نهر عبدالناصر - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نهر عبدالناصر

نشر فى : الإثنين 27 سبتمبر 2021 - 7:10 م | آخر تحديث : الإثنين 27 سبتمبر 2021 - 7:10 م
واحد وخمسون عاما، وكأنها ليست كافية لوقف ثارات جرى توريثها من خصوم شعب وليس رجلا اختار بالفطرة الانحياز إلى الفقراء والمهمشين، ساعيا لتحقيق آمال وطن ناضل ابناؤه طويلا لنيل حريتهم واستقلالهم من احتلال بغيض، وثالوث لعين يجمع «الفقر والجهل والمرض»، فى أجساد واهنة حطها الشقاء من عل فباتت ليالى على الطوى تبحث عن خلاص.
واحد وخمسون عاما على الرحيل فى مثل هذا اليوم (28 سبتمبر عام 1970)، غير أن هذه السنوات التى تخطت نصف القرن ليست كافية لطى صفحات من ماض شهد مئات الأحداث الكبرى التى لم تغير وجه مصر فقط، بل ومنطقتها العربية، وظهيرها الأفريقى، قبل أن تصل بدوامات تأثيرها شرقا إلى ربوع آسيا الفسيحة، وغربا إلى غابات أمريكا اللاتينة الكثيفة.
بين 15 يناير 1918، يوم مولده، و28 سبتمبر لحظة رحيله المفجع، 51 عاما عاشها جمال عبدالناصر ممسكا بجذوة نضال متصل ومتواصل سعيا إلى حرية بلاده التى ترفل الآن فى ثوب ما كانت لترتديه، مع ذلك هناك من يخرج علينا بسهام ظاهرها النقد، وجوهرها السم الزعاف للنيل من رجل يرقد فى ضريحه، بعد أن أدى رسالة يعجز كثيرون عن القيام بها فى ظل ما احاط بمصر فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين من تحديات ومعارك ضارية بين استعمار يرفض التخلى عن مغانمه، وشعوب صممت على دحر دابره.
لم يكن عبدالناصر الذى حمل ورفاقه الضباط الأحرار عبء تخليص مصر من استعمار جاثم على مقدرات شعب، وملك فاسد تفرغ للهو والعبث، وإقطاع استعبد الفلاحين وسرق نتاج عرقهم، قائدا مستوردا، ولا صنيعة قوى أجنبية، بل رجل خرج من طين بلد كان على موعد مع التاريخ لنفض غبار سنوات نالت من مقدراته وقدراته، وكادت أن تجهز على ما تبقى من انفاسه.
جاء عبدالناصر فى لحظة فارقة فى تاريخ مصر، معبرا عن رغبة عظيمة فى التغيير، وتتويجا لنضال طويل بدأ مع أحمد عرابى الذى رفض أن نكون «تراثا أو عقارا»، ومرورا بكفاح مصطفى كامل ومحمد فريد، وصولا لمعارك سعد زغلول وثورة 1919، وما قدمه مصطفى النحاس من تضحيات فى سبيل «الاستقلال التام» عن أسد إنجليزى عجوز لم يكن يعرف إلا المناورة والخداع للبقاء ممسكا بزمام الأمور.
كافح المصريون أجيالا وراء أجيال لضمان حقهم فى السيطرة على مقدرات بلدهم، والتحكم فى قرارهم الوطنى، لكن الرياح لم تكن تأتى بما تشتهى السفن، حتى جاء عبدالناصر، ليس برياح عاتية لاقتلاع الظلم فقط، بل بنهر متدفق أعاد الحياة لأرض وادى النيل الخالد، وليعيد رسم خارطة مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يغير معالم الصورة إلى الأبد.
نهر عبدالناصر سبح فيه العمال الذين التحقوا بمصانع بنيت على عجل لتعويض ما فات، واغتسل منه الفلاح الذى بات سيدا للأرض بقوانين إصلاح زراعى كانت حلما، وبسد عال حماه من الفيضان، كما تعمد فى النهر ذاته آلاف الطلاب ممن تعلموا مجانا فى الجامعات والمعاهد التى راحت تحاصر، بالعلم والمعرفة، مظاهر الجهل والخرافة، وتفتح نوافذ على الخير والجمال بفنون مختلفة الألوان استهدفت القضاء على قبح النفوس قبل الأبدان.
اليوم يرقد عبدالناصر فى قبره، غير أن ما تركه للمصريين من إرث، بحلوه ومره، جدير بأن يكون دافعا للنظر المنصف لصفحة من تاريخ مصر تستحق الدراسة بعيدا عن التحزب والقناعات المسبقة التى تشوبها الأهواء. حان الوقت للتخلص من أحقاد قديمة، ليس حبا فى حقبة تاريخية بعينها، بل حرصا على استلهام معارك خاضها المصريون فى ظل قيادة ناصر الذى جسد تطلعاتهم إلى غد أفضل لـ«شعب سيد فى وطن سيد».
التعليقات