تصويت بالإكراه! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تصويت بالإكراه!

نشر فى : الجمعة 28 أغسطس 2020 - 8:50 م | آخر تحديث : الجمعة 28 أغسطس 2020 - 8:50 م

قرار مجلس إدارة الهيئة الوطنية للانتخابات، بإحالة جميع الناخبين المتخلفين عن التصويت فى انتخابات مجلس الشيوخ إلى النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات ضدهم، يمثل سابقة تاريخية فريدة من نوعها، إذ لم يحدث من قبل، قيام أى دولة فى العالم بمعاقبة نصف شعبها، لرفضه الذهاب طوعا إلى صناديق الاقتراع.
وطبقا للهيئة الوطنية للانتخابات، فإن عدد المقيدين بقاعدة بيانات الناخبين الذين يحق لهم التصويت فى الانتخابات، يقدر بـ 62 مليونًا و940 ألفًا و165 ناخبًا، حضر منهم للتصويت فى المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة 8 ملايين و959 ألفًا و35 ناخبًا، بنسبة مشاركة 14.23%.
هذه المشاركة الضعيفة، دفعت الهيئة الوطنية للانتخابات إلى إحالة المتخلفين عن التصويت للنيابة العامة، وعلى الرغم من أن قرارها لا يخالف نص قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر برقم 45 لسنة 2014 وتعديلاته، والذى نص فى مادته رقم ٥٧، على معاقبة الناخب المتخلف عن الإدلاء بصوته بغرامة لا تجاوز 500 جنيه، فإنه يخاصم روح السياسة، التى تعطى المواطن الحق فى مقاطعة الانتخابات، طالما لا يجد فيها ما يعبر عن طموحاته ومشاكله وهمومه.
جوهر القضية التى ينبغى الالتفات إليها من قبل أجهزة الدولة المختلفة، ليست إكراه المواطنين على التصويت فى الانتخابات، عبر تهديدهم بالإحالة إلى النيابة العامة ودفع غرامة 500 جنيه، ولكن إقناعهم بأن أصواتهم لها قيمة ومشاركتهم فى جميع الاستحقاقات ضرورة حتمية، حتى يساهموا فى صناعة القرار السياسى والتأثير فيه، وصياغة توجهات الحكومة، التى لا يجب أن تشعر بالحصول على تفويض مفتوح من الشعب، يشبه «الشيك على بياض»، ما يمنحها دائما حرية بلا قيد فى الحركة والتصرف واتخاذ القرارات بشكل منفرد من دون الخوف من نتائج الصناديق المحسومة سلفا لصالحها!
كيف يمكن إقناع المواطن بجدوى المشاركة؟ هل يتحق ذلك عن طريق الحملات الإعلامية المكثفة من نوعية «صوتك أمانة» و«انزل علشان تغير» و«قول رأيك لتصنع مستقبل الوطن»؟.. بالتأكيد لا.. فهذه الطرق القديمة لم تعد تؤتى أكلها، ولن تدفع المواطن العادى إلى اتخاذ قرار اختيارى بالنزول للجان الانتخاب للتعبير عن رأيه بحرية فى صناديق الاقتراع.
السبيل الوحيد لتحقيق هذا الهدف، هو إعادة إحياء السياسة التى جرى تغييبها خلال السنوات الأخيرة، والتى سعى الكثيرون فى وسائل الإعلام إلى التقليل من شأنها وترسيخ تصورات خاطئة حولها، مثل اعتبارها ترفا لا تحتاجه المرحلة الحالية التى هى مرحلة بناء وبقاء، بل إن بعض من يظهرون على الشاشات، لم يجدوا حرجا فى وصف التفاعل مع القضايا العامة بالجريمة التى لا تغتفر، وأن إعلان البعض عن النية فى خوض غمار المنافسة على أرفع المناصب العليا فى الدولة عار وخيانة وعمالة لـ«أعداء الوطن»..
عملية إحياء السياسة تتطلب إعلاما مستقلا بشكل حقيقى، يناقش القضايا العامة بكل حرية.. ينحاز للمواطن وليس للحكومة.. إعلام لا يصطف فى طابور الصوت الواحد.. ينتصر للرأى والرأى الآخر، ولا يشارك فى حملات التشويه والاغتيال المعنوى للمخالفين، كما حدث ذلك مرارا خلال السنوات الماضية.
إحياء السياسة يتطلب كذلك فتح المجال العام، وإتاحة الفرصة كاملة للأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدنى، للعمل بحرية وعدم تكبيلها بالقوانين أو بالقيود الأمنية، طالما لا تحرض على العنف أو الفتنة الطائفية، أو تساهم فى حملات تستهدف هدم مؤسسات الدولة المختلفة.
عندما يحدث ذلك ويتم إحياء السياسة بحق وليس بالادعاء والزيف، سيتسابق المواطنون إلى صناديق الاقتراع، ولن يكون هناك داعٍ لإكراههم على التصويت خشية الإحالة للنيابة ودفع الغرامة.

التعليقات