هارون الرشيد.. «الأمير المجهول»! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هارون الرشيد.. «الأمير المجهول»!

نشر فى : الجمعة 26 يوليه 2019 - 10:25 م | آخر تحديث : الجمعة 26 يوليه 2019 - 10:25 م

«كانت الدنيا حكمها عربى
بكتاب الله أطهر الكتب
منهج الحكم الرشيدى
عندما كانت أمة العرب تُشهد الدنيا عصرها الذهبى
عصر هارون الرشيد..».
... وأواصل الحديث عن بعض ملامح الدراما التليفزيونية التاريخية التى ازدهرت وتألقت على شاشة التليفزيون المصرى فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، قبل عصر السماوات المفتوحة، وظهور الفضائيات، والانفجار المعلوماتى والتقنى فيما بات يعرف بثورة الاتصالات..
ومن هذه المسلسلات؛ وهى كثيرة، ومنها ما يستحق حديثا منفصلا، يحتل مسلسل «هارون الرشيد» أو (الأمير المجهول) موقعه من بين أجمل وأحب المسلسلات التاريخية إلى قلبى، ولا أزعم أننى ناقد للدراما التليفزيونية، ولكنى مجرد مشاهد متذوق أحاول فقط أن أفسر سبب إعجابى أو تعلقى بهذا المسلسل أو ذاك. وأذكر أننى ومنذ سن مبكرة جدًا التقطت أذناى اسم هارون الرشيد من حلقات «ألف ليلة وليلة» (الإذاعية ثم التليفزيونية)، وربطت مخيلتى مبكرًا بين أى مظهر للثراء والبذخ والنعيم الباهر وبين هذا الاسم، ولم أكن فى ذلك الحين أمتلك المعرفة الكافية لكى أفرق بين الصورة التى أراد لها الأدب الشعبى والمخيلة الشعبية أن يكون عليها الخليفة هارون الرشيد، وبين الصورة التى يسجلها التاريخ، ويرويها المؤرخون، وهى تفترق مسافات بكل تأكيد عن الصورة الأولى. (بالتأكيد لم يفت هذا الموضوع المغرى باحثا أو أكثر حاول أن يرصد صورة خليفة العصر الذهبى للمسلمين فى العصر العباسى بين الأدب والتاريخ مثلا، أو صورته بين الفولكلور والتاريخ.. أقول هذا وليس تحت يدى نماذج بعينها لمثل هذه الدراسة أو هذا البحث!).
أعود إلى مسلسل الأمير المجهول أو «هارون الرشيد»، الذى قام ببطولته الفنان الراحل المثقف نور الشريف مع كوكبة من ألمع نجوم الدراما التليفزيونية فى مصر، منهم عبلة كامل، وعبدالرحمن أبوزهرة، ورشوان توفيق، ومحمود الجندى، ومصطفى متولى.. إلخ. القصة والسيناريو والحوار كانت للراحل العظيم عبدالسلام أمين، ومن إخراج أحمد توفيق وإنتاج قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون.
واحد وأربعون حلقة، كنت أتابع من خلالها سرد جوانب من سيرة وحياة الخليفة الأشهر هارون الرشيد الذى وصلت الإمبراطورية الإسلامية فى عهده إلى أقصى اتساع لها، ودانت ثلاثة أرباع الدنيا المعروفة، فى ذلك الزمان، لحكم هارون، من حدود الصين شرقا حتى جبال البرانس جنوب فرنسا، ومن جنوب أوروبا وشمال المتوسط حتى أواسط إفريقيا جنوبا.
وأثر عن هارون قولته الشهيرة التى يخاطب فيها السحاب وهو يمر من أمام ناظريه، فيقول: «اذهبى أنى شئت.. فسيأتينا خراجُكِ» أى ما تلقينه من أمطار فيصيب الأرض فتنبت الزرع والثمر ويحصد ثمره فيأتى خيره للحاكم هارون، ويضرب بها المثل على اتساع الرقعة وإحكام القبضة وممارسة كامل السيادة على هذه المساحات المترامية الشاسعة من الكرة الأرضية والخاضعة لحكمه.
لكن لم يكن هذا فقط هو الذى ميز عصر هارون وجعله من أبهى عصور التاريخ، فقد كان عصره عصر ازدهار وتألق للفنون والآداب والشعر والغناء والتلحين وجميع مناحى الإبداع والتأليف، كانت المجتمعات الإسلامية فى ظل السيادة العباسية تنعم بحركة هائلة من النشاط الاقتصادى والتبادل التجارى والحراك المجتمعى، وبشكل لم يسبق له مثيل، حركة إنسانية واسعة النطاق لا يقل مداها ولا درجة نشاطها فى ما أزعم عن ما شهدته أوروبا فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
كان المسلسل حقيقة حافزا ومحرضا على قراءة الكثير والكثير عن هذا العصر وهذه الشخصية، كم رهيب من الأسماء والشخصيات كنت أسمع عنها لأول مرة من خلال المسلسل، وأحاول أن أبحث عن خيوطها فى كتب التواريخ والتراجم والسير، كنت أسمع عن نكبة البرامكة، ولكنى لم أكن أعلم شيئا عن تفاصيلها وحوادثها المعقدة المتداخلة، وعندما شاهدت ما عرض له المسلسل من بعض أحداثها وجوانبها (مثل قصة غرام الوزير جعفر البرمكى بأخت هارون الرشيد) كان ذلك دافعا قويا لقراءة كل التفاصيل المتعلقة بالبرامكة وتاريخهم والدور الذى لعبوه فى الحضارة العربية الإسلامية. وكان كتاب المرحوم أحمد أمين عن هارون الرشيد هو المدخل الأكثر ملاءمة ومناسبة للتعرف الأولى على هذه الأمور جميعا والانطلاق منها فيما بعد إلى آفاق أبعد وأوسع..
(وللحديث بقية..).