ماذا يبقى من التعليم؟ - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 3:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يبقى من التعليم؟

نشر فى : الخميس 27 فبراير 2014 - 2:05 م | آخر تحديث : الخميس 27 فبراير 2014 - 2:05 م

نزل علىّ قرار مد أجازة منتصف العام الدراسى والجامعات أسبوعين آخرين نزول الصاعقة. يعنى القرار أن الأجازة امتدت لشهر ونصف الشهر، وأن شهرا كاملا قد خصم من فصل دراسى لا يتجاوز عادة الشهرين ونصف الشهر بما فى ذلك من أجازات رسمية مبالغ فيها واقتطاعات من زمن التدريس الأصلى لأسباب متنوعة مثل امتحانات منتصف الفصل الدراسى والاضطرابات التى ازدهرت فى السنوات الأخيرة داخل الجامعات لاعتبارات سياسية وغير ذلك من الأسباب. يتفهم المرء كثيرا دواعى تأمين الجامعات لكن شهرا كان كافيا (أسبوعا الأجازة وأسبوعا المد الأول) للوفاء بمتطلبات التأمين خاصة أن جهاز الشرطة لدينا لا يبدأ من الصفر بطبيعة الحال. غير أن الصاعقة الأشد تمثلت بالتأكيد فى النهج الذى واجه به المسئولون ــ وبالذات فى وزارة التربية والتعليم ــ قرار مد الأجازة، ويتلخص هذا النهج فى حذف أجزاء من المقررات الدراسية. نسمع منذ سنوات أن مناهجنا الدراسية قد تخلصت من «الحشو» فإذا كان هذا صحيحا كيف نبرر من وجهة نظر تعليمية بحتة هذا الحذف؟

•••

أثار فضولى ما قرأته فى صحيفة « الأهرام» عدد الأحد 23 فبراير عن الأجزاء التى يُنوى حذفها من المقررات، ومنها على سبيل المثال حذف نص «رسالة إلى ابنى» ودرس «كن إيجابيا» من منهج اللغة العربية للصف الثالث الإعدادى، ونص «مصر مطلع البدور» ودرس «صناعة المستقبل» و«العمل التطوعى والثورة الحقيقية» للصف الأول الثانوى، كذلك تم حذف الفصل الخاص بـ«التفاعلات النووية» من مادة الكيمياء فى الصف نفسه و«مملكة الحيوان» من مادة الأحياء (1). وبغض النظر عن القيم الإيجابية والتوجهات المستقبلية والقيمة العلمية التى سوف يخسرها الطلاب من حذف الموضوعات السابقة وغيرها الكثير فإن السؤال لماذا أُدخلت أصلا فى صلب المقررات إذا كان التخلى عنها سهلا إلى هذا الحد؟ يلفت النظر كذلك ما كتبته مندوبة «الأهرام» نيفين شحاتة عن أن اللجنة المختصة بالحذف سوف تتطرق «لمناقشة حذف أجزاء من مناهج الثانوية العامة نظرا لشكاوى الطلاب من طول مقررات بعض المواد والحشو الزائد». يا الله! ولماذا لم يتم الالتفات إلى «الطول البالغ» و«الحشو الزائد» قبل مد الأجازة للمرة الثانية؟ إن النظر فى تكوين «لجنة ــ الحذف» من مستشارى المواد الدراسية بالوزارة وموجهى العموم بالمحافظات يؤكد أنهم إما صانعو هذه المقررات أو أصحاب رأى فيها أو متابعو تدريسها فلماذا لم ينتبهوا إلى عيوب «الطول والحشو» قبل ذلك؟ لتطمئن اللجنة لما تفعله على أى حال لأن «اتحاد طلاب مدارس مصر» طالب وزارة التربية والتعليم بحذف أجزاء من مناهج الثانوية العامة بما يتوافق وعدد أيام الدراسة الفعلية وهى 40 يوما تقريبا بعد حذف أيام الأجازات الرسمية والجمعة والسبت وأيام الانتخابات الرئاسية. لم ينزعج الاتحاد لأن طول الفصل الدراسى أربعون يوما فقط وإنما أزعجه أنه «ليس من العدل أن يتم تخفيف المناهج على طلاب النقل دون الثانوية العامة» وفقا للبيان الذى أصدره. لم يفكر أحد إلا قليلا فى حلول بديلة ممكنة بل وسهلة للمشكلات التى ستترتب على قرار مد الأجازة فما العيب فى ظل هذه الظروف الضاغطة من تخفيض أيام الأجازات كإلغاء أجازة يوم السبت؟ لقد تمددت أجازة «شم النسيم» بفعل فاعل فى السنتين الدراسيتين الأخيرتين إلى أسبوع، فإذا كان «شم النسيم» يوما وعيد الفصح السابق عليه يوما ثانيا والسبت السابق عليهما أجازة أصلا فماذا نفعل فى أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس سوى أن نواصل هدم نظامنا التعليمى؟ والمشكلة أن ثمة حلا منبوذا من صانعى القرار المعنيين وهو مد الفصل الدراسى أسبوعين، وليس واضحا ما هو الضير فى هذا الحل اللهم إلا تقليل الأجازة الصيفية قليلا. لقد نفى وزير التربية والتعليم (قبل استقالة الحكومة) أى نية لإلغاء أجازة السبت فلماذا؟ كما أن الموقف من أجازة «الأسبوعين» لشم النسيم مازال غامضا ويفترض أن المسئولين سوف يخجلون من استمرار هذا الوضع فى الظروف الراهنة. لم يشذ عن هذا النهج بوضوح فيما قرأت من تصريحات سوى الدكتور جابر جاد نصار رئيس جامعة القاهرة الذى منح مجالس الكليات صلاحيات اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعويض فترة التأجيل، وأوضح أن البدائل المتاحة تتمثل فى إلغاء أجازة السبت وتكثيف المحاضرات فى اليوم الواحد أو مد الدراسة بالفصل الحالى أسبوعين لتعويض التأجيل الثانى للدراسة. من هنا يمكن أن تبدأ مناقشة تقارير الآثار الكارثية لإطالة أمد أجازة منتصف العام شهرا كاملا بالإضافة إلى أسبوعى الأجازة الأصلية.

•••

لدى الانطباع منذ عُمم نظام الفصلين فى الجامعات المصرية منذ سنوات ليست بأن السبب الأصيل فى هذا التعميم هو شغل الطلاب لاعتبارات أمنية أكثر منه تطوير التعليم، إن نظام الفصلين بالغ الجدية حين تتوافر شروطه وأولها أن الفصل الدراسى فى الجامعات المتقدمة لا يقل عادة عن ثلاثة شهور ونصف. أما لدينا فإن الفصل الدراسى لا يزيد على شهرين ونصف إن لم يقل عن ذلك ويتخلل هذه المدة القصيرة عدد هائل من أيام الأجازات الرسمية لاعتبارات دينية وسياسية وحضارية (كالاحتفال بشم النسيم) واختبارات منتصف الفصل الدراسى وإلحاح الطلاب على ضرورة الانتهاء المبكر من عملية التدريس حتى يستعدوا للامتحان جيدا وكأنهم يلعبون طيلة الفصل الدراسى، وعادة ما تستجيب إدارات الكليات لإلحاحهم هذا بتحديد مواعيد مبكرة وملزمة للانتهاء من المحاضرات.

•••

فى احتفال معهد البحوث والدراسات العربية بتكريم الفائزين بالجوائز التى يقدمها المعهد لأفضل الدراسات العربية فاجأ الدكتور حسام عيسى نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالى فى الحكومة المستقيلة الحاضرين فى الكلمة التى ألقاها بحديثه عن عدم رضاه عن مستوى الجامعات المصرية إلا قليلا، بل وعن تشاؤمه بخصوص إمكانية تطبيق الأفكار الإبداعية التى أتى بها نفر من العقول المتميزة من أبناء مصر كلفهم بالنظر فى تطوير التعليم الجامعى نظرا لوجود منظومة من أصحاب المصالح فى استمرار الوضع الراهن بل وتكريسه، فمتى نفيق إلى أن تعليمنا فى خطر؟

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية