الديونقراطية - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 7:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الديونقراطية

نشر فى : الأحد 26 فبراير 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأحد 26 فبراير 2012 - 9:05 ص

«الديونقراطية» هو اسم فيلم تسجيلى يونانى أذيع لأول مرة فى أبريل 2011. يتناول الفيلم الأزمة المالية فى اليونان وقضية الديون. ولكنه فى الواقع يتحدث عن جميع دول العالم التى ترزح تحت وطأة الديون. فما أقرب حال اليونان بحال أيرلندا وحال الاكوادور وغيرها الكثير. ويمكن تلخيص الفيلم فى جملة: أن الشعوب وهى تسعى نحو الحرية تنتقل من حكم «الديكتاتور» إلى حكم «الدكتور» رئيس صندوق النقد الدولى، تنتقل من الديكتاتورية إلى الديونقراطية. أى سيطرة الديون الخارجية والداخلية على مقدرات السياسة. وتعد هذه الحالة السياسية الجديدة أشد خطرا على الحرية من أى نظام سياسى آخر. فالديون يمكنها أن تقضى تماما على الدولة، إذا لم تستطع الدولة القضاء على الديون. فالانتقال من حكم الفرد إلى حكم الديون سوف يعصف تماما بحلم حكم الشعب. 

 

شاهدت هذا الفيلم على اليوتيوب بعد أن قرأت ما ذكرته «الحملة الشعبية لمراجعة وإسقاط ديون مصر» أن المبلغ الذى اقترضته الحكومات المؤقتة تحت رعاية المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى عام 2011 تخطى ثمانية مليارات دولار طبقا لما نشر على لسان وزراء بالحكومة، وعلى رأسهم وزيرة التعاون الدولى. ومعنى هذا ــ كما أشاروا ــ أن قيمة ما اقترضته الحكومات المؤقتة يمثل ثمانية أمثال متوسط الاقتراض الخارجى خلال حقبة مبارك.

 

وما أشبه ما حدث فى اليونان بما هو قائم فى مصر. مجموعة من قياصرة البيزنس تسيطر بالاشتراك مع المؤسسات المالية والبنوك المحلية والإقليمية والدولية على الاقتصاد. تتوغل فى لحمه، ينزف فتهيج غرائزها أكثر وتضغط بأظافرها لتتوغل أكثر وأكثر. تروج لحلم تحقيق معدلات نمو اقتصادى كبير سوف ينعكس على تحسن الحالة المعيشية للشعب. تروج لحلم البورصة والمكسب السريع. اشتروا أسهم، اشتروا سندات، اشتروا وثائق فى صناديق استثمارية تنشئها البنوك وشركات التأمين وسوف تربحون أموالا سريعة وسهلة. المكسب هو منتهى الأمل. ربط القياصرة قطاعات الاقتصاد بقنوات ضخ مالى لتعظيم الاستهلاك. روجوا لبطاقات الائتمان وأسروا للشعب بصوت دافئ: سوف نقرضك لتستهلك أكثر، نعم سوف تكون عبدا لنا، ولكنك سوف تسعد بمقتنياتك الجديدة. وعندما لاحت بوادر الأزمة بدأ القياصرة فى التأكيد على قدرة الاقتصاد على مواجهة الأزمات المالية بفضل حكمتهم الإدارية وسياساتهم المحافظة. ثم عندما تتفجر الأزمة فى وجه الجميع ويتمزق لحم الاقتصاد فى أياديهم القذرة، يعلن القياصرة أن على الشعب تحمل تبعات تقاعسه عن العمل الجاد. يجلسون فى مقاعد وثيرة داخل برامج وسائل الإعلام المختلفة ويقولون فى هدوء إن الأزمة مسئولية مشتركة بين جميع الأطراف. وعندما يصرخ الناس قائلين إن المكاسب السابقة ذهبت كلها فى كروش هؤلاء الذين نهبوا البلد، يكون الرد: سوف نغير إذن النظام بناء على أوامركم يا شعب يا جميل.

 

يعرض الفيلم ما حدث فى الإكوادور. ويطالب الشعب اليونانى أن يحذو حذو الإكوادوريين. ففى يوليو 2007 قامت الإكوادور بفحص حسابات الديون بعد أن بلغت قيمة ديون الإكوادور عام 2006 مبلغ 4.2 مليار دولار. (أذكركم أن مصر اقترضت فى عام 2011 مبلغ 8 مليارات دولار). وأثبت الفحص أن هناك قروضا غير شرعية، وأعلن بعد التدقيق المحاسبى «رافايل كوريا» الرئيس الاكوادورى بعدم التزام بلاده بدفع 3.8 مليار دولار من قيمة القروض المستحقة على بلاده.

 

ما هى عملية فحص وتدقيق حسابات ديون الدولة؟ معناه باختصار إعطاء إجابة عن سؤالين. الأول: كيف تم إنفاق هذه الديون؟ والثانى: ماذا كانت الشروط التعاقدية للقرض؟. وهذا التدقيق المحاسبى يهدف فى النهاية إلى معرفة ما إذا كانت هذه الديون شرعية أو غير شرعية. تحمل شبهة فساد وإفساد أم لا تحمل. وهذا الحق فى الفحص المحاسبى لديون الدولة هو حق أصيل للمواطن مسجل فى القوانين الدولية ومذكور فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وفى الميثاق الدولى للحقوق المدنية والسياسية والذى تم اعتماده فى 16 ديسمبر عام 1966. فنص المادة 21 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان: «أن لكل فرد الحق فى الاشتراك فى إدارة الشئون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارهم اختيارا حرا». ويمكن أن يقوم بالتدقيق على الديون الأفراد والمؤسسات الأهلية كما حدث فى البرازيل فى إطار محكمة الشعب ضد الديون فى سبتمبر 1999، وفى يناير 2002 فى بورتو أليجرو. أو كما حدث فى السنغال فى ديسمبر 2000 فى إطار لقاء المقاومة لطرح بدائل. ويمكن إقامة التدقيق المحاسبى بدعوة من السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية.

 

●●●

 

ما يجرى فى مصر ينذر بأسوأ العواقب. فالسياسات الاقتصادية القائمة تعد استمرارا لسياسات مبارك وهى نفس سياسات اليونان وهى نفسها سياسات أيرلندا التى أودت بدولهم إلى حافة الكارثة. والسياسات الاقتصادية للأحزاب القائمة غير واضحة تماما فهى لم تخرج عن سلسلة من الشعارات الجوفاء. أما السياسات الاقتصادية لحزب الحرية والعدالة الحاصل على الأغلبية فى البرلمان ــ وبغض النظر عن  ديمقراطية وشرعية ونزاهة العملية الانتخابية ــ فهى لا تخرج عن نفس السياسات المشوهة للرأسمالية التى سوف تلقى بالاقتصاد المصرى نحو مصير دولة الديونقراطية. فالإخوان المسلمون فى رؤاهم الاقتصادية هم جزء لا يتجزأ من هؤلاء القياصرة ذوى الأسنان اللامعة التى تبرق عندما تتحدث عن الأسهم والسندات ودفع حركة الاستهلاك العالمى. نحن سائرون لا محالة مع هؤلاء الساسة نحو مزيد من الأزمة الاقتصادية والمالية. فالمجلس العسكرى والإخوان المسلمون والسلفيون ورجال مبارك وقياصرة البيزنس وأحزاب أخرى صغيرة، جميعهم يفكرون بنفس منطق التفكير الاقتصادى الذى نعيش فى كنفه منذ سنوات، حتى لو تحدثوا اليوم عن سياسات عدالة اجتماعية. وفى ظل الديونقرطية لن يكون لنا فكاك. 

 

فعلينا اليوم كأفراد وكمؤسسات مجتمع مدنى أن نبدأ فورا فى طرح بدائل، والبدء فى خطوات عملية التدقيق المحاسبى عن ديون مصر، هذا حقنا أن نعرف الشروط التعاقدية للقروض، وأين ذهب كل مليم من هذه الديون. هذا حق المواطن المصرى وأنا شخصيا لن أفرط فى حقوقى.    

خالد الخميسي  كاتب مصري