مصر تدشن نظامـًا عالميـًا جديدًا - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر تدشن نظامـًا عالميـًا جديدًا

نشر فى : السبت 27 يوليه 2013 - 9:40 ص | آخر تحديث : السبت 27 يوليه 2013 - 9:40 ص

من المعروف أنه عندما تقع أحداث عالمية ضخمة قادرة على صنع تغيير جوهرى عما كان من قبل هنا ينتقل العالم إلى نظام جديد بمقومات جديدة. فمثلا كان انتصار الحلفاء (أمريكا ـ إنجلترا ـ فرنسا ـ روسيا) على المحور (ألمانيا ـ النمسا ـ إيطاليا) فى الحرب العالمية الثانية 1945هو الحدث الذى أدى إلى انقسام العالم إلى قسمين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتى.

ومن هنا دخلنا إلى عصر ما يسمى بعصر القطبين ومن هنا أيضا بدأت حركات التحرر من الاستعمار الغربى التقليدى بكل أشكاله، وكانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى يساعدان أى دولة للتخلص من الاستعمار القديم وبعد تحررها يحدث تنافس بين القطبين للسيطرة على مثل هذه الدول، وقد أعطى هذا النظام لدول العالم الثالث التى تحررت هامشا من الحركة بين القطبين لتحقيق مصالحها، وهكذا أيدت أمريكا وروسيا الثورة المصرية عام 1952.

وفى العدوان الثلاثى (إنجلترا ـ فرنسا ـ إسرائيل) على مصر عام 1956 بسبب تأميم جمال عبدالناصر لقناة السويس كان الإنذار الأمريكى لقوات هذه البلدان بالانسحاب هو الفاعل الأكبر لتحقيق الانتصار لكن عندما رفض البنك الدولى إقراض مصر لبناء السد العالى اتجه عبدالناصر إلى الاتحاد السوفييتى وحقق مشروعه وفى عام 1967 عضدت أمريكا إسرائيل لتنتصر فى الحرب ضد الدول العربية فاجتاحت سيناء والجولان والضفة الغربية للأردن.

وعندما خلف السادات، عبدالناصر وبرؤيته الثاقبة أدرك أن الاتحاد السوفييتى بدأ فى التحلل والضعف، فكان طرده للخبراء الروس قبل حرب 1973 وقام بحرب محدودة انتصر فيها ثم أكمل الطريق بمعاهدة السلام مع إسرائيل، بعد أن قال قولته الشهيرة إن 99% من أوراق اللعبة فى يد الأمريكان، وقد صدقت نبوءة السادات وانهار الاتحاد السوفييتى عام 1989.

وهكذا انتقل العالم إلى نظام القطب الواحد الأمريكى، وكتب فى هذا الكثير منها الكتاب الأشهر تصادم الحضارات لصموئيل هينتجتون ونهاية العالم لـ«فوكوياما» ومع العولمة سقطت الحدود بين الدول وأصبح العالم ينحو نحو حضارة إنسانية واحدة حيث أصبح العالم قرية صغيرة تتحكم فيها أمريكا وهكذا استبدل العالم بنظام القطب الواحد نظام القطبين، وعندما وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 بفعل تنظيم القاعدة وسقط البرجان فى نيويورك هاج جورج بوش الابن نموذج القطب الواحد حيث طبق على الأرض مقومات النظام والتى تعتمد على: التفوق العسكرى الضخم والذى تطورت فيه أمريكا واستخدمته بشكل مبهر (طائرات بدون طيار ـ قذائف موجهة لإصابة الهدف دون ما حوله ـ قذائف تصهر الدبابات والأسلحة الثقيلة... إلخ)، وتفوق سياسى بإبهار العالم من خلال الدبلوماسيين النشطاء والإعلام فضلا عن ذلك التفوق الاقتصادى والعلمى.

•••

وقد أخذت حماقة القوة جورج بوش الابن إلى حد غزو العراق فى مغامرة غير محسوبة العواقب متجاهلا الأمم المتحدة ودمر الجيش العراقى مما أدى بالعراق إلى الارتماء فى أحضان إيران العدو الأول لأمريكا!!

لكن ما حدث بعد ذلك أن قوى أخرى بدأت فى الصعود مثل روسيا والصين، وظن البعض أننا سنعود ثانية لنظام القطبين أو الثلاثة، لكن المفاجأة جاءت مع الثورات الشعبية التى انفجرت فى تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، وبدأ التحرك الأمريكى من وهم أنه القطب الأول وراهن على التيار الإسلامى فى هذه البلدان لكى تحكم وتحقق مصالح الغرب وإسرائيل ورغم التعضيد الواضح لهذه القوى إلا أن الشعوب ثارت بدءا من مصر على التيار الإسلامى ولم تستطع أمريكا أن تحسم معركة سوريا لصالح الإخوان، وفى ليبيا انتصرت القوى المناوئة، ولأول مرة لم يستطع القطب الواحد أن يحسم الأمور لصالحه.

وكان السبب هو وعى الشعوب الكاسح خاصة فى أمريكا وروسيا وفرنسا وإنجلترا وتركيا والبرازيل والعالم الثالث هذا الوعى هو الذى أجبر فرنسا على سحب جيشها التابع للأمم المتحدة من أفغانستان بعد مصرع 11 جنديا كذلك الانسحاب من مالى بسرعة مذهلة بعد تحرير المنطقة التى استولى عليها الإرهابيون وهو ما لم يكن يحدث من قبل وكذلك رفض أوباما القيام بأى عمل عسكرى خارج أمريكا مهما كانت الأسباب بسبب ضحايا العنف فى الشرق الأوسط وآخرها مصرع السفير الأمريكى بليبيا فالشعب الأمريكى أصبح أكثر وعيا وهكذا وبسبب وعى شعوب العالم بحقوق الإنسان ورفض العنف والثورات السلمية فى العالم الثالث.

يتشكل الآن فى العالم حالة من اللا قطبية ونقول حالة لأنه لم يتبلور بعد إلى نظام ومقومات هذه الحالة أو النظام هى: أن السلاح مهما كان قويا ومتفوقا لن يحسم معركة خارجية أو داخلية، وكذلك الأيديولوجيا مهما كانت مسيطرة وقوية لن تستطيع التحكم فى الشعوب، وأن كل نظرية اقتصادية سياسية مهما كانت مقومات نجاحها وقوتها لن تحسم بمفردها مستقبل العالم.

•••

وإن كان القطب الأوحد (أمريكا) أو القطبان اللذان يحاولان الوصول إليه غير قادرين على حسم معاركهم الخارجية بالسلاح ولا فرض أيديولوجيتهم داخليا بسبب وعى شعوبهم هكذا فى دول الثورات الشعبية، لن يستطيع سلاح مهما عظم أن يحسم معركة ولا تستطيع أيديولوجيا مهما كانت قوتها أن تسيطر والنموذج الأمثل والأسبق مصر التى استطاعت أن تثور ضد حكم العسكر ثم تثور ثانية ضد الحكم الدينى فى أقل من ثلاث سنوات، لقد أصبح الشعب هو المفتاح وهو الحارس لإنجازاته وهو القادر على تحقيق إرادته والمتحكم فى مؤسساته ولم يعد أتباع أى فريق قادرين على فرض أنفسهم على البقية.

ولا يوجد حل سوى المصالحة والتوافق، ومن يلجأ إلى أى حل آخر فهو الخاسر الأكبر، لقد كان الشعب المصرى فى الماضى يلهث خلف شعوب العالم للحاق بها أما اليوم فقد أصبح نموذجا لإدراك المتغيرات العالمية مما جعله يدشن نموذجا محليا لتشكيل حالة عالمية جديدة سوف تتحول فى القريب العاجل إلى نظام عالمى جديد مختلف يدعى اللا قطبية والذى يمكن التعبير عنه بـ«معا... أو لا أحد» وهو تعبير نحتته خولة مطر كعنوان لمقال فى الشروق عن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين فى مصر فى تعليقها على إحدى الأزمات التى مرت بها هذه العلاقة أثناء حكم الإخوان.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات