موازنة الدولة.. تقشف على المتقشفين وبحبحة على «...» - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موازنة الدولة.. تقشف على المتقشفين وبحبحة على «...»

نشر فى : الأحد 28 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 28 أبريل 2013 - 8:00 ص

السيدات والسادة أعضاء المجلس الموقر.. «يتعين الإشارة إلى أن خطة الدولة قد توخت الوسطية، والاعتدال، درءا لطموحات صعبة المنال، وتجنبا لواقع قد يفرض الجنوح، لمستهدفات متواضعة، لا تحظى بالقبول العام». اعتدلت فى جلستى أمام التليفزيون، وأزحت كوب الشاى بعيدا، وأغلقت التليفون المحمول، حتى أستعيد كامل تركيزى، لأكمل ما كنت أسمعه من حديث للدكتور أشرف العربى وزير التخطيط والتعاون الدولى، أمام مجلس الشورى الموقر. خاصة أن بيانه جاء فور انتهاء وزير المالية المرسى حجازى من إلقاء تفاصيل الموازنة العامة للدولة للعام المقبل، فجاء مكملا له.

 

والحقيقة أن هذا القول المختصر الذى جاء فى بيان وزير التخطيط، كان كافيا لتفسير كم الاستفزازات التى جاءت فى بيان وزير المالية. ذلك البيان الذى يبشرنا بأنه ليس هناك ثمة خير تحمله موازنة (أول رئيس منتخب بعد الثورة) لفقراء هذا البلد. قول وزير التخطيط يشرح لنا كيف أعدت الحكومة عدتها بحيث لا يكون لأحد ممن خطط للثورة، أو شارك فيها، أو حلم بها، أو شاهدها عن بعد، الحق فى أن يطمح فى تحقيق الثورة على الأرض.

 

يفاجئنا بيان وزير التخطيط، بأن الحكومة تطالبنا بأن نفضها سيرة من أحاديث ميادين يناير وألا نطمح بأكثر مما تستطيع الحكومة تحقيقه. فالثورة فى نظر الحكومة قد أنتهت، وعلينا ألا ننظر بعيدا عن وقع أقدامنا. وعلى الحالمين فى هذا البلد بثورة حقيقة، أن يخفضوا من سقف أحلامهم، وينسوا الحديث عن أن الفعل الثورى معناه أحداث تغييرا جذريا فى تركيبة المجتمع اقتصاديا واجتماعيا بالكامل.

 

●●●

 

السادة واضعو موازنة الدولة للعام المقبل، لم يتعد طموحهم فى السخاء على ذوى الدخول المسحوقة، سقف يوسف بطرس غالى وزير مالية الرئيس مبارك (والذى يرجع لسياساته الفضل الأكبر فى قيام الثورة). فغالى كان يبحث رفع حد الإعفاء الضريبى على صغار الموظفين والعاملين فى الحكومة والقطاع العام والخاص إلى حد 12 ألف جنيه فى العام، وهذا ما فعلته بالضبط حكومة ما بعد الثورة. ففى ظل الموازنة المقبلة سوف يعفى فقط من الضرائب من يقل مرتبه فى الشهر عن ألف جنيه. أما من يتقاضى ألف جنيه فما فوق فسوف يدفع ضرائب. أى أن رب الأسرة الذى يتقاضى ألف جنيه، وهو ما يجعله طبقا لتوصيف جهاز التعبئة والإحصاء من الفقراء سوف يدفع ضرائب.

 

ولم يراعِ السادة الوزراء من فاقدى نعمة الطموح فى الحكومة أن النقابات والجمعيات المدافعة عن حقوق العمال، تطالب حاليا برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1500 جنيه. وبذلك تلزم الحكومة من يتقاضى أقل من الحد الأدنى للأجور بأن يدفع ضرائب للدولة. وفى الوقت الذى يدفع فيه أصحاب المرتبات 21.4 مليار جنيه ضرائب فى الموازنة المقبلة، إلى جانب 2.9 مليار جنيه دمغات على مرتباتهم. فى ذات الوقت نجح المحترفون من المتعاملين فى البورصة وأصحاب شركات السمسرة ومساعديهم من لوبى أصحاب المكاتب الاستشارية من ذوى الأسماء الرنانة من كبار المحامين والمنظرين من أساتذة الاقتصاد فى الفضائيات أن يجهضوا محاولات مترددة من الحكومة لفرض ضرائب على الأرباح التى يحققها المتعاملون فى سوق المال، أو على توزيعات الكوبونات على المساهمين فى الشركات المقيدة فى البورصة.

 

وعليه فقد وافقت الحكومة (التى تخشى على شعبها من الطموح) على أن يدفع ضرائب هؤلاء الذين يعيشون، هم وأسرهم فى الشهر كله، بألف جنيه، بينما هى توافق على ألا يدفع من يحقق ارباحا بالملايين من وراء الاشتغال البورصة أية ضرائب. ووافقوا أيضا للأجانب على الإعفاء، بالرغم من أنهم يدفعون طواعية فى بلادهم فى الخارج، ذات الضرائب التى نعفيهم نحن منها.

 

●●●

 

وحتى عندما زادت الحكومة 400 مليون جنيه فى موازناتها، إلى بند تنمية الصعيد، الذى يعيش على أرضه نصف الفقراء تقريبا، لم تجد لديها ضررا ولا ضرار من أن تخصم نفس المبلغ الذى كان مخصصا (لإسكان محدودى الدخل) فى العام الماضى. حيث تم تخفيض المخصصات الموجه لهذا البند من 700 مليون جنيه فى الموازنة الحالية إلى 300 مليون جنيه، فى الموازنة المقبلة.

 

ويبدو أن الطموح لدى الحكومة لا يكون إلا لصالح أجهزتها فقط. فقد خصصت الموازنة 5% من المصروفات لبند الأمن. وهو نفس النصيب الذى تم تخصيصه لبند صحة المصريين. فقد وجدت الحكومة أن تحصين أفراد الشرطة بملابس جديدة، وأدوات تعذيب مستحدثة، تتلاءم مع التطور فى وسائل مقاومة المتظاهرين، يتساوى أهميته مع ما يخصص لعلاج الملايين من المصريين، الذى عانوا طويلا من انعدام الرعاية الصحية.

 

ويبدو أن سقف الطموح فى بعض الأحيان، ينخفض بحيث يكاد يلامس الأرض. فعندما تخصص الحكومة 100 ألف جنيه فقط فى العام المقبل لمحو الأمية. وهى المهمة الموجه بالأساس للفقراء والمعدمين. وهى تدرك بالتأكيد أن من يتم محو أميتهم سنويا، لم يزد على 100 ألف مواطن مصرى. فهى بذلك توافق ضمنا على أن تتخلص من عدد الأميين بعد 150 عاما. بينما الحكومة تخصص هذا المبلغ الهزيل لهذه المهمة التى تغير من أحوال شريحة واسعة من المصريين، هى على الجانب الآخر تعطى وبسخاء لبند النشر والإعلان والدعاية والاستقبال (121 مليون جنيه) لزوم تلميع الحكومة.

 

أما التقشف الذى سيصيب الأثرياء، والأثرياء جدا الذين يحصلون على دخل شهرى يبدأ من 416 ألف جنيه، وأنت طالع، فهو لا يزيد طبقا للإجراءات الحكومية الجديدة عن نسبة 5% على ضريبه الدخل، ليصبح إجماليها 30%. وهى نفس النسبة التى رفض أعضاء مجلس الشورى أن تطبق على الشركات خوفا من هروب الاستثمارات، فجعلوا الزيادة تنطبق على الأفراد فقط.

 

●●●

 

أما الضربة الكبرى لمحدودى الدخل فدائما ما تأتى من ضريبة المبيعات، وهى التى توصف بأنها أكثر أنواع الضرائب، من حيث عدم العدالة. لأنها تساوى عند الالتزام بها بين القادر وغير القادر. فقد زادت الحكومة من قيمتها فى الموازنة المقبلة بمقدار 19 مليار جنيه. وكانت الزيادة الأكبر من نصيب الحصيلة المقررة على السجائر. والتى يصل مقدار الزيادة فيها إلى 13.2 مليار جنيه، ليصل إجماليها إلى 32 مليار جنيه. وهذا يعنى أن العبء الأكبر سيقع على الأكثر فقرا، لأنهم ينفقون من دخلهم نسبة أكبر مما ينفقه أصحاب الدخول الأعلى على التدخين.

 

وفى حين لم تجد الحكومة لديها سوى 15 مليون جنيه فقط لتزيد البند المخصص لهؤلاء الذين يعملون فى المناطق النائية ويعانون معاناة شديدة من صعوبة الحياة. وجدت لديها أموالا تخصصها للنفقات السرية ذات الطبيعة الخاصة. بل ورفعت من هذا البند ليصل إلى 37 مليون جنيه. ولا نعرف لماذا يتقشف المصريون من أجل نفقات سرية للحكومة، ومهمات خاصة لا يعرفونها؟

 

ولا أعرف كيف لم يخجل وزير المالية وهو يقدم 3.1 مليار جنيه لدعم تنشيط الصادرات فى الموازنة، الذى لا يستفيد منه سوى 1700 من كبار رجال أعمال، بينما فى نفس الوقت يطالب وزير التموين باقتطاع 40% من المقررات التموينينة من الزيت. لأنه لم ينجح فى توفير أكثر من 4.2 مليار جنيه يزيد بهم من بند دعم السلع التموينية، وهو الدعم الذى يستفيد منه 67 مليون مواطن، وهذه الزيادة يصعب معها المحافظة على نفس المقررات فى البطاقات التموينية خاصة فى ظل الارتفاع فى أسعار السلع المستوردة بعد الزيادات المتتالية فى سعر الدولار مؤخرا. وهنا يعنى ببساطة أن كل فرد من مسحوقى الدخل، عليه أن يخفض استهلاكه، إلى ما يقرب من النصف من الزيت لكى يحافظ الوزير على نفس الدعم الذى يحصل عليه حفنة من رجال الأعمال.

 

●●●

 

ولكل من خطط للثورة، أو شارك فيها، أو شاهدها فى التليفزيون، أو حلم بها، ولم يرها، لا تكفوا عن الطموح. فقبول الواقع، الذى تطالبكم به الحكومة إثم كبير، فاجتنبوه.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات