، فكم كان جميلا أن نرى شيئا مختلفا يبدو مثل بصيص ضوء قادم من نفق مظلم، بدلا من تلك القصص اليومية التى تتحفنا بها كل البرامج والقنوات الفضائية التى تعرض نفس المشاكل المريرة تصيبنا بالاكتئاب واليأس!
أملنا أن نصنع الكثير فى مصر، وأن ننتج أكثر، وأن نعمل أكثر. وألا ننتظر أبدا من يوحى لنا بالأفكار ويوقد لنا شعلة الطريق كأنه يلقى لنا بحبل النجاة. فهذا الانتظار صنع فى مصر بلادة وتنبلة ولا مبالاة، ويكاد أن يغرقنا!
أملنا هو العدل والمساواة. والأفكار الجديدة والأجيال الجديدة، وتحرير المواطن من شعوره بأنه أسير النخبة، والسلطة، وتحرير الاستثمار من كل القيود، والثقة فى الناس، وعدم افتراض أن كل مصرى يضع يده فى جيب المصرى الذى أمامه، وأن كل مستثمر ما هو إلا لص كبير، حتى تثبت براءته.. أملنا الوحيد هو العمل والإنتاج والبناء، والإيمان بأنه هناك أمل.. أملنا هو: ما صنع فى مصر بالعلم والجودة!