محاولة لفهم ما طرأ على العقل الخليجى من تغيير - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاولة لفهم ما طرأ على العقل الخليجى من تغيير

نشر فى : الخميس 27 أغسطس 2020 - 10:45 م | آخر تحديث : الخميس 27 أغسطس 2020 - 10:45 م

ما الذى حدث لقضية العرب الأولى وللقدس ومسجدها الأقصى «الذى باركنا حوله» كما قال الله تعالى فى سورة الإسراء، مما يعنى أن البركة تمتد للأرض التى حوله، ما الذى حدث لمسرى الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ومعراجه وأول قبلة فى الإسلام وثالث الحرمين الشريفين.
ما الذى جعل دولة عربية غنية بمواردها وغير مضطرة ولم تُستَكره على هذا الأمر تندفع تجاه إسرائيل وتقيم معها علاقات كاملة مقابل لا شىء.. سوى ورقة التوت التى أظهرت أكثر مما أخفت.. فما إن أعلنت الإمارات أنها اتخذت هذه الخطوة لوقف ضم إسرائيل لثلث الضفة الغربية وغور الأردن حتى سارع نتنياهو إلى نفى ذلك تماما، قائلا إن ما تعهدت به إسرائيل ليس وقفا بل تأجيلا لهذه الخطة التى لن يتنازل عنها لأنها جزء من أرض إسرائيل ومن مبادئه وخطته التى تعهد بتنفيذها أمام الشعب الإسرائيلى.
إن مصر بموافقتها على إقامة علاقات «رسمية» مع إسرائيل، إنما فعلت ذلك لإنقاذ شبه جزيرة سيناء التى تبلغ مساحتها أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل. وكانت سيناء أكثر الأراضى العربية المعرضة للخطر لخلوها من السكان فى ذلك الوقت.. وفى هذا الصدد فقد نُقل عن موسى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى فى ذلك الوقت أنه قال «لقد صعدت إلى جبل الزيتون بالقدس يوم 10 يونيو 1967 بعد توقف القتال ونظرت فوجدت أن الفلسطينيين لم يفروا كما فعل أسلافهم 1948 بل دخلوا بيوتهم وأغلقوا على أنفسهم الأبواب والنوافذ، فعلمت أننا لم نكسب الحرب أو لم نكسب الأرض لأننا أخذناها بسكانها» وهذا يؤكد أن الأرض الخالية من السكان هى أكثر الأراضى المحتلة عرضة للضياع. فما الذى حصلت عليه الإمارات مقابل خطوتها الجريئة.. لابد أن هناك اعتبارات مقنعة على الأقل لصناع القرار دفعتهم فى هذا الطريق.
***
باعتقادى أن الأمر يعود إلى التغير الكامل الذى طرأ على المفاهيم والأفكار.. وهو التغير الذى يمس أساس الأمن القومى الخليجى كما يراه حكام الخليج الآن ــ والأمن الخليجى هنا يعنى فى المقام الأول أمن الأنظمة الحاكمة ــ فمنذ أن قام صدام حسين بغزو الكويت ومحوها كدولة من خريطة العالم وهروب أميرها وحكومته فى جنح الظلام إلى السعودية.. وما تلا ذلك من مظاهر تأييد لصدام حسين فى عدد من الدول العربية من بينها فلسطين، حتى حدثت مراجعة أساسية عميقة للثوابت وللأخطار التى تهددهم بل وللقومية العربية نفسها ومبادئها. فقد اقتنع شيوخ الخليج أن الخطر الذى يهدد عروشهم لا يأتيهم من إسرائيل.. كما ثبت لهم أن أمنهم لم يتحقق إلا من خلال التدخل الأمريكى الحاسم الذى حشدت له الولايات المتحدة قوة قوامها نصف مليون جندى مسلحة بأحدث ما على وجه الأرض من أسلحة وتكنولوجيا وهى التى قامت بطرد الجيش العراقى من الكويت وإعادة أميرها وحكومته إليها.. أمريكا الحليف الأول لإسرائيل هى المنقذ وهى الضمانة المؤكدة ومفاتيح أمريكا كلها بيد إسرائيل.. ومن ناحية أخرى فإن القومية العربية لم تعد سندا بل مصدرا للخطر، وقد لَمَسْت هذه المشاعر بنفسى أثناء وجودى فى السعودية كسفير لمصر فى أوائل التسعينيات، حيث سمعت كثيرا من يقول إن الأنظمة العربية التى تعتبر نفسها تقدمية وعروبية تحرض شعوب الخليج على حكامها وترفع شعار بترول العرب للعرب ــ وهى تعنى العرب من المحيط للخليج. لقد اهتزت القواعد التى تقوم عليها القومية العربية بغزو صدام للكويت ومطالبته للملك فهد باقتسام الدول الخليجية بينهم (سمعت ذلك بنفسى من الملك فهد أثناء الأزمة) باعتبار وجودها يشكل خطرا على الأمن القومى العربى، وما نسب لياسر عرفات من أنه قال: ستسطع شمس جديدة على الخليج.. ثم خروج المظاهرات الحاشدة المرحبة بالغزو فى بعض العواصم العربية ومن بينها صنعاء التى هتف منها المتظاهرون قائلين «بالكيماوى يا صدام ما تخلى السعودى ينام».. يضاف إلى ذلك تمدد النفوذ الإيرانى فى المنطقة العربية الذى يرى الخليجيون فيه خطرا مباشرا عليهم.
***
وهكذا نرى أنها كلها أسباب تدور حول الأنظمة والعروش ولا تنبع من أسباب جيوسياسية ولا يساندها الروابط التاريخية والثقافية والدينية واللغوية.. فلا أعتقد أن شعوب الخليج ترضى عن احتلال إسرائيل للقدس أو عن فرض سيادتها على المسجد الأقصى أو عن استمرار احتلالها للأراضى الفلسطينية وإذلال شعبها.
لقد أعلن ترامب أن دولا عربية أخرى اتصلت به وعاتبته أنه لم يدْعُها إلى عملية السلام مع إسرائيل مثلما فعل مع الإمارات، وأكد ذلك كوشنر صهر ترامب والمسئول عن ملف الشرق الأوسط فى إدارته، حيث أعلن أن المزيد من الدول العربية ستحذو حذو الإمارات بغضون تسعين يوما.
ونصيحتى للدول الخليجية أن تتمهل فى الهرولة وتحسب حساباتها بدقة وبعمق مع إدخال مشاعر شعوبها ومصالحهم فى العملية الحسابية.. واتقوا غضب الشعوب «واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون». صدق الله العظيم.
وتجدر الإشارة أن هذه الآية هى آخر آية نزلت من القرآن الكريم، حيث توفى بعدها الرسول بحوالى تسعة أيام، وبذلك هى تعتبر آخر وصايا الله ــ سبحانه وتعالى ــ للناس من خلال الوحى وتتضمن تحذيرا قويا يستحق التأمل والتدبر والمراجعة.

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات