ثورة فى خطر - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 6:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثورة فى خطر

نشر فى : الخميس 28 يوليه 2011 - 8:57 ص | آخر تحديث : الخميس 28 يوليه 2011 - 8:57 ص
يتزايد الإحساس يوما بعد يوم بأن ثورة يناير تواجه خطرا حقيقيا، وقد يكون داهما. مصادر الخطر عديدة، وهى بالمناسبة لم تبدأ من «موقعة العباسية»، وإنما سبقتها بكثير فى عمر الثورة القصير الذى تجاوز نصف العام بقليل. بدأ الخطر بتشرذم «ائتلافات الثورة»، ووصول عددها إلى رقم قياسى، ولا يعلم أحد على وجه اليقين كيف نشأت، ومن هم أعضاؤها، وما هى الأهداف التى تميزها عن غيرها إلى درجة الانشقاق. ترتب على ذلك أن كلمة «الثوار» فيما يجرى قد تبددت بين آراء كثيرة مع أن القواسم المشتركة بين هذه الائتلافات واضحة.

يرتبط بذلك فهمها للثورة والديمقراطية، فالثورة تعطى قواها الحق فى تحديد توجه الوطن، والديمقراطية مطلب أساسى للثوار، لكن البعض تصور أن مهمة قوة الثورة أصبحت تشبه جهاز أمن الدولة المنحل، تدقق فى خلفيات كل مرشح لمنصب مهم فى الدولة لتحرى ما الذى يمكن فى هذه الخلفية أن يحول دونه ودون هذا المنصب.

ولأن التنظيمات الثورية تشرذمت فإن «أجهزة أمن الثورة» تعددت، وارتبط بذلك نوع من «المراهقة الثورية» إذا جاز التعبير: «إنه لم يكن فى التحرير»، ولذلك لا يستحق أن يكون وزيرا، مع أن التحرير انتماء بالفكر والعمل وليس بالضرورة بالمكان، فيما يبنى آخرون مواقفهم من هذا المرشح أو ذاك على بيانات مغلوطة مائة بالمائة. تتغافل هذه الممارسات عن أن المفهوم الثورى الحق والمبدأ الديمقراطى الأصيل مفادهما أنك تعطى ثقتك إن أردت لمؤسسة تطمئن إلى أنها حفيظة على أهداف الثورة ومبادئها، ثم تحاسب فرديا أو جماعيا على أدائها اللاحق، وإلا أصبحنا إزاء حالة مفارقة للواقع من «الديمقراطية المباشرة» بعد أن اندثرت لاستحالة أن يحكم الشعب نفسه بنفسه مباشرة.

●●●

الخطر يأتى أيضا من الإمعان فى اعتماد أسلوب المظاهرات والاعتصامات وسيلة وحيدة للنضال، وعندما ثبت أنه لا يأتى بالنتائج المرجوة بدأ تكتيك تعطيل مؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية، وهو تكتيك يصلح فى مواجهة دولة احتلال أو استبداد. وكان إغلاق مجمع التحرير مثالا صارخا على عدم الالتفات لمصالح الجماهير، فالمجمع يخدم مئات وربما آلاف البسطاء فى كل يوم، وربما يكون الكثيرون منهم بحاجة إلى إنجاز عمل يتوقف عليه مصيره أو مصير أبنائه، وعندما انتقد القائمون بهذا العمل فى حينه قالوا إنما فعلناه كى يعرف المواطن أن الحكومة بعدم استجابتها لمطالبنا هى المتسببة فى تعطيل مصالحه، مع أن المواطن سوف ينحى باللائمة أغلب الظن على من أغلقوا المجمع، وعندما شعر الذين أغلقوه بهذا تراجعوا عن قرارهم، وإن اهتموا بتعليق لافته تفيد فتحه «بأمر الثوار». امتدت الظاهرة أيضا إلى قطع الطرق ووصل الأمر إلى التهديد بإغلاق الممر الملاحى لقناة السويس.

والغريب أن «قوى الثورة» التى تتبع هذه الأساليب لا يبدو أنها تفكر فى الانتقال إلى الأسلوب الأرقى وهو النضال المؤسسى. يحلم المرء بأن يرى زعماء هذه الائتلافات يجلسون على منصات القيادة فى مؤتمرات حاشدة، يعرفون فيها بأنفسهم ورؤاهم ومطالبهم لعل الحوار بينهم يؤدى إلى قواسم مشتركة تساعد على زيادة فاعليتهم، ولعل المواطنين يطمئنون إلى الطابع الثورى لهذه الائتلافات التى لا يعرفون عنها شيئا.

●●●

أفضى هذا الخطر إلى خطر آخر لا يقل جسامة عما سبقه، وهو فقدان هذا النوع من السلوك «الثورى» تدريجا التأييد الجماهيرى. بدأت الثورة بفعل طليعتها الشبابية الواعية ثم انضمت إليها الجماهير لتحسم ميزان القوى فى غير صالح النظام الفاسد المستبد الذى اتفق الجميع على ضرورة إسقاطه، لكن المواطن العادى الذى أقدم بجسارة على هذا الفعل الأساس فى نجاح الثورة بدأ يشعر بتداعيات السلوك الذى نتحدث عنه على لقمة عيشه وحياته اليومية، وأرجو فى هذا الصدد ألا يخرج من يقول مجددا إن «الاقتصاد» يتوارى خجلا خلف الاعتبارات السياسية، فليس عيبا أن ينشغل المواطن بالبحث عن رزق أسرته، ولن يفهم الجميع أن عليهم أن يتحملوا لمدة غير محددة «وقف حالهم» فى انتظار «الرخاء الثورى».

ولقد حرصت على أن أسأل كل من أقابله فى الآونة الأخيرة من بسطاء العمال وأبناء الطبقة المتوسطة عن رأيهم فيما يجرى، وكان الإجماع أنه زاد على الحد، وربما يرجع هذا إلى قلة فى الوعى، وقد يصفه أنصار «الثورة الدائمة» بأنه منطق انتهازى استسلامى رخيص، لكنهم بهذا النهج لن يستطيعوا أن يوقفوا ظاهرة تآكل قواعدهم الجماهيرية. وعلى الثوار أن يقفوا أمام هذه الظاهرة طويلا، ويعملوا على وقف انتشارها والقضاء عليها بالنضال الثورى اليومى الذى لا ينفصل عن المصالح الحيوية للجماهير. يحدث هذا كله فى وقت نقترب فيه من المعارك الكبرى لبناء مستقبل الوطن كالانتخابات التشريعية، والسؤال المهم هنا هو: كم من الخطى قطعها «الثوار» فى سبيل الاستعداد لهذه الانتخابات التى قد تحسم مستقبل الوطن؟ أم تراهم سوف يكتفون بالتظاهر حال أتت الانتخابات بما لا تشتهى السفن؟

●●●

لكن الخطر على الثورة لا يأتى من هذه الشريحة من الثوار فحسب، وإنما من مؤسسات الحكم بعد الثورة التى تراخت طويلا فى العمل انطلاقا من روح الثورة ودافعيتها، ولذلك فإن عديدا من المطالب المشروعة العاجلة للثوار لم يتحقق، وبدت هذه المؤسسات غير قادرة على التخلص من إيقاع العمل وفق الطريقة التى ارتبطت بالنظام القديم: البطء فى اتخاذ القرارات ثم اتخاذها تحت ضغط من مطالب الثوار، ثم التراخى فى التنفيذ أو إطلاق يد البيروقراطية فى ذلك، وعدم التحقيق القضائى السريع فى بعض الأحداث المهددة للثورة بدءا من أحداث مسرح البالون إلى «موقعة العباسية».

ولا شك أن الشعب يريد أن يعرف المسئولين عن هذه الأحداث ومن يقف وراءهم، وأن يعرف ماهية هؤلاء «البلطجية» الذين بدوا غير مرة وكأن لهم اليد العليا فى الأحداث.

يضاف إلى ذلك تأرجح المؤسسات بين الحيدة السياسية والأمنية بشكل لافت يضر بالاستقرار أحيانا وبين التمسك بنهج للعمل سوف تستفيد منه قوى على حساب أخرى، وكذلك التناقض بين إدارة الأزمة المصرية بأسلوب الحوار الهادئ الرصين مع كل الأطراف وبين فقدان الصبر مؤخرا فى إعلان مواقف تفصيلية تتضمن اتهامات لبعض القوى السياسية، مع أن المنطق يقضى بأن من يملك دليلا يتعين عليه أن يقدمه للنائب العام.

ويرتبط بذلك تزايد مساهمة عدد من الضباط المتقاعدين الذين وصلوا إلى أعلى الرتب العسكرية فى الحوارات الدائرة وتوجيههم اتهامات قاسية لبعض القوى والأفراد. وعلى الرغم من أن تقاعدهم لا يكسب آراءهم صفة التعبير عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فإن إتاحة المنابر الإعلامية لهم على هذا النحو يجعل من حق الكثيرين أن يحسبوهم على هذا المجلس.

●●●

لهذا كله ولغيره تقف ثورة يناير فى مفترق طرق بالغ الخطورة، وما «موقعة العباسية» يوم السبت الماضى سوى شاهد على ذلك.

يطالبنا البعض بألا نبالغ فى تقدير الخطر، فخبرة التاريخ تفيد بأن الخطر سمة طبيعية فى بداية كل الثورات التى لا تلبث أن تتجاوزه بعد أن ترسخ أقدامها. لكن البعض ينسى أن خبرة التاريخ تشير أيضا إلى ثورات انتكست أو قضى عليها، ولن تكون ثورة يناير بإذن الله سوى ثورة منتصرة، لكن الأمر يستلزم منا جميعا ــ بكل ألوان الطيف السياسية والفكرية فينا ــ البحث عن «كلمة سواء» تكون هى البداية فى إنقاذ الثورة، وهى مهمة تاريخية تنطوى على تعقيدات جمة ومخاطر محدقة ومشقة بالغة، لكن الوطن يستحق منا أن نتصدى لها.
أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية