ماذا جرى للمصريين (٢) - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا جرى للمصريين (٢)

نشر فى : الأحد 29 يونيو 2014 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 29 يونيو 2014 - 7:00 ص

على مشارف أيام «تُصَفَّد فيها الشياطين» أعيد طرح سؤالٍ، هو بحكم الواقع «وما جرى» كان مطروحا وملحا طوال الوقت. ربما يكون فى أجواء رمضان ولياليه فرصة هدوء «لمحاسبة النفس» وتدبر السؤال، والإجابة.. وإدراك خطورة «أن نكون هكذا».

•••

فى رمضان الفائت، أو ربما الذى قبله لا أذكر بالضبط، حكى لى ابنٌ من جيل أقدره، تبرع لوطنه بكل ما يملك، «حياة ومستقبلا وعيونا أتلفتها طلقات الرصاص المطاطى»، كيف كان مع أصحابه لعشر سنوات كاملة يجتمعون عند والدته فى أحد أيام رمضان للإفطار. وكيف أنهم لم يقطعوا «العادة الطيبة» أبدا.. ثم كيف أن الخلاف بينهم على طاولة الإفطار فى تلك المرة «وهم أصحاب العمر» وصل فى حدته إلى درجة التلاسن ثم التراشق بما طالته أيديهم.

فى رمضان هذا العام لن تقيم الأم المصرية الطيبة مأدبة الإفطار التى تعودتها للأصدقاء، الذين فرقتهم ليس فقط خلافات عدم اليقين، بل «المنافى».. اختيارية كانت أو جبرية.

ماذا جرى للمصريين؟

•••

فى الثامن من سبتمبر من العام الماضى، ووسط «رائحة الدم» وجنون حالة استقطاب حاد متوقعة ومفهومة، كتبت فى هذا المكان مستغربا أن تنشر إحدى الصحف فى صدر صفحتها الأولى أنها «اكتشفت» أن مسئولا كبيرا بإحدى الوزارات الخدمية قد صوت لمحمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية (٢٠١٢). وأن تعتبر أن فى اكتشافها هذا «خبرا». وأن فى الاكتشاف ما يدين الرجل (!)

وكنت على الناحية الأخرى، قد استغربت يومها أيضا أن يكون المانشيت الرئيس الذى يتصدر الصفحة الأولى للجريدة الرسمية لحزب ذى مرجعية دينية (الحرية والعدالة: ٢٥ أغسطس ٢٠١٣) ما نصه: «لجنة الانقلابيين لتعديل الدستور تجيز سب الدين والرسل وتشجع انتشار الفساد وتدعم تدهور الأخلاق» (!)

محذرا من نتائج ما بدا «مكارثيا»، تمنيت يومها أن يكون ذلك كله أعراض «حمى» هى ككل حمى «مسألة وقت». غير أنى فيما يبدو كنت متفائلا.

ماذا جرى للمنطق.. أو بالأحرى ماذا جرى للمصريين؟

•••

عامٌ على الثلاثين من يونيو، وبين المصريين من مازال يرى أن الذين نزلوا إلى الشوارع يومها «رافضين حكم الإخوان» ليسوا أكثر من متآمرين (!)، أو أن أرقام الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ثم الانتخابات الرئاسية لا تعنى بوضوح أن الإخوان قد فقدوا ظهيرهم الشعبى. ولكن بين المصريين أيضا من يلصق بالإخوان كل نقيصة ممكنة أو غير ممكنة، بما فيها المسئولية حتى عن انهيار النظام العالمى وسقوط الاتحاد السوفييتى، بل وسقوط الأندلس (أحد الإعلاميين قال ذلك دون أن يرمش له جفن)

فى مصر الآن من مازال لم يفهم معنى ما جرى فى الثلاثين من يونيو، معتقدا بأن الساعة يمكن أن تعود إلى الوراء. وفى مصر أيضا من لا يريد أن يقر بخطورة كثير مما جرى بعد الثالث من يوليو، وبأنه يعنى ببساطة أن تعود الساعة «أيضا» إلى الوراء.

حبس البعض نفسه فى قمقم «الانقلاب يترنح»، وحبس آخرون أنفسهم فى سادية «إفرمهم يا سيسى». ارتاح البعض إلى العيش فى وهم أن «مرسى عائد» رغم أنف الملايين، وأدمن البعض فكرة الإجهاز «أمنيا» على الإخوان، أو من يُشتبه فى كونهم كذلك. حتى لو كان هناك من يستثمر تلك الفكرة فى القضاء على كل معارضة لا بديل عنها لبناء دولة قوية فى زمننا هذا.

ارتاح البعض إلى ترويج مقولة أن الآخرين ما هم إلا «عبيد»، نساؤهم غوانى يرقصن فى الشوارع والميادين، ورجالهم أغوات يلعقون أحذية العسكر. وعليه فإن رأيهم أو أصواتهم فى الشارع أو فى الصناديق لا قيمة لها. وتمترس آخرون خلف مقولة أن الآخرين «إرهابيون» أو على أقل تقدير «خرفان.. مُساقون». توارت عفةُ اللسان، ودماثةُ الخلق.. «والكلمُ الطيب». ونسى هؤلاء وأولئك أن «رُبَّ كلمة يلقى بها أحدكم، لا يلق لها بالا، تهوي به فى النار سبعين خريفا».

•••

«مبسوطين بقى..» إلى هذه الدرجة وصلت «أعراض المرحلة» بإعلامية تعليقا على ما جرى فى التحرير ليلتها من تحرش «وصل إلى حد الاغتصاب»، فى حين ألقت مسئولة رفيعة بالمسئولية كلها على «عصابات منظمة للإخوان»، ناسية أن الظاهرة قديمة، وشوارع وسط البلد عرفتها صباح كل عيد. ليس هذا فقط بل كانت ثالثة الأثافى أن ألقى أحد الإعلاميين بمسئولية التحرش فى التحرير على «الاتحاد الأوربى».. ولا تعليق.

أما التى افتتنت بربطات العنق والبدل الرسمية يومها ساخرة من «ناس مننا» تصادف أن دخلوا القصر يوما بلحاهم أو بجلابيبهم، فيبدو أنها نست أننا بصدد نظام يحاول جاهدا أن يبنى شرعيته على استدعاء نوستالجيا نظام بناه ابن «ساع بريد» اسمه جمال عبدالناصر، ثم لعلها تتذكر فضلا عن ذلك، وربما قبله بأن «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ»

ثم كان من «أعراض المرحلة» أن دشن البعض حملة لمقاطعة إعلاميين وكتاب، كادوا سابقا يحملونهم فوق الأعناق. والأدهى أنهم يكيلون لهم اليوم الاتهامات ذاتها التى سبق أن كالها لهم الإخوان (!) وتتسع القائمة يوما بعد يوم لتشمل يسرى فودة ومحمود سعد وليليان داود وعلاء الأسوانى وبلال فضل وعمرو واكد، فضلا عن صحف ووسائل إعلام مثل «الشروق» وON TV.. إلخ (خرج باسم يوسف من القائمة بعد أن أسكتته الحرية الجديدة).

فى مصر الآن من يستكثر عليك أن تكون «مستقلا»، معتبرا أنك إن لم تكن معه مائة فى المائة فأنت عدوه مائة فى المائة. وأن رفضك للوقوف «مطيعا» فى مربعه، يعنى بالضرورة أنك تقف فى المربع المضاد. رغم أنك لا تقول أكثر من قولة مالك: «كلٌ يؤخذ منه ويُرد..». وتعتبر أن «هكذا الإنصاف».

ثم ذهبت ثنائية الاستقطاب «كما الإفك» إلى حد عدم اعتراف البعض بوجود معارضين أو متحدثين عن الديموقراطية خارج صفوف «الجماعة»، أو على الأقل «العملاء». فتتصدر أغلفة المجلات «الرسمية» قوائم «لألف من الخونة»، كما تذهب «الفانتازيا» بإحداهن إلى أن تتهم ناشر «ميريت» محمد هاشم، لا غيره، وعلى الهواء مباشرة «بالتأخون». ولا عزاء للمنطق.

ماذا جرى للمصريين..؟

يدعو كاتب مسرحى إلى «القتل خارج القانون» دفاعا عن «شرف البوليس»، ويُنسب إلى أستاذ جامعى الدعوة إلى قتل أطفال الشوارع كما الكلاب الضالة. ورغم أنه أوضح ــ وأُصَدقه ــ أنه لم يكن يقصد ذلك، وأن مقاله فُهم خطأ، وربما بعكس ما يرمى إليه، إلا أن ذلك لم ينف للأسف حقيقة أن ساعة واحدة كانت كافية لأن يُعرب الآلاف من «المصريين» عن إعجابهم بالفكرة. (!)

ليس بعيدا عن ذلك أن بين المصريين الآن من يصفق لأحكام بإعدام المئات، استوقفت إجراءاتُها القاصى والدانى، وبينهم أيضا من ينتشى لعملياتٍ تستهدفُ مجندين بسطاء أبرياء، لا ناقة لهم ولا جمل فى صراعاتٍ سياسيةٍ يدفعون ثمنها مرتين.

•••

ماذا جرى للمصريين؟ ثم ماذا جرى للمنطق؟

فى مصر الآن من لم يتردد فى أن يقول بملء فيه، وفى محاضر رسمية أن «المراسلين الأجانب» هم الذين قتلوا المتظاهرين فى يناير، متجاهلا أن تقريرا «رسميا» للجنة تقصى الحقائق (المشكلة في فبراير ٢٠١١) يقرر بوضوح مسئولية الشرطة عن إطلاق الرصاص على المتظاهرين، فضلا عن دهسهم بالسيارات المصفحة. وكذا مسئولية رجال نظام مبارك، ورجال الأعمال المقربين منه عن أحداث الثانى من فبراير المعروفة بموقعة الجمل.. إلخ (الرابط لنص التقرير مصاحب للمقال المنشور على موقع الشروق).

يتحجج البعض بأحكام صدرت بالبراءة، والحكم هو عنوان الحقيقة، متغافلا عما يعرفه بوصفه رجل قانون من أن «القاضى يحكم بظاهر الأوراق»، وأن خلو الأوراق من الأدلة، وإن كان مسوغا قانونيا لبراءة المتهم، إلا أنه قد يمثل أيضا إدانة للجهات المسئولة عن جمع الأدلة وتقديمها. وفى ذلك حديث يطول.

ليس المفارقة فيما قاله المحامى، فذلك دوره وربما واجبه. وليست المفارقة فيما قد تقضى به المحكمة «فتبرئة مائة مدان خير من إدانة برىء واحد»، ولكن المفارقة كلها فى أنه قد أصبح بين المصريين من يصدق ذلك. ولا عزاء للمنطق.

فى مصر الآن «التى تشكو عجزا فى الموازنة»، يخرج علينا المسئول الرقابى الأول بتقارير موثقة عن فساد بالمليارات فى أجهزة توصف «بالسيادية»، ثم بدلا من أن يخضع الأمر للتحقيق الجاد، يُهاجم الرجل، ويتعرض لحملة اغتيال معنوى غير مسبوقة. ثم يبدو الأمر كله وكأنه لا يعنى أحدا من المصريين.

فى مصر الآن «حقوقى» يدافع عن القبضة الأمنية على الانترنت، ومثقف حارب لسنوات على الجبهة يقول إن «حماس أخطر من إسرائيل» هى لحظة «اللا يقين».

ففى مصر الآن من يقول بأن «حقوق الإنسان» ينبغى إرجاؤها، وأن الحفاظ على الدولة أولى. وأننا لا نريد أن نكون مثل العراق. ناسيا أننا وإن كنا لا نريد أن نكون مثل «عراق الإرهاب والتفجيرات»، فإننا لا نريد أيضا أن نكون مثل «عراق صدام»، بل وغافلا عن حقيقة أن انتهاك حقوق الإنسان زمن صدام وبعده، هى التى أوصلت العراق إلى ماوصل إليه.

فى مصر الآن لا تستغرب أن تقرأ فى «الأهرام» مقالا لمسئول ثقافى رفيع يروج فيه «لضرورة الديكتاتورية» موضحا لنا ما فاتنا أن نتعلمه من «المعنى الإيجابى للحكم الديكتاتورى» الذى يعمل على نهضة البلاد! منبها أمثالنا إلى أن الذى يحكم «بتفويض من الشعب» له أن يكون ديكتاتورا..! لا بأس، فهذه وجهة نظر علينا احترامها. فقط أظن المسألة تحتاج إلى نقاش وحوار «وقراءة فى التاريخ» تذكرنا يما فعل أولئك «الديكتاتوريين» المفوضين من شعوبهم بشعوبهم، إن فى ألمانيا النازية، أو إيطاليا الفاشية، أو ربما حتى فى «الجماهيرية» القريبة، أو فى عاصمة الرشيد.

هى لحظة «اللا يقين».

بين المصريين من لعبت برأسه حملات ممنهجة لغسل الدماغ، فصار لا يتردد فى الترحيب بعودة نظام ثار هو عليه قبل سنوات، ويعلم، قبل غيره حجم فساده ودرجة استبداده.

فى مصر الآن من يستخدم «فزاعة الإخوان» تمريرا أو تبريرا لدولة بوليسية قمعية، والأدهى أن هناك من يرحب بذلك. يفرح البعض بالقمع، وينسى أن القمع هو مفرخة الإرهاب التقليدية. يتوهم البعض أن علينا التضحية بالحريات «حفاظا على الوطن»، وفاته أن يقرأ فى التاريخ أن المواطنين «الأحرار» هم فقط الذين يحافظون على الوطن. لأنهم ببساطة يشعرون أنه «وطنهم».

فى مصر الآن من لم يقرأ «كيف قتلت الدبة صاحبها»، فيتخذ كل يوم من الإجراءات ما من شأنه أن يُضعف الدولة التى يقول إنه يدافع عنها.

في مصر الآن من لم يدرك أثر أن تدع جريدة بحجم «نيويورك تايمز» صفحتها الأخيرة بيضاء تماما، إحتجاجا على أحكام السجن المشدد على صحفيي «الجزيرة». كما لم يكترث بأن يقرأ مقالات خصصت لعرض ما قيل أنه أدلة الاتهام.

يبحث البعض عن قوة الدولة، مبررا كل قمع أمنى أو إرهاب فكرى للمعارضين، ناسيا الحقيقة الثابتة من أن «لا دولة قوية بدون معارضة قوية». مستمرئا الأخطاء «والخطايا» ذاتها التى أخرجت الناس إلى الشوارع فى ٢٥ يناير، غافلا عن أن تكرار الأسباب يؤدى إلى تكرار النتائج، كارها لمفهوم «العدالة الانتقالية»، متجاهلا كل حديث عنها أو مطالبة بها، رغم أن التجربة تقول إن الالتزام بتدابيرها هو الطريق الوحيد «الآمن والسلمى» لمجتمع جديد يخلو من العوامل التى أدت إلى التمرد والثورة.

فى مصر الآن من غامت به الرؤى فكان أن دفع شبابا لأن يكفر ببلده، ليس آخرهم من كتب عنه علاء الأسوانى فى مقاله «الأخير».

•••

وبعد..

فقبل نحو العام، وكان الإخوان مازالوا فى رابعة، كتبت هنا تحت العنوان ذاته (مستوحيا عنوان الكتاب الشهير للدكتور جلال أمين) وأحسب أننا مازلنا.. «نعدو فى المكان» وإن تمنينا غير ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:
أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات