العاصمة الجديدة وصنع القرار فى مصر - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العاصمة الجديدة وصنع القرار فى مصر

نشر فى : الإثنين 29 يونيو 2015 - 11:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 29 يونيو 2015 - 11:20 ص

ذكرت صحيفة المصرى اليوم، صباح الجمعة الماضى، أن قرارا صدر بحظر النشر عن مشروع العاصمة الجديدة، وجاء ذلك بعد أن نشرت الصحف قبلها بيومين أن الطرف الإماراتى قد انسحب من المشروع، وأنه لم يمكن الوصول إلى اتفاق معه لعدة أسباب منها، وفقا لرواية هذه الصحف، اعتراضه على النسبة العالية، من وجهة نظره، التى ستؤول للحكومة المصرية فى رأس مال الشركة التى ستقوم بتنفيذ المشروع، وذكرت الصحف أيضا، أن الحكومة المصرية لم تقبل أن يعول الطرف الإماراتى فى تمويل المشروع على قروض يحصل عليها من المصارف المصرية. وأيا كانت الحقيقة بالنسبة لهذه التقارير، فمن المؤكد أن هذا المشروع تعترضه حتى الآن عقبات كثيرة. ومهما كان مستقبله، فإنه يثير عددا من الملاحظات الهامة التى أتمنى أن يأخذها صانع القرار عند تحديد المصير النهائى له.

***

الملاحظة الأولى والأهم تتعلق بكيفية صنع القرار فى هذا المشروع. التحول إلى عاصمة جديدة وصفت بأنها سيكون فيها مقرا للحكومة والبرلمان والسفارات الأجنبية، وهى بهذه المؤسسات لا يمكن أن تكون عاصمة إدارية بل هى عاصمة سياسية بكل معنى الكلمة، قرار بهذه الخطورة لا يمكن أن يتخذ فى الغرف المغلقة، وأن تحيط به السرية، وأن ينفرد به شخص واحد أو حتى مجموعة صغيرة من الأشخاص فى غياب أهم مؤسسات الدولة. صحيح ليس لدينا مجلس نيابى حتى الآن، ولكن هناك مجلس وزراء. ومنذ ظهرت بوادر هذه الفكرة، وأنا أتابع كل ما ينشر فى الصحف عن القضايا التى يناقشها مجلس الوزراء، ولم أقرأ لا قبل الإعلان الرسمى عن هذا المشروع فى المؤتمر الاقتصادى ولا بعده أن مجلس الوزراء قد ناقش هذا الموضوع، ولم أقرأ بين ما ذكرته الصحف عن الموازنة الجديدة أنه جرى اعتماد مبالغ فى ميزانية الدولة لتنفيذ هذا المشروع. ربما يرد البعض بأن مجلس الوزراء ربما ناقش هذه الفكرة ولم يصرح بالنشر عنها، لو صح ذلك فسأحمل مجلس الوزراء مسئولية عدم إعلام المواطنين بالموضوعات الهامة التى يناقشها وعدم الشفافية. ونظرا لأن هذا الأمر لم يعد سرا من الأسرار، فلا يمكن التحجج باعتبارات الأمن القومى كتبرير لعدم إعلام الرأى العام بهذه الفكرة، والإصرار على إعلام المواطنين بهذا الأمر ليس تلبية لمشاعر الفضول لدى المواطنين، ولكن لأن أى إنفاق على هذا المشروع سوف يأتى من الموارد التى يتيحها المواطنون للحكومة سواء فى صورة ضرائب، أو إيرادات من مرافق أو خدمات عامة هى ملك للشعب، والحكومة مجرد نائب عنه فى التصرف فى حصيلتها منها، وفى وجود مجلس نيابى عليها أن تقدم تقريرا بما فعلته فيها، وغياب هذا المجلس النيابى بسبب مماطلة الحكومة فى ترتيب إنتخاباته سواء بسبب افتقاد الإرادة السياسية أو عدم كفاءتها فى صنع قوانين خالية من العوار الدستورى، لا يعفيها من مسئوليتها فى أن توضح للرأى العام ماذا تفعله بأمواله. وظنى أن الحكومة لم تعرض هذا الأمر على الرأى العام لسبب بسيط هو أنها لم تستشر فيه. والوحيد بين وزرائها الذى يتحدث عنه ويتحمس له هو فقط وزير الإسكان. وعلى خطورة هذا المشروع لم نسمع ولم نقرأ لأى من الوزراء الآخرين حديثا عنه باستثناء كلمات قليلة من رئيس الوزراء، بعد الإعلان الفعلى عن المشروع فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، يبارك فيه المشروع، ولكنه لم يذكر إطلاقا أن هذا المشروع قد مر على الحكومة قبل الإعلان عنه.
هذه قضية خطيرة لا ينبغى أن تمر علينا وأن نتركها تتكرر. كيف لأمر بهذه الأهمية أن يجرى تقريره دون أن يكون أولا موضع دراسة كافية وواسعة داخل مؤسسات الدولة، ودون أن يطرح للنقاش الواسع على الرأى العام، ودون أن يدلى الخبراء المتخصصون رأيهم فيه، ودون أن تتحدد طبيعته وأهدافه وكيفية تنفيذه. هذه مسائل لا ينفرد بها عدد محدود ممن يحيطون بالرئيس، لأن الذى يتحمل أخطاء الحكومة هم المواطنون فى الحاضر والمستقبل، ولأن الخبراء المحيطين بالرئيس ليسوا بالضرورة هم المؤهلون للحكم على جميع المسائل. وعندما عرف الرأى العام بهذا المشروع لم نجد من بين المتخصصين فى جوانب هذا المشروع المختلفة من يقدم دفاعا مقنعا عنه.
***
والملاحظة الثانية هى طبيعة هذا المشروع. لقد أدرك من عليهم بحكم وظائفهم أن يقدموا هذا المشروع للرأى العام أن القرار بشأنه لم يتخذ على النحو السليم، ولذلك راحوا يقللون من شأن المشروع، فهو مجرد مركز إدارى ومالى، وتنفيذه سيستغرق عقودا طويلة، والقصد منه مجرد خدمة الشركات الكبرى التى ستأتى لتنفيذ مشروع إقليم قناة السويس، ونظرا لأنه لا توجد خدمات مناسبة لهم فى منطقة القناة كما يقولون، فقد تم اختيار بقعة بالقرب من مدينة القاهرة الجديدة لتوفير هذه الخدمات الإدارية والمالية لهم، وكأنه من المستحيل مع إنفاق مليارات الدولارات على المشروعات الكبرى الموعودة فى إقليم قناة السويس أن نقيم المركز الإدارى والمالى هناك. ولا أظن أن هناك أى صعوبة فى العثور على المكان المناسب لهذا المركز الإدارى والمالى فى الصحراء الواسعة التى تحيط بإقليم قناة السويس جنوبا ووسطا وشمالا وغربا وشرقا. وإذا كان الهدف من هذا المشروع هو تخفيف الضغط على القاهرة والحد من مركزيتها المعطلة، فسوف يكون الأولى هو إقامة هذا المشروع بعيدا عن القاهرة وبالقرب من هذه المشروعات التنموية الطموحة.
والطريف فى هذا الأمر، أنه بعد إعلان أحد كبار المسئولين فى وزارة الإسكان أن هذا المشروع لا يعدو كونه مجرد مركز مالى وإدارى لخدمة إقليم قناة السويس، فإن صحيفة الأهرام طالعتنا فى اليوم التالى لتصريحاته، أى فى 15 يونيو 2015 وعلى صفحاتها الأولى، بأن الرئيس قد اجتمع مع وزير الإسكان وعدد من كبار قادة القوات المسلحة المسئولين عن هيئتها الهندسية وذلك للتخطيط «للعاصمة الجديدة» وشق الطرق إليها. المسألة ليست مجرد مركز إدارى ومالى ولكنها عاصمة جديدة يضعها الرئيس على قمة أولوياته.
***
وبصرف النظر عن إقامة عاصمة جديدة تخفيفا عن الضغوط التى تعانى منها مدينة القاهرة، وهذه هى الملاحظة الثالثة، وهى فكرة تستحق النقاش والنقاش المتعمق على أوسع نطاق ممكن وليس بين الخبراء وحدهم، والذين لا يجب إطلاقا أن يقتصروا على المعمارين، ولكن لابد أن يشترك فى هذا النقاش أساتذة الاقتصاد والسياسة والاجتماع والإدارة العامة والشئون الاستراتيجية وغيرهم بل وعموم المواطنين قبل الاستقرار على قرار يحظى بتوافق، فإن السؤال الهام الثالث هو موقع هذه الفكرة من أولوياتنا فى المرحلة الراهنة. لم يوافق الرئيس بعد على موازنة الدولة قبل العام المالى الجديد الذى سيبدأ بعد أيام من نشر هذا المقال، وتكافح الحكومة من أجل خفض حجم العجز والنزول به إلى أقل من 10% من الناتج المحلى الإجمالى، وهى مهمة عسيرة للغاية لأن تحقيقها يقتضى خفضا فى الإنفاق العام وتعبئة لمزيد من الإيرادات، وهو ما يتحمله المواطنون فى صورة رفع أسعار بعض السلع وما يؤدى إليه ذلك من ارتفاع عام فى مستوى الأسعار، وعلينا أن تعتمد على مواردنا الذاتية مع توقف دول الخليج عن تقديم مساعدات إضافية لمصر، ونحن نشكرها بالفعل على ما قدمت. يثور السؤال «هل فى ظل شح الموارد وتدنى الخدمات العامة من مياه لا تكفى للشرب أو للرى ومن مدارس مكتظة بالتلاميذ وتعليم متدهور وخدمات صحية غير موجودة تقريبا وسكك حديدية لا تليق بالبشر، هل فى هذه الظروف يكون توجيه مليارات الدولارات لبناء عاصمة جديدة هو أولويتنا الأولى»؟ وما هى الخواطر التى دارت فى أذهان أعضاء الوفود التى حضرت المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ والذين دعوا ليساعدونا على الوفاء بحاجاتنا الأساسية عندما وجدوا حكامنا مشغولين وفرحين بتوقيع اتفاق إقامة عاصمة جديدة؟ هل كان ذلك مشهدا يوحى بجديتنا فى مواجهة قضايانا العاجلة والتخطيط المستنير لمستقبلنا»؟
لن أدخل فى تفاصيل هذا المشروع، ولكن أتمنى أن تكون الصعاب التى تواجهه دافعا لكى يعيد كبار المسئولين فى بلدنا نظرهم فيه، بل وأن يضعوه على الرف وأن يحلوا محله ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومدير شركاء التنمية

اقتباس
هل فى ظل شح الموارد وتدنى الخدمات العامة من مياه لا تكفى للشرب أو للرى ومن مدارس مكتظة بالتلاميذ وتعليم متدهور وخدمات صحية غير موجودة تقريبا وسكك حديدية لا تليق بالبشر، هل فى هذه الظروف يكون توجيه مليارات الدولارات لبناء عاصمة جديدة هو أولويتنا الأولى؟

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات