مجلس حكماء.. غيّبوا فيه النساء - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مجلس حكماء.. غيّبوا فيه النساء

نشر فى : الثلاثاء 26 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 فبراير 2013 - 8:00 ص

تخوض النساء فى بلدان «الربيع العربى» معارك متعدّدة لعلّ أهمّها اكتساب الحقّ فى المواطنية الكاملة لاسيما بعد ظهور مؤشرات تثبت مسلكا نكوصيا يريد الحدّ من مكتسبات النساء، والعودة بهنّ إلى مؤسسة الحريم. ولئن اعتبرت المرأة التونسيّة أنموذجا يقتدى فإنّ ما جرى خلال السنتين، يُقيم الدليل على أنّ السعى إلى التراجع بمنزلة النساء سمة مشتركة بين جميع المسئولين عن المسار الانتقالى.

 

فبعد تهميش حضور النساء فى تشكيل الحكومات التى تعاقبت بعد الثورة، واستبعادهن من وسائل الإعلام والحوارات السياسية، فوجئ الرأى العامّ بتشكيل السيّد حمّادى الجبالى مجلس حكماء لا وجود فيه للنساء. وهو أمر يثير أكثر من تساؤل حول النظرة إلى النساء فهل نحن إزاء مواطنين يتمتّعون بكامل حقوقهم، ومواطنات فى مرتبة أدنى؟ هل أنّ إدارة الشأن السياسى فى هذه المرحلة الدقيقة والمتأزمة التى تمرّ بها البلاد، أضحى شأنا ذكوريّا لا تستشار فيه النساء عملا بقول ابن المقفع إياك ومشاورة النساء، فإنّ رأيهن إلى أفن؟ ولئن كنّا واعين بعودة التمثلات الاجتماعية والدينيّة فإنّ رئيس حكومة ادّعت أنّها حكومة جميع التونسيين والتونسيات قد برهن بتشكيله هذا المجلس، على تصوّر تقليدى لمفهوم السياسة ولموقع النساء فى المجتمع يتعارض مع بناء الديمقراطية.

 

•••

 

فبالرغم من دخول التونسيات معترك الفعل السياسى وسعيهن إلى أن يكنّ فى مواطن صنع القرار إلا أن التجربة أثبتت رفض القيادات السياسية فى أغلب الأحزاب، أن تكون المرأة فى الصدارة، وإن أقرّ بعضهم بأنّ صياغة رؤية سياسية لابدّ أن يشترك فى وضعها الرجل والمرأة.

 

وبيّن أنّ البنى الذهنية لا تنظر إلى النساء على أساس أنّهن مؤهلات لإبداء الرأى فى الشأن السياسى واقتراح الحلول الملائمة، والحال أنّ التاريخ يثبت دور كاهنات العرب، وحكيمات العرب فى تغيير مجرى الحروب، فضلا على تولّى عدد من النساء إدارة الشأن السياسى لعلّ أهمّهم بلقيس، وشجرة الدرّ والملكة أروى وغيرهن.

 

غير أنّنا نعيش اليوم انتعاشة المؤسسة البطريكية التى تروّج لنقصان عقل المرأة، وللفصل بين معارف الرجال ومعارف النساء، وهندسة الفضاءات وفق معيار التمييز بين الداخل والخارج، العمومى والخاص.. ونذهب إلى أنّ وراء إقصاء النساء من إبداء الرأى فى إدارة الشأن السياسى تصوّرا يسترجع آراء السلف حين اعتبروا أنّ النساء خلقن من الضلع الأعوج ومن صفاتهن «ركاكة العقل»، أمّا الرجل قد تميّز بـ«الذكورية»، وهو مظنة الشرف والكمال ولهذا تختص الذكور بالولايات فى السياسات والشهادات والأقضية والأموال دون النساء. فإنّهن ربات حجر وخيارهن ناقصات عقل ودين. (القرطبى، الجامع لأحكام القرآن).

 

•••

 

لقد تعالت أصوات النساء بعد الحراك العربى، وقررن خوض معارك متعدّدة إيمانا منهن بأنّ تغيير منزلتهن هو جزء من معادلة التغيير، ولكن بموازاة تلك المعارك كان لابد على القوى السياسية والاجتماعية الداعية إلى تحرّر المرأة والداعمة لمبدأ المساواة بين الجنسين، أن تسعى إلى التأثير فى الواقع الاجتماعى الذكورى بغية تغييره.

 

ولعل تعبير التونسيات عن غضبهن وإصرارهن على تغيير هذه المواقف التى تستهزئ بمواطنيتهن وكفاءتهن يكشف عن وعى جديد بدأ يتشكل عند أغلبهن، وعن يقظة. لقد أخذت التونسيات يُلفتن النظر إلى طبيعة ما طرحنه من أفكار وتصورات ووجهات نظر، وبرهن على قيمة ما يمكن أن يضفنه فى هذا المجال، وبالشكل الذى يثرى ويدفع نحو نقاشات جادة، تدار بطريقة جديدة ومختلفة عن السابق.

 

ولكن تبدو معركة تحرير الإنسان، وترسيخ قيم الثورات (الكرامة، المساواة، العدالة..) صعبة طالما أنّ المسئولين عن إدارة الانتقال الديمقراطى يصدرون عن عقليّة ماضويّة. فأنّى لمن آمن بـ«خالفوا النساء فإنّ فى خلافهن البركة» أن يصغى؟

 

 

 

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات