الإبراهيمى فى الثورة السورية تعثر أم انطلاق؟ - رابحة سيف علام - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإبراهيمى فى الثورة السورية تعثر أم انطلاق؟

نشر فى : الثلاثاء 28 أغسطس 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 28 أغسطس 2012 - 9:20 ص

يأتى الأخضر الإبراهيمى إلى سوريا مرتديا حُلة الدبلوماسى المحنك الذى احترف الوساطات الدولية مسجلا بها نهاية لصراعات طويلة ومؤلمة. لكنه يأتى أيضا ليطرق بابا أعيته سبعة عشر شهرا من الانتفاضة الشعبية التى تحولت إلى ثورة مسلحة وتكاد تنزلق إلى حرب أهلية يتقاذفها التنافس الإقليمى والدولى فى مشهد من مشاهد الحرب الباردة المستجدة. وإذ يخلف الإبراهيمى عنان فى تمثيل وساطة الأمم المتحدة والجامعة العربية فهو ينحو بسوريا بعيدا عن النموذج الليبى. ففى سماء ليبيا اجتمعت الدول العربية والغربية على الإطاحة بالقذافى عبر حظر جوى تطور أحيانا إلى قصف نوعى يطارد الطاغية ويدعم قوات الثورة على الأرض. لكن هذا النموذج لم يكن بوارد الانطباق على سوريا رغم جاذبيته التى أغرت الأسد بالتمادى فى القتل حتى جاوز حصيلة القتل التى خلفها القذافى، وأغرت أيضا المعارضة السورية للتجمع ضمن مجلس وطنى ينتظر تسلم الحكم بعد تنفيذ ضربات جوية غربية. وهنا صحت ببساطة مقولة «سوريا ليست ليبيا»، فسوريا ليست طافية على بحر من النفط وليبيا ليست محاذية لإسرائيل. فضلا على اختلاف درجة التجانس الديمغرافى والاشتباك الإقليمى مع دول الجوار.

 

لكن مهمة عنان تعاملت مع القضية السورية من منطلق النزاع المسلح أو الحرب الأهلية، فاستهدفت بالتالى وقفا لإطلاق النار ثم إدخال مساعدات إنسانية ثم التفاوض من أجل اقتسام السلطة. وبالتالى فقد أسقط هذا المنطق أحد أهم ملامح الثورة السورية، وهو أنها ثورة قامت بالاساس سلمية تطالب بالحرية والكرامة فواجهها النظام بالعنف ثم العنف ثم العنف. وبالتالى اضطر الأهالى إلى حمل السلاح لحماية أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتها، ثم اضطر الجنود للانشقاق لغسل أيديهم من جرائم النظام، ثم اضطروا فيما بعد لاستخدام اسلحتهم لحماية أنفسهم والأحياء والقرى التى تأويهم ثم تدحرجت كرة الثلج أو بالأحرى كرة النار.

 

•••

 

وهنا يُطرح السؤال: أى صفقة يحملها الإبراهيمى الى سوريا؟ أهى صفقة أقرب إلى اتفاق الطائف الذى أنهى عقد ونصف من الحرب الأهلية الطاحنة بتعديل صيغة الحكم كى يتقاسمه أمراء الحرب؟ فإن صح هذا الاحتمال فهو يكون قد أسقط أكثر وأكثر جوهر ما قامت من أجله الثورة السورية. فما يجرى فى سوريا ليس حربا أهلية بالمعنى اللبنانى للكلمة، ليست مجموعات مسلحة تتنافس للسيطرة على مقاطعات مذهبية ترعاها قوى إقليمية أو دولية. أما إذا كان القصد الوصول لاتفاق لتقاسم السلطة والثروة بين أقلية مستبدة وأغلبية مضطَهدَة على غرار النموذج الجنوب أفريقى، فهنا أيضا نقول أن النموذج لا ينطبق على الحالة السورية. فصحيح أن الطائفة العلوية التى احتكرت المناصب القيادية والمؤثرة فى حكم سوريا طوال أربعة عقود لا تتعدى الـ 12% من حجم السكان. غير أن الطائفة العلوية ذاتها عانت كثيرا من استبداد الأسد وعائلته، وقد رأينا كيف أن القرى ذات الكثافة العلوية التى شهدت تظاهرات فى بداية الانتفاضة الشعبية كانت تخضع لأشد العقاب والتنكيل من جانب النظام. ليس عدلا أن يتحمل العلويون جميعا وزر نظام حكم استبدادى ادعى تمثيل طائفتهم بنفس القدر الذى ادعى فيه تمثيل القومية العربية والمقاومة والممانعة. وإن صح أن الثقل الأكبر للأقليات السورية لم يلتحق بعد بالثورة خوفا على حقوقهم الأساسية بعد ما رشح عن الربيع العربى من صعود للإسلاميين، فإن ذلك لا يعنى بالضرورة تمسكهم بالنموذج الذى يمثله حكم الأسد بل هو اختيار المضطر بين ضررين أحدهما أقل من الآخر. 

 

وفى كلتا الحالتين لابد للإبراهيمى أن يدرك وهو يحصد دعما دوليا لخطته، أن الاستمرار فى خطة عنان لن يفضى إلا إلى فشل آخر، فتنحى الأسد صار نقطة البداية التى يجب أن تبدأ منها أى مفاوضات وليس الاكتفاء بوقف القمع أو نقل المساعدات. فقد استنفذ عنان خمسة أشهر من عمر الثورة دون أن يتمكن من إقناع دمشق بوقف العنف، بل على العكس استنفذ الأسد هذه الخطة ليتملص من الضغوط الدولية، ويكسب مزيدا من الوقت. على الجانب الآخر، ألزم الجيش الحُر نفسه بالهدنة أياما معدودة رغم كونه أقل مركزية وتراتبية مقارنة بجيش الأسد، ثم مالبث أن أهدر الهدنة هو الآخر ردا على استمرار القمع الأسدى. كما أن الكثير من المتغيرات قد طرأت على الساحة منذ فشل خطة عنان. فمن جهة استعرض الجيش الحر مواطن قوته بعد التفجير الذى نفذه عشية رمضان وأطاح بكبار عسكريى النظام، ولذا كان من أول الأطراف التى سعى الإبراهيمى للقائها عقب استلام مهامه لاستطلاع موقفه حول سبل حل الأزمة. من جهة ثانية، ضاقت دول الجوار الإقليمى بتفاقم الأزمة العسكرية والإنسانية فى سوريا وما خلفته من لاجئين توزعوا على الدول الملاصقة والمجاورة. فإحصاءات الأمم المتحدة تقدر اللاجئين المسجلين بدول الجوار بحوالى 150 ألفا فى أربعة دول، بينما أعلن الأردن وحده عن استضافته هذا الرقم بين لاجئين مسجلين أو مقيمين لدى أقارب لهم. فيما أعلنت تركيا أنها لن تستطيع استقبال أكثر من مائة ألفا بعد أن فاق عدد اللاجئين المسجلين بها الخمسين ألفا. مما يوحى بأن استمرار نزف الدم السورى لم يعد مقبولا، ليس بوازع الإنسانية، وإنما لأسباب استراتيجية إقليمية. ويُضاف إلى ذلك مخاطر عودة الأسد لهوايته المفضلة بالمناورة السياسية على أراض مجاورة لكسب أوراق للضغط الإقليمى، وذلك عبر محاولة التفجير الفاشلة فى عكار بشمال لبنان أو التفجير الذى وقع فى غازى عنتاب بجنوب تركيا.

 

وفى هذا الإطار تصاعدت التحذيرات الغربية من إمكانية استخدام الأسد لأسلحة كيماوية، وهو ما يمكن قراءته باعتباره تحذيرا لموسكو وليس لدمشق. فروسيا تتمتع بسيطرة شبه تامة على الأسلحة غير التقليدية التى حازتها سوريا منها وذلك منعا لانتقالها الى تنظيمات أخرى ترعاها دمشق كحزب الله وحماس. ومن ثم فإن الخوف من استخدام هذه الأسلحة يعد مؤشرا إما على نفاد الأسلحة التقليدية ومن ثم اللجوء لغير التقليدية، أو مؤشرا لقرب السقوط العسكرى للأسد ومن ثم الخوف من سقوط هذه الأسلحة بيد الكتائب المسلحة للجيش الحر الذى يكتسب قوة يوما بعد يوم.

 

•••

 

الثابت أن الإبراهيمى يتمهل كى لا يفشل ولكن التمهل ليس مجانيا بل الشهداء فى ازدياد والمآسى الإنسانية تتوالى واللاجئون يتدفقون ويخلخلون أمنا إقليميا هشا بالأساس. كما أن الأسد يترنح والجيش الحر على طريق التسلح، فإما يحين السقوط باتفاق  يحظى بدعم إقليمى ودولى كطائف لبنان وتقاسم السلطة فى جنوب أفريقيا، لكنه يستجيب ايضا لمطلبى الشعب السورى بالحرية والكرامة وإما سقوط بلا اتفاق يدفع الطرف الخاسر من المعادلة الى إشعال فوضى تنسف خطط الانتقال ما بعد الأسد، ويفتح أفق حرب أهلية لم تبدأ بعد.

 

 

رابحة سيف علام باحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
التعليقات